
بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
تعرضنا في المقالة السابقة إلي الجزء الأساسي في حياة (ابنى آدم)، وهو قربان هابيل الكبش، و أوضحنا أن الكبش كان مرتبط بأوزيريس في الحضارة المصرية (وننوه أن أبناء آدم لم يذكر أسمائهم إلا في الإسرائيليات).
ولكن يظهرا في الحضارة المصرية بأن (ابنى آدم) هما أخوين يتصارعا على الحكم بصرف النظر عن الأسماء المصرية أو الإسرائيلية، والدليل هو ظهور الكبش بصورة إلاهية في الحضارة المصرية وارتباطه بأوزيريس.
ومن هذه النقطة نوضح أن الكاهن المصري القديم اختلق ثقافة كاذبة ، وخرج من العقيدة التوحيدية التي اعتنقها الشعب المصري ، ووضع وحرف الكثير في القصص الحقيقي للبشرية السابقة عليه .
وعندما ننظر إلي الثقافة الكاذبة، في تحليلها نجد أنها خاصة بالكهنة، ويقومون بعملية إيهام بأنهم تلقوها بالإلهام، ولكي يقنعوا المريدين التابعين، فإنهم يخلقون لهم صور حسية عن الآلهة المزعومة التي انحرفوا بها إلي الشرك، وكان في المعابد المصرية غرفة تسمى ببيت الحياة، يعمل الكهنة بهذه الغرفة على إخراج الصورة المحسوسة للآلهة المخترعة.
فقد صورا (خنوم) بصورة إنسانية، ولكن الرأس كبش، .. وهكذا في جميع الآلهة التي تحمل صور حيوانية، والهدف من ذلك تكوين صور حسية عند المريدين عن تلك الآلهة ، واستعانوا بفن العرض المسرحي التمثيلي، لتقديم أفكارهم المحرفة، ولنرى كيفية عملهم على الجهاز الحسي للجمهور والممثلين:
من أهم اجزاء الجهاز الحسي: الحواس الخمسة، المستقبلات الرئيسية للأشياء ومعرفتها عن طريق الحواس، وعندما كون الكاهن الصورة الحسية للكبش في شكل إنسان بقناع كبش، وأطلق عليه إله، فإن الحواس بالنسبة للجمهور والممثلين سوف تكون صورة حسية عن هذا الشكل ونوجزها في :
البصر: شكل بشري برأس كبش.
السمع: الكلام بصوت الكبش (الرفيع).
الشم: رائحة الكبش.
اللمس: يتوازى مع ملمس أقدام الكبش.
التذوق: لا علم لي إلا طعام الكباش (البرسيم – والخضرة – والعشب).

يتفاعل الجمهور والممثلون
وهذه الصورة الحسية الكاذبة سوف تدخل إلى الذهن، وفي هذه المرحلة لا يستطيع الجمهور أو الممثلون، تحليل هذه الصورة وردها إلي الخرافة، لأنها من كاهن يعتقدون فيه أنه مقدس، وسوف تخزن تلك الصورة في الذكرة بلا تحليل، وبالتالي أثناء العرض سوف يتفاعل الجمهور والممثلون في علاقة كاذبة ناتج عنها مشاعر كاذبة، وعند تمثيل مشهد (خنوم) التالي:
مشهد صامت:
(خنوم) برأس الكبش – أمامه عجلة الفخراني – يقوم بتشكيل الإنسان الأول (آتوم) في صورته البشرية
مشهد صامت:
(خنوم) برأس الكبش – يضع شكل في بطن الأم طين صلصال في صورة ذكر أو أنثي مع مني الذكر.
ولكي يقوم الممثل بتمثيل تلك الشخصية، لا تستطيع ذاكرته قبول الشكل الحيواني لخنوم، ولن يستطيع جسده أن يقوم بأي حركات حيوانية، بل سوف يعتمد على يديه فقط، والقناع الذي يرتديه، ينقذه من التعبيرات والإيماءات، أما بالنسبة للجمهور، فأنه حاضر بذاكرة كاذبة عن هذا الكبش، وأن حواسه لا تستطيع التعامل مع الشكل، والصوت، والرائحة، واللمس، والتذوق ، فكل هذا كاذب.
وهكذا نرى عمل الكهنة في تكوين الذاكرة الكاذبة عند الممثل والمشاهد، ولكن تتبقى نقطة، إذ أن العرض هنا غير تأثيري بالمرة، وبالتالي لن ينفعل الجهاز الحسي عند الممثل أو المشاهد، ولن يكون للعرض جدوى، ولكن نذكر بأن برغم قيام الكهنة بالتحريف.
إلا أنه في خضم هذا التحري توجد معلومة واحدة حقيقية، وهى خلق الإنسان من الطين، وهى الصورة التي سوف ينفعل بها الممثل والمشاهد، لأنها آية من آيات الخلق الكبرى.
وهكذا نلاحظ مدى عمل الجهاز الحسي مع العروض الكاذبة، بالذكرة الحسية، الخاصة بالمشاهد والممثل، وأنها لا تنفعل إلا بما هو حقيقي، وهذا الانفعال الحقيقي مع ظهوره ينسي المشاهد والممثل، الصورة الكاذبة المغلفة للمعلومة الحقيقية.
ويشعر الممثل والمشاهد بالمتعة الجمالية (التأثيرية) مع لحظة خروج الإنسان الأول وتشكله من الطين أو وضع (خنوم) في بطن الأم تمثل صلصال لصورة الطفل الوليد أو الطفلة الوليدة، بالإضافة إلى مني الرجل.

عمل الجهاز الحسي
مما سبق نكون قد تعرفنا على عمل الجهاز الحسي، والتأثير الواقع عليه من قبل الثقافة الكاذبة، والتي حاول الكهنة من خلالها، تكوين ذاكرة كاذبة بالنسبة للجمهور والممثلين، ورأينا بالتحليل التأثيري كيفية تعامل الجهاز الحسي مع العرض التمثيلي بالنسبة للمشاهد والممثل، وأوضحنا أن المعلومة الصادقة هى التي تتبقى في ذاكرة كلا الطرفين (المشاهد – الممثل).
وننتقل الآن إلي قصة (ابني آدم) فيما بعد أن قدما القرابين، وتم قبول الكبش من الاخ الصالح ورفض قربان الثاني، ولم يقبل الاخ الثاني هذا الحكم الإلهي، وقام بقتل بأخيه، ولكن قبل القتل والقربان كان بينهما صراع على شيء ما، قد يكون الزواج وقد يكون شيء آخر.
ونأتي على أهم جزء في قصة (ابنى آدم)، وهو الصراع الذي أصبح من أسس الأعمال المسرحية التمثيلية فيما بعد، وقد ذكر في الإسرائيليات أن أبناء آدم كانوا أربعة ولدان وبنتان، وقد نشب الصراع بينهم على الزواج من إحداهن التي كانت من نصيب هابيل، وقدما القربان.
وبالمشابهة مع (آتوم) وأبنائه سوف نلاحظ أن الأربعة أبناء موجودين في التاسوع ولكن لا ينسبوا لآتوم بل لجب ونت (الأرض والسماء)، وأن الصراع بين الأخوين كان على حكم مصر، وعندما نحلل الموضوع ونرده إلي الأصل سوف نجد أن الكهنة لعبوا لعبتهم في بيت الحياة، وأخرجوا أشكال هؤلاء الأربعة ثلاثة في صورة بشرية، وواحد في صورة حيوانية.
ونركز على الشخصية الحيوانية وهى صورة (ست)، وكيف كونها الكهنة في بيت الحياة:
لقد كونوا شخصية ست المحسوسة من مجموعة أشكال.
أولا: تصوير وجهه بالحمار، ثانيا: شكل الخنزير، ثالثا: شكل الضبع، رابعا: شكل السيد قشطة.
وكل شكل من هذه الأشكال يرمز إلي نفسية شخصية (ست) من الداخل، وعندما تعرض هذه الشخصية على الجمهور من خلال الممثلين، في أشكال مختلفة يكون لها تاثير نفسي على المشاهد.
ونوضح شخصيته بوجه الحمار، والتي يظهر بها في مواجهة (أوزير).
ونرى أجهزة الشخصية الحمارية (ست) من خلال جهاز الشخصية التمثيلية الحسية
البصر، بصر حيواني (حمار): والرمزية هنا أنه لا يري إلى أمامة أو أسفل، فهو لا يبصر الأمور على حقيقتها.
الصورة النفسية لست
السمع: الحمار لا يسمع كثيرا، بل يوجه في مسار ويسير عليه، ولا يتأثر بأي شيء آخر دال على أن (ست) عديم السمع إلا فيما يخصه.
الصوت: نهيق حمار، دال على الإزعاج.
التذوق: نوع من الطعام.
اللمس: أرجل الحمار ترفس.
وقس على ذلك بقية الأشكال، شكل فرس النهر في صراعة مع (حورس)، أو الضبع، أو الخنزير.
ومن تلك الأشكال سوف تتكون ذاكرة عند الجمهور مفادها الصورة النفسية لست، والتي تنتقل من شكل إلى آخر في حالة صراعة مع بقية الشخصيات.
وتكون ذاكرة الممثل معتمده على النفس البشرية لهذه الشخصية، ويخرجها رها في صورة حيوانية.
وأثناء العرض يلتحم الجهاز الحسي للمشاهد (الحس – الذهن – الشعور) بالجهاز الحسي للممثل.
ومما سبق نلاحظ ان ست هو سبب الصراع مع أوزير، وفي قصة (ابنى آدم)، كان قابيل هو المتصارع، إذا الصراع ناشئ عن النفس البشرية للشخصية الحاقدة، ولكن كيف قدم المسرح المصري القديم، عرض يحتوي على شخصية (أوزي) البشرية وصراع ست بالشكل الحيواني معه.
وهذا يتطلب معرفة الصورة التي خرجت من بيت الحياة في المعبد والتي أعدها الكهنة لأوزير في شكل إنساني، وهذا ما سوف نتعرف عليه في المقالة القادمة لنعرف من هو (أوزير) بجهازه الحسي لشخصيته.