رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: (مذكراتي) مالهاش لازمة !

عصام السيد يكتب: (مذكراتي) مالهاش لازمة !
هذه الأحداث عاصرها جيلى الذي تقلب بين الساخن والبارد في سرعة وبلا تمهيد

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

لى صديق فضولى إلى حد القتل ، إذا تملكه الفضول يؤرقه وكأنه قد أصيب (بالجرب)، ويظل يهرش إلى أن يحصل على المعلومة، والهرش هنا ليس في جسده وإنما الهرش في عقول وضمائر الآخرين حتى يرتوى من المعلومات، متسائلا عن فحوى (مذكراتي).

أما إذا لم تشبع فضوله وتقول ما تخفيه فهو على استعداد لارتكاب جرائم تصل إلى حد القتل.. و يبدو لى أنه كان من الأفضل له أن يولد مخبرا – أي مخبر – مخبر شرطة أو مخبر صحفى!

استلمنى هذا الصديق منذ الأسبوع الماضى ليعلم ماذا في (مذكراتى) قد يؤدى إلى سجنى؟ وحاولت الهرب منه كثيرا، و لكنه بحس (المخبر) لديه كان يعلم أننى لا أبوح بكل المستور و المخبأ.

وفي النهاية حاصرنى بالأسئلة: هل أنت عارف حاجات محدش يعرفها؟، هل لو كشفتها الحكومة تسجنك؟ قضايا فساد تخص مسئولين؟، ولا أنت عارف ( بلبن ) اتقفل واتفتح بسرعة تانى ليه؟ طب مين اللى كان في طيارة زامبيا؟

فقلت له: لا علاقة لي بكل تلك الأسرار، و لا أخشى من الحكومة ليس لأني بطل وشجاع، بل لأننى مجرد مواطن عادى لا يُقلق الحكومة في شيئ، و لكن (مذكراتي) قد تثير زوبعة ضدى، فلقد عاصرت صخب من الأحداث  طوفان من الوقائع.

وكل هذه الأحداث عاصرها جيلى الذي تقلب بين الساخن والبارد في سرعة وبلا تمهيد، وعاش حقبة تاريخية تسير فيها الأحداث من النقيض إلى النقيض، فأنا من الجيل الذي شهد قمة التحرر الوطنى، ثم عاش الانكسار و الهزيمة.

جيل عايش حلم تحقيق الاشتراكية ورأى مصر ترفع راية المد الثوري وتنشرها على العالم، ثم شهد الانقلاب على كل المكتسبات فى فترة الانفتاح، جيل انتصر فى سيناء وتم اغتيال انتصاره فى كامب ديفيد، ثم عاش سنوات فى نار الإرهاب، تلتها سنوات فى ثلاجة التكلس والجمود.

جيل حلم بالثورة قبل 25 يناير، وعندما قامت فاجأته، إذ لم يكن من صنّاعها الأساسيين، واتهموه بأنه من حزب الكنبة، ولكن هذا الحزب هب يحمى مصر من فرض النقاب علي عقلها وروحها في 30 يونيو.

عصام السيد يكتب: (مذكراتي) مالهاش لازمة !
هل أتجاهل من حلل ما لا يعلم، ويتطاول بلا حدود

تطاول بلا حدود

جيل رأى كل المتناقضات في سنوات قلائل: فقد عاش حروب التحرر، وحروب العرب للعرب، وحروب بالوكالة، وخُدع فى زعامات، وربما تم استخدامه فى مؤامرات دون أن يدري، جيل بدأ حياته مع قناة تليفزيونية واحدة وعاش الى أن وصل الى عصر كل فرد فيه يملك جريدته الخاصة وقناة تليفزيونية، ينشر فيهما بلا قيود، ليفتى فيما يجهل، ويحلل ما لا يعلم، ويتطاول بلا حدود.

وبالتأكيد لو كتبت (مذكراتي) فلن أكتفى بكتابة الأحداث التى مرت على الحياة المسرحية دون تعليق، من المؤكد أننى سأكتبها من وجهة نظري و بما أراه الآن بعد مرور كل تلك السنوات.

ولذا أدرك ما قد تثيره كتاباتى و(مذكراتي) من خلافات سياسية مع أصدقاء، فنحن نجيد الاختلاف حول الماضى ونخوض معارك حوله وكأنه الحاضر والمستقبل، ولا نسمح للود أن يبقى أو يستمر بين المختلفين.

فمثلا عندما قدمت عرض عجبي على المسرح القومى عام 1986 والذى كان يحتفى بعبقرية الشاعر والرسام صلاح جاهين كان لابد وأن أتعرض لعلاقته بثورة يوليو، وإذا بالإخوان والوفديين يسبوا العرض – و هذا أمر طبيعى فكريا، برغم أنه لا يمت للفن بصلة – ولكن أن يغضب منه اليساريون فكان أمرا مدهشا.

أما الصدمة فكانت فى هجوم بعض الناصريين على العرض لأنني نقدت التجربة الناصرية فقلت مالها وما عليها!، و كأن كل طرف يريد عرضا مسرحيا (على مقاسه).

قال لى صديقى الفضولي: كل ما تقوله معروف وليس به أسرار، والخلاف مع الأصدقاء أمر وارد. قلت له: إلا خلاف السياسة، فلقد خسرت بعضا من أعز الأصدقاء لأننى عارضت خلع الرئيس (مبارك) في ثورة يناير، وطالبت أن نسمح لنائبه اللواء (عمر سليمان) بأن يقود الدفة لمدة 6 شهور كما كان مطروحا.

لأنى رأيت أن فصيل الإسلام السياسى هو الفصيل الوحيد المستعد للقفز على الحكم، ولكن هؤلاء الأصدقاء اتهمونى بأنى (فلول) وقاطعوني.

قال صديقى في خبث: سيبك من السياسة، لأنها كانت وستظل محط خلاف، أكتب عن ما حققته من نجاحات وما أصابك من إخفاقات؟، مين وقف جنبك ومين حاربك؟، قلت له: ألا يصبح هذا نوع من الذاتية المفرطة؟، ألا يعتبر هذا انتقام بأثر رجعى؟، لأننى سأروى الأحداث بكل صراحة.

هل أروى كيف اضطهدنى أحد المخرجين من خلال موقعه الوظيفى وتسبب فى أن أكون المخرج المسرحى الوحيد فى مصر الذى يأخذ أجازة بدون مرتب لمدة ست شهور كلما أخرجت مسرحية للقطاع الخاص؟

عصام السيد يكتب: (مذكراتي) مالهاش لازمة !
لم يجد تهمة يتهمنى بها  أحالنى للتحقيق  بتهمة الإخراج للمسرح القومي!

تهمة الإخراج للمسرح القومي!

هل أكتب أننى قضيت سنة ونصف بدون مرتب فى حين أنه كان من الممكن أن يعطينى تصريحا بالعمل فى غير أوقات العمل الرسمية؟، هل أذكر عدد المرات التى أحالني فيها للشئون القانونية حتى أصبحت أصحو يوميا على استدعاء جديد؟، وعندما لم يجد تهمة يتهمنى بها  أحالنى للتحقيق  بتهمة الإخراج للمسرح القومي!

بالطبع ستعلو أصوات محبيه وتلاميذه دفاعا عنه، وأنه ينفذ القانون حتى ولو لم ينفذه على أحد غيرى ولم يطبقه على نفسه أيضا.

وإذا كنت سأتجاوز عن ذكر ما تم اقترافه فى حقي، فهل من حقى عدم ذكر وقائع تخص جيل كامل وقد عاينتها حضورا وكنت أحد شهودها و شهدائها؟، فهل أذكر ما فعله بجيلى استاذ كبير من أخطاء؟ أم أننى يجب أن أتجاوز عن أخطاء الكبار لأنهم قامات ولا يصح أن نذكر ما فعلوه بنا فى البدايات؟

وإذا تركنا كل هؤلاء، هل أذكر كل هؤلاء المنتجين الذين لم يدفعوا لى باقى مستحقاتى؟، خاصة ذلك المنتج الذى كتب لى شيكا بلا رصيد، وعندما واجهته قال انه سيطعن فيه بالتزوير وستظل القضايا بيننا لسنوات، والأفضل لي أن أقبل بأي مبلغ يتفضل به، فى مقابل إعطائه الشيك.

ولما لم أجد سبيلا غير هذا، أعطانى أقل من نصف المكتوب بالشيك، وبعد أن أكل حقى ، قام ليصلى العشاء قبل أن يذهب إلى الملهى الليلى الذى يملكه!

بالطبع ليست كل الوقائع بهذا السواد، فأنا أقر وأعترف بأننى كنت محظوظا طوال حياتى، فلقد وهبنى الله شخوصا كثيرين وقفوا بجواري وساعدوني ربما دون أن يعرفونى، و هؤلاء وحدهم يستحقون كتابا، ليس لكثرتهم فحسب، وإنما لعميق تقديرى وامتنانى لما قدموه لي.

ومازلت أذكر أيضا وبكل العرفان مجموعة من النقاد كانت كتاباتهم عونا وعينا لي فى مسيرتى، ويشهد الله أننى لم أغضب عندما تناولوا أعمالى بالتشريح، ولكن بلا تجريح، ولكن هل سأذكرهم دون ذكر صحفى آخر كان يستفتح صفحته الاسبوعية بسبى لأن لجنة القراءة – و لست أنا – فى موقع مسرحى أرأسه  رفضت مسرحيته.

واستمر فى سبه سنوات طوال لا يهدأ ولا يكل أملا فى (سبوبة) يتشارك فيها مع أسرته ( أى والله اسرته التى تعمل كلها معه فى نفس العمل، ويتم التعاقد معهم جميعا من أموال الدولة).

قال صديقى في ضيق: هو ده اللي فاكره هيسجنك؟، مفيش سجن ولا حاجة، قلت له: من الممكن أن يرفع أي شخص جاءت سيرته بما لا يحب في (مذكراتي) – أو ورثته – دعوى ضدى لينال تعويضا لن أستطيع دفعه أو ربما سجنا بسبب التشهير أو باعتبار ما أكتبه سبا وقذفا.

قال مشيحا بيده: أنا فاكرك هتقول أسرار مشاهير، مين اتجوز مين؟، ومين اتطلقت من مين؟، ومين كانوا يعرفوا بعض ولم يُفضحوا!.. أنت أكيد حضرت حاجات من دى كتير.

قلت له في ثقة: تصور ماحضرتش حاجة من دي خالص!

قام منصرفا: يبقى مذكراتك مالهاش لازمة!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.