
بقلم المستشار: محمود عطية *
في البدايه أو القول انني علي المستوي الشخصي شاهدت على الفضائيات في ترتيب زيارة الرئيس الفرنسي (ماكرون) إلى خان الخليلي فكرة جميلة، ولكني سألت نفسي هل هى من بنات أفكار مصر أم بطلب من فرنسا؟.
على أي حال هى لن تخرج عن التحليل الآتي بعيدا عن إعجابي بها لأنها علاقه بين دوله من العالم الثالث وأخري من الكبار ..فزيارة (ماكرون) لخان الخليلي نوع من فكر الاستعمار الثقافي الجديد.
فففي زيارةٍ غير تقليدية، قام الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) بزيارة خان الخليلي في قلب القاهرة، وهى واحدة من أشهر أسواق مصر وأكثرها تاريخية.
هذا الحدث الذي أثار جدلاً واسعاً على محطات التلفزيون، يمكن أن يُنظر إليه من زاويتين: الأولى، تعبيرٌ عن عمق العلاقات الثقافية بين فرنسا ومصر، أو الثانية، دلالةٌ على المدى الذي وصل إليه انحدار الذوق العام في مصر، خاصة في ظل الانصياع وراء تأثيرات الخارج ومؤسساتها في الشؤون الثقافية المصرية.
فالزيارة بين الرمزية وبين الموروث الثقافي، فلا يمكن أن نفصل زيارة (ماكرون) عن السياق الذي نشأت فيه، ففي الوقت الذي كانت فيه مصر تمر بظروف اقتصادية صعبة، كان (ماكرون) يحاول أن يمرر رسالة ثقافية استباقية عبر (خان الخليلي)، الذي كان يوماً ما رمزاً للتراث المصري، وتحول في سنواته الأخيرة إلى مجرد سوق يبيع الحلي والهدايا التذكارية للسياح الأجانب.
كان هذا الحدث بمثابة ترويج لصورة معينة عن مصر، وكأنها مجرد حاضنة لتاريخ ضبابي يبحث عن الماضي في ظل صخب العصر الحديث ومتطلباته.. فهل البحث عنده أم عندنا؟!
لأن الزيارة لا تقتصر فقط على (ماكرون) باعتباره الرئيس الفرنسي، بل على هذا الجمع من المرافقين الفرنسيين، والمصورين الذين حشدتهم الحكومة المصرية لتغطية الحدث.

إعجاب وإنبهار الأجانب
يكاد يكون المشهد وكأنه دعوة مفتوحة للمجتمع الغربي ليعاين آثار مصر القديمة قبل أن تختفيي ولن تختفي بإذن الله ولتذكير الشعب المصري، بأن هذا التراث أصبح اليوم أقل ارتباطاً بهويتهم وأكثر ارتباطاً بفضول وإعجاب وإنبهار الأجانب وخاصه فرنسا التي بها باريس مدينة النور كما أطلق عليها الحكيم.
ثم نأتي إلى الحفل والمشخصاتية الذي يعد اعتراف وتعبير رسمي عن انعدام الفقهاء والعلماء، ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، عندما نتحدث عن الحفل الذي استُقبل فيه ماكرون او استقبل هو عن طريق سفارته فعلينا أن نلقي نظرة فاحصة على نوعية الشخصيات التي كانت موجودة في تلك المناسبة.
كان من اللافت أن الحفل شهد حضور مجموعة من (المشخصاتية) – كما يحلو للبعض أن يطلق عليها -، وهم أولئك الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالعلم أو الفكر أو المشاريع الجادة أو الإبداع بل كانت تلك الوجوه التي أصبحت في واجهة الإعلام والاهتمام العام وبضغط رهيب من الدولة علي الشعب لترسيخهم بالعافية هى الوجوه التي أضحت تمثل مصر في ظل عصر اللامبالاة.
إنهم ليسوا مفكرين أو علماء، بل هم الشخصيات التي تتزاحم على شاشات التلفزيون، يرقصون ويغنون، بينما يبيعون للمجتمع المصري صورة باهتة عن ما يمكن أن يُسمى الفن، وتغدق عليهم الدوله المليارات وليست أعمال رمضان ببعيدة، والتي انتقدها الرئيس بنفسه، ولكن يبدو من يستعملهم مصر علي ذلك ويجد فيه ما فشل في تحقيقه.
إن هذا الحفل الذي شهد استقبال (ماكرون) لمجموعة من (المبخراتيه الذي يُقدّمون على أنهم أبرز الشخصيات في مصر)، يثير أسئلة محورية حول حقيقة الثقافة المصرية اليوم.. أين هم العلماء والمفكرون؟.. أين العلماء الذين كانت تجاربهم الفكرية تُغني العالم؟ أين الفقهاء الذين كان لهم شأن في التأثير على المجتمع المصري؟
يبدو أن (ماكرون)، حينما التقى بتلك الشخصيات، كان يدرك تماماً أنه لا يحتاج إلى الدخول في الأعماق المعرفية لمصر، بل يكفيه أن يلتقي بأولئك الذين يمثلون صورة الرفاهية المؤقتة التي تُقدّمها وسائل الإعلام من أناس لا هم لهم إلا المال والعيش سفلقه إذا لم يكن علي الدوله فالخليج يدفع بسخاء وبمقابل!

مفكرين ذوي شأن
فهو حقا مشهد مؤسف هذه بضاعتنا الرخيصة، لأننا أصبحنا نرى أن العلماء والفلاسفة والمفكرين الحقيقيين في مصر قد غادروا الساحة الإعلامية، أو تم تهميشهم بشكل متعمد، لتحل مكانهم هذه الوجوه التي لا تفهم شيئاً عن الجوهر الفكري الذي كان يميز مصر يوماً ما، بدلاً من حضور مفكرين ذوي شأن.
شاهدنا الحفل يحفل بوجوه لا تملك من العلم سوى الظهور الباهت، حيث أضحت الوجوه التي تجذب الأضواء هى نفسها التي تعيش على حساب اللامبالاة الثقافية، وهنا لنا وقفه عن المطالب الفرنسيه الثقافية.
فهل نعتبره استعمار ثقافي جديد؟
ثم يبرز سؤال آخر: هل كان (ماكرون) هو مجرد ضيف في هذا السياق؟، أم أنه كان يمثل تجلّي آخر للاستعمار الثقافي الفرنسي، الذي وإن تغيرت شكله وأدواته، إلا أنه ظل يمارس تأثيره على مصر؟ لقد بات واضحاً أن الزعامة الثقافية والسياسية الفرنسية باتت تسعى لأن تكون جزءاً من المشهد المصري بشكل أكثر فاعلية، حتى وإن كان ذلك عبر البوابة الثقافية.
فكيف يمكن أن نستوعب أن الرئيس الفرنسي لا يتوجه إلى مصر ليبحث في قضايا أكثر أهمية، مثل الوضع الاقتصادي أو التعليم أو البحث العلمي، بل يذهب ليزور أماكن مثل (خان الخليلي) ويشارك في حفلات لنجوم الثقافة الرائجة لدرب طياب حديث.
فهذه الزيارة وما صاحبها من أحداث هي تعبير آخر عن استغلال الفراغ الثقافي الذي تعيشه مصر حالياً، في عالم اليوم لم تعد الشعوب تعيش من خلال فكرها أو علمها، بل باتت تُقاس بجمالياتها السطحية و(رواجها الإعلامي).
هذا تماماً ما يعكسه الحفل الذي تزامن مع زيارة (ماكرون): دخول أكثر تسللاً للثقافة الغربية إلى الشارع المصري عبر بوابة الترفيه البصري، مما يؤدي إلى تعزيز ثقافة التفاهة على حساب الفكر الجاد.

تعزيز النفوذ الثقافي
إن هذا المشهد لا يمكن أن يُوصف إلا بالمهزلة الثقافية، فبينما يُحتفل بماكرون ويمجد في خان الخليلي، يظل واقع التعليم المصري يراوح مكانه، ويظل العلماء الذين يُفترض أن يمثلوا العقل المصري محاصرين في هياكل جامدة أو مشغولين بمشاكلهم اليومية بعيداً عن الأضواء.
بينما تُقدم الشخصيات التي لا تقدم شيئاً ذا قيمة ثقافية أو علمية على أنها رموز.. إننا اليوم أمام طوفان من التفاهة يضرب أسس الوعي الثقافي في مصر.
إذا كانت زيارة (ماكرون) تعبيراً عن علاقات دبلوماسية، فهي بلا شك جزء من عملية تعزيز النفوذ الثقافي لفرنسا في منطقة الشرق الأوسط، وهو نفوذ يتخطى المعاهد الثقافية ويصل إلى الشوارع المصرية.
وفي الوقت الذي يحاول فيه البعض تمرير هذه الزيارة على أنها (فرصة للتبادل الثقافي)، فإن الواقع يُظهر أن مصر أصبحت حقل تجارب لصورة مصطنعة عن نفسها، يتم تسويقها للعالم من خلال آليات الدعابة والشخصيات الترفيهية التي اصبحت مفروضه علينا
وأخيرا وللأهمية:
إن النقد ليس ضد زيارة (ماكرون) بحد ذاتها، بل ضد الرسالة التي حملتها هذه الزيارة: أن مصر التي كانت يوماً ما مهداً للعلم والفكر باتت تتوارى خلف مشهد ثقافي ضعيف لا يعبر عن هويتها الحقيقية.
هذه الزيارة هى بمثابة انعكاس صريح لحالة الانحدار الفكري والثقافي التي يعيشها الوطن اليوم، ويجب على المصريين أن يتذكروا أن الثقافة ليست مجرد ترفيه، بل هي مرآة لوجودهم وهويتهم ويدركوا أن ما يصدر انه واجهه لمصر يعاير به الشعب المصري وأن كل فئه ترسخ وجودها بالضغط وياحبذا اذا كان الضغط من الدوله لأجلهم وما خفي أعظم!
* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع