رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: قبح (الدراما) شوّه جمالها.. والهيمنة خلطت العاطل بالباطل

(سيد الناس).. نموذج فج للرداءة

بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة

القبح يشوه الجمال، والرديء ينال من الجيد، والشر يهدد الخير، وهو ما نشهد فصوله يومياً في كل المجالات، السياسة لا تختلف عن الفن، و(الدراما) لا تختلف عن الإعلام، والأدب لا يشذ عن القاعدة، والاقتصاد والرياضة داخل المعادلة.

ورغم ذلك فإن الرداءة الفنية تلقي بظلالها القاتمة على المجتمع أكثر من غيرها، كثيرون لا يهتمون بالسياسة ولا يتابعون الإعلام ولا يقرأون الأدب ولا يفهمون في الاقتصاد، ولكن في المقابل قليلون هم الذين ينصرفون عن الفن و(الدراما).

وحتى هذه الفئة القليلة كاذبة ومدعية، فهي تتابع الفن خلسة ولا تريد أن تعلن ذلك جهرة خوفاً من أن يتهمها ساداتها بتشجيع (الفسق والفجور).

الكل يحب الفن سواء أعلن ذلك أو أخفاه، والفن هو الأكثر تأثيراً في الوجدان المجتمعي، وهذا هو السبب في أن نجومه الأكثر شهرة والأكثر متابعة والأكثر تعرضاً للانتقاد.

وللأسف أن صناع الرداءة فيه هم الأعلى صوتاً، يجنّدون كتائب إلكترونية كي تتصدر أعمالهم الرديئة الترند، يدفعون وينفقون بسخاء للنيل من القيم وخلخلة الثوابت، ولهم رعاة وممولين في الداخل والخارج، يزعجهم أن الفن المصري ظل متصدراً منذ بداية المسرح والسينما والتليفزيون والغناء.

ولأن (الدراما) تصل إلى الناس في البيوت فهي الأكثر جماهيرية، يتابعها الفقير مثل الغني، وتكلفة مشاهدتها محدودة إن لم تكن معدومة، ويتأثر بها هذا وذاك، والمنزعجون من انتشار الدراما المصرية وخفة دم نجومها والقبول الذي يتمتعون به دون غيرهم وموهبة كتابها ومخرجيها وصناعها، أزعجت وتزعج وستزعج المتربصين المتآمرين.

يوحون لنا أنهم يحبون الفن المصري، يدعمونه ويمولونه، ولكن أهدافهم الخبيثة غير المعلنة

تدمير القوى الناعمة المصرية

يوحون لنا أنهم يحبون الفن المصري، يدعمونه ويمولونه، ولكن أهدافهم الخبيثة غير المعلنة، يظهرون الدعم ويبطنون الهدم، ليس هدم الفن ولكن استخدامه معولاً لهدم القيم وتدمير القوى الناعمة المصرية وتحويلها من قوى تدعو لمصر إلى قوى تهدمها.

وفي هذا الزمن الرديء فإن أكثر أدوات الهدم إنجازاً هو الفن و(الدراما) والإعلام، وفي ظل وجود عناصر تنتمي إلى هذين المجالين أصابها داء الجشع وعمى بصيرتها الطمع.

فإن هؤلاء صاروا أفضل أداة هدم لمجتمعاتهم، كثير من الدولارات وبضع حفلات وتكريمات ومهرجانات ويتحولون إلى تابعين لمن يدفع، ينفذون تعليماته ويأتمرون بأوامره ويمنحون العقل إجازة والانتماء يصبح في خبر كان.

صوت الرداءة في (الدراما) ارتفع في هذا الموسم الذي يلملم أوراقه ليتركنا بعد أن زرع فينا الأسوأ وجعل بعض المغيبين منا يصفقون لمن تجاوزوا على قيمنا واعتدوا على ثوابتنا، وهو ما دفع رأس الدولة ورئيسها للتحدث في هذا الأمر والتحذير من عواقبه خصوصاً أنه يدرك جيداً تأثير الدراما.

تحدث بلغة الحقائق (إذا كانت تكلفة صناعة الدراما تصل إلى 30 مليار جنيه فإن تأثيرها على المجتمع يبلغ أرقامًا كبيرة للغاية تنفقها الدولة في أشياء أخرى)، الرئيس يتابع الفن ويرى كما نرى إن (الموضوع تحول من صناعة إلى تجارة مع الوضع فى الاعتبار أنه من الممكن تحقيق أرباح لو كانت الأعمال جيدة) و(يخشى تأثيره على الذوق العام للمصريين).

نعم الذوق العام للمصريين تغير وأصبح مهدداً بفضل عبث حفنة من أهل المهنة وتقديمهم أعمالاً تشوهنا وتقبح صورة مجتمعنا وتهدم قيمنا، حفنة لا تدرك أن ما يقدمونه من فن يمكن أن يرتقي بنا كما يمكن أن يكون سبب انهيارنا.

الموسم الحالي فيه الكثير من أعمال (الدراما) المتميزة التي نتباهى ونفتخر أنها ابداعات مصرية، أعمال تحمل رسالة بناءة، منها على سبيل المثال (لام شمسية، ولاد الشمس، قلبي ومفتاحه، وتقابل حبيب)، ولكنها أعمال صوتها منخفض وأبطالها ليس لديهم كتائب اليكترونية تحرك السوشيال ميديا.

ورغم ذلك نجحت، ونبهتنا لمواطن الخلل في حياتنا، استمتعنا بها ونجومها وصناعها يستحقون منا التصفيق والثناء والدعم، ولكن تقابلها أعمال شوهت الموسم ونالت من الصناعة، مثل (إش إش، سيد الناس، فهد البطل، العتاولة 2)، وغيرها من نماذج الرداءة التي طفت على سطح حياتنا.

(لام شمسية، وقلبي ومفتاحه).. نموذجان إيجابيان في دراما رمضان

الهيمنة خطيئة كبرى

لأن الهيمنة خطيئة كبرى، فإن أغلب المصريين يعتقدون أن كل (الدراما) التي يشاهدونها إنتاج المتحدة للخدمات الإعلامية المهيمة على صناعة وعرض (الدراما)، ولا يدركون أن معظم الرداءة ليست من انتاج أي جهة مصرية.

ولكنها إنتاج من يوهموننا أنهم يدعمون الفن المصري وهم في الحقيقة لا ينتجون سوى ما يهدمنا ويحولنا إلى صورة ممسوخة ممجوجة مشوهة، ويكرسوننا مجتمعاً منفلتاً لفظاً وخلقاً، قيمه مادية، مبتذل الحوار والتعامل.

المتحدة بريئة، ولكن ما حدث في هذا الموسم ينبغي أن يدفعها ويدفع المسؤولين عن الإبداع في مصر إلى إلغاء الهيمنة وفتح الأبواب أمام رأس المال المصري للإنتاج، فالقطاع الخاص في مصر لم يصل إلى الانحطاط الذي نتابعه في بعض الأعمال في إنتاجاته.

ومهما تجاوز سعياً وراء الربح فهو رأسمال وطني يستحي وله حدود وخطوط حمر لا يمكنه تجاوزها، بجانب أنه في حال تجاوزه يمكن محاسبته وإعادته إلى رشده، أما المنتج الخارجي الذي يستغل جشع بعض فنانينا فإن محاسبته سيتم تفسيرها سياسياً بما يلقي بظلال ثقيلة على علاقاتنا الدبلوماسية مع غيرنا.

ورغم ارتفاع صوت الدراما المبتذلة المهينة لمجتمعتنا، فإن كثيرين منا شاهدوا بعض حلقاتها ثم انصرفوا عنها وهو الدليل، ولم يفلح تصدر التريند في إخفاء حقيقتها.

ولعل الحسنة الوحيدة التي جنيناها من الأزمة الحالية هى دفع مخرج الرداءة (محمد سامي) إلى إعلانه اعتزال الدراما، ونتمنى أن يكون اعتزالاً بلا عودة، وأن يلحق به زوجته (مي عمر) وباقي أبطال عمليه، وباقي صناع الرداءة والابتذال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.