رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

رسمي فتح الله يكتب: (أحمد أمين).. من النشال إلى البطل الشعبي

أحمد أمين في (البلاتوه)

بقلم الكاتب الصحفي: رسمى فتح الله

في زوايا القاهرة القديمة، حيث تختلط رائحة الخبز الساخن بندى الصباح، وحيث الأزقة تهمس بحكاياتها القديمة، وُلد فتى نحيل ذو عينين تشعان بالدهشة والفضول.. لم يكن (أحمد أمين) مجرد طفل يركض بين الحارات، بل كان يرسم في مخيلته عوالم لم يدرك أحد أنه سيجسدها يومًا ما على شاشة الفن.

 كان ضحكه الصاخب يخفي وراءه حكايات ستُروى ببلاغة، كما لو كان عقلًا متقدًا، وروحًا مقدّرًا له أن يصبح شاعر الصورة والدراما.

في منتصف العقد الثاني من الألفية، حين كان العالم يلهث خلف التكنولوجيا، كان (أحمد أمين) يبحث عن ذاته بين الكلمات والنكات والمواقف الساخرة.

بدأ رحلته بصوت خفيض، بمقاطع لا تتجاوز (30 ثانية)، لكنها كانت كافية لتصنع فرقًا.

بقلمه الحاد وذكائه الفطري، استطاع (أحمد أمين) أن يلتقط تفاصيل الحياة اليومية ويعيد تشكيلها في قوالب كوميدية تُضحك القلب قبل الوجه.

كان (البلاتوه) نقطة التحول الأولى، صالة عرض مفتوحة على الحياة المصرية بكل تناقضاتها، حيث سخر من كل شيء بحب، وكأنه يمسح على جراح الناس بضحكة، ويخفف عنهم ثقل الأيام بكلمة.

هنا، عرفه الجمهور، ليس كممثل فقط، بل كمفكر ساخر، يرسم الضحكة، لا ليخفي الألم، بل ليكشفه برفق.

أحمد أمين في (ماوراء الطبيعة)
حمل (أحمد أمين) حقيبته إلى عالم الدراما، ليجسد دور (سمسم) في مسلسل (الوصية)

الوصية.. أول عبور إلى الدراما

في عام 2018، حمل (أحمد أمين) حقيبته إلى عالم الدراما، ليجسد دور (سمسم) في مسلسل (الوصية)، ربما ظن البعض أنه مجرد انتقال من برنامج كوميدي إلى مسلسل، لكنه كان عبورًا أعمق، كان كأنما خرج من زحام المونولوجات إلى عالم الشخصيات الحية، ليُثبت أن خلف هذا الوجه المبتسم، روح تستطيع أن تتلون بمئة إحساس.

كان (سمسم) صديقًا خفيف الظل، لكنه كان أيضًا مرآة لمجتمع يعاني، يحلم، ويسخر من أوجاعه.

ثم جاء العام 2020، ليقف (أحمد أمين) أمام مرآة مختلفة، ليست كوميدية، ولا حتى درامية بالمعنى التقليدي، بل مرآة الغموض والأسطورة (ما وراء الطبيعة)، ذاك العالم الذي صاغه د. أحمد خالد توفيق بحروفٍ من رعب ودهشة، وجده أحمد أمين سكنًا جديدًا لروحه الفنية.

كيف لرجل اعتاده الناس ضاحكًا أن يتحول إلى (رفعت إسماعيل)، الطبيب النحيل الذي تطارده الأشباح والكوابيس؟، كان هذا السؤال مطروحًا، لكنه سرعان ما تبدد حين شاهد الجمهور أحمد أمين يجسد الشخصية بكل تعقيداتها.

كأنما خُلق لهذا الدور، كأنما التهم روايات (ما وراء الطبيعة) صغيرًا، وانتظر لحظة اللقاء بهذا الرجل المتشائم، الذي صار جزءًا من ذاكرة جيلٍ بأكمله.

كان رفعت إسماعيل تجربة خاصة، ومغامرة لم يكن ليفلت منها دون أن تترك في روحه أثرًا، كما ترك هو في قلوب المشاهدين بصمته الخالدة.

جاء دوره في (جزيرة غمام)، كأنه مكافأة من القدر لممثل أخلص لموهبته

جزيرة غمام.. العبور إلى المجد

عام 2022، لم يكن مجرد عام آخر في مسيرة (أحمد أمين)، بل كان العام الذي ألبسته الدراما رداء الاحترام الفني المطلق.. جاء دوره في (جزيرة غمام)، كأنه مكافأة من القدر لممثل أخلص لموهبته.

 لم يكن الأمر مجرد تمثيل، بل كان تجليًا، كان غوصًا في أعماق شخصيات تسكن الماضي، لكنها تنبض بالحياة أكثر من الحاضر نفسه.

حين صعد على منصة (مهرجان القاهرة للدراما)، ليحمل جائزة (أفضل ممثل)، لم يكن يحملها وحده، بل كانت في يده أصداء السنوات التي كافح فيها، والليالي التي تسلل فيها القلق إلى روحه، والأيام التي ظلّ فيها مؤمنًا بأن الفن الحقيقي لا يُخيب رجاء صاحبه.

يُعيد (أحمد أمين) كتابة فصله الجديد في الدراما من خلال (النُص)

من النشال إلى البطل الشعبي

وفي عام 2025، يُعيد (أحمد أمين) كتابة فصله الجديد في الدراما من خلال (النُص)، المسلسل الذي يتكئ على كتاب (مذكرات نشال) للباحث أيمن عثمان، في هذا العمل، يتحول (أحمد أمين) من ممثل موهوب إلى أسطورة درامية جديدة، حيث يجسد شخصية (عبد العزيز النُص)، ذلك النشال الذي قرر أن يخلع عباءة الجريمة ليصبح بطلاً شعبياً يقف في وجه الاحتلال الإنجليزي.

إنها ليست مجرد قصة عن مجرم يتوب، بل هي رحلة عميقة داخل النفس البشرية، داخل صراعاتها الأخلاقية، داخل لحظة التحول التي تصنع الفرق بين الإنسان العادي، والبطل الذي تذكره الحكايات.

(النُص) ليس مجرد مسلسل، بل هو شهادة جديدة على أن (أحمد أمين) لا يزال يملك في جعبته المزيد، وأنه لا يزال يبحث، لا يزال يحفر في تفاصيل الشخصيات، لا يزال يتنفس الفن كأنه ضرورة للحياة.

من النشال إلى البطل الشعبي، ومن الضحك إلى الغموض، ومن الهامش إلى الصدارة

الفن.. حين يصبح مرآة للإنسان

من النشال إلى البطل الشعبي، ومن الضحك إلى الغموض، ومن الهامش إلى الصدارة، تبدو رحلة (أحمد أمين) كأنها مرآة لرحلة كل فنان حقيقي، ذاك الذي لا يبحث عن النجومية، بل عن الصدق في كل دور، عن الفكرة التي تلمس القلب، عن تلك اللحظة التي يشعر فيها المشاهد أن ما يراه ليس تمثيلًا، بل حياة نابضة، تتجلى أمامه في صورة رجل أتقن الحكاية، فصارت الحكايةُ جزءًا منه.

هكذا كان، وهكذا سيظل (أحمد أمين)، ذلك الوجه الذي لا يُنسى، وذلك الصوت الذي سيبقى يروي قصصنا، بضحكة، بدمعة، وربما، ببطولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.