بقلم الكاتب الصحفي: أحمد السماحي
من المسلسلات الجميلة التى تعرض الآن، وتحمل رسالة وهدف واضح منذ الحلقة الأولى مسلسل (حسبة عمري) فكرة وإخراج مي ممدوح، سيناريو وحوار محمود عزت، وبطولة مجموعة كبيرة من النجوم في مقدمتهم قطعة الصلصال الذكية (روجينا).
تدور أحداث مسلسل (حسبة عمري) في إطار إجتماعي (لايت كوميدي)، عن (هند) الزوجة والأم العاشقة لبيتها وزوجها وابنتها (ليلى)، وابنها (حسن)، والتى ضحت بنفسها ومستقبلها من أجل بناء أسرتها.
وبعد زواج ابنتها (ليلى)، وبعد خلاف بسيط مع زوجها (فاروق) يطردها من المنزل، فتسعى للحصول على الطلاق، والمطالبة بحق (الكد والسعاية) والحصول على نصف ممتلكاته.
دخل مسلسل (حسبة عمري) مع قضيته التى يطرحها منذ البداية، مباشرة، فمن يسمع كلمات الأغنية التى أبدعها الشاعر أيمن بهجت قمر، ولحنها إسلام زكي، وقام بغنائها محمود العسيلي، يجد أن (حسبة عمري) يتحدث عن:
(هند وفاروق، أتنين وفيه منهم كتير
لأ ما تلاقيش بينهم فروق
إتنين متجوزين، ورا كل رجل ست بتقويه أوي وشداه لفوق
زي أي بنت أصل عاشت حياتها، عشان بيتها
والدنيا عملت فيها فصل، ونزلت على جدور رقبتها).
أي أن مسلسل ليس هدفه فقط (هند، وفاروق)، ولكن (فيه منهم كتير) أي أن القضية التى يناقشها (حسبة عمري) لا تخص (هند وفاروق) فقط، ولكنها قضية عامة تهم المجتمع ككل سواء المصري أو العربي.
حق الكد والسعاية
وخلال الحلقات الستة التى شاهدناها حتى الآن، ناقش مسلسل (حسبة عمري) الفتوى التى أثيرت في السنوات الأخيرة، والتى طرحها الدكتور (أحمد الطيب) شيخ الأزهر الشريف، حول ضرورة إحياء فتوى (حق الكد والسعاية).
ومصطلح (حق الكد والسعاية)، لمن لا يعرفه، هو مصطلح ذكر في التراث الإسلامي لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدًا كبيرًا في تنمية ثروة زوجها سواء كان بعملها.
أو ببنائها منزلا لأسرتها أو من المشاركة في العمل، أو ذمة مالية قديمة قبل الزواج شاركت بها زوجها، ولأن الإسلام من شأنه حفظ الحقوق لاسيما حق المرأة وكرامتها، فكان من شأن المشرع أن يحفظ ذلك الحق.
وهذه الفتوى أثارت جدلا كبيرا، وانقسم الناس في الشارع المصري قسمين، قسم منهم خاصة من المنظمات والجمعيات الحقوقية والنسائية، لاقت الفتوى ترحيبًا واستحسانًا عندهم، والبعض الآخر رفض مناقشة الفتوى أصلا!
وبناءا على أن النسبة الأكبر من الناس، خاصة من النساء رحبت بـ (حق الكد والسعاية) لهذا طالب الكثير بتعديل قانون الأحول الشخصية، بصورة تضمن المزيد من الميزات للمرأة، وتكفل لها ضمانات إضافية تقيها شر كيد زوج.
وهذه الدعوى تمسكت بها بعض الجمعيات الحقوقية للمرأة، وطالبت بتنبي قانون يمنح الزوجة عند الطلاق نصف ما امتلكه الزوج منذ اليوم الأول لزواجهما، باعتبار أن المرأة شريكة للزوج إما عبر العمل، أوعبر رعاية المنزل، والقيام بخدمة الزوج ورعايته، مما يعني أنها تساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في زيادة ثروة زوجها.
رسائل هامة لـ حسبة عمري
منذ أن طرحت الست (عنايات) على (هند) فتوى (حق الكد والسعاية) في الحلقة الرابعة، في جلسة في (دار الهنا) أو (دار المسنين)، وهم يسمعون أغنية (حبك الجبار) لنجاة الصغيرة.
ومسلسل (حسبة عمري) يناقشها كقضية أساسية من بين قضايا إجتماعية أخرى مهمة منها مبادرة (شجع المنتج المصري) لدعم الاقتصاد الوطني وتعزيز الإنتاج المحلي التى تبنتها (هند) من خلال المعرض الذي أقامته في النادي.
كما ناقش (حسبة عمري) قضايا أخرى مهمة منها كيفية تربية الأبناء، وصراع الأجيال، وتأثير التكنولوجيا الحديثة على النشأ الصاعد، والطلاق بدون سبب، لشعور الزوج بالملل.
وكل هذا يتم إرساله للجمهور المتابع للمسلسل دون كآبة، أو تجهم أوسوداوية، ولكن في إطار اجتماعي (لايت كوميدي)، من خلال سيناريو متماسك، شديد الحساسية، شديد العذوبة.
وشديد التأثير كتبه السيناريست المتميز (محمود عزت)، وحول أحداث المسلسل إلى الغوص في معاناة آلاف من النساء المطلقات، وكبار السن التى تكتظ بهم دور المسنين بسبب عقوق الأزواج والأولاد بعد فناء عمرهن.
وهذا لا يليق بالمرأة المصرية، ولا يضمن لها حياة كريمة في ظل دولة تسعى على قدم وساق إلى تحقيق الحياة الكريمة لكل مواطن فما بالك بالقوارير اللاتي أوصى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويضعهن رئيس الدولة نصب اعينه.
جرأة مي ممدوح
يحسب للمخرجة (مي ممدوح) جرأتها في اختيارها لفكرة وموضوع (حسبة عمري) وفي طريقة وأسلوب عرضها للقضية التى تناقشها، وعبرت عنها تعبيرا شديد الدقة، وشديد الحساسية.
وخلال الحلقات رسمت الإطار الذي تدور فيه الأحداث بعناية، ووضعت مجموعة من الأغنيات الرومانسية التى اشتقنا إليها داخل الأحداث مثل (حبك الجبار) لنجاة من كلمات حسين السيد، ألحان بليغ حمدي.
و(جانا الهوى، راح الهوى، ولا فاتش للمجروح دوا) كلمات فتحي قوره، وألحان منير مراد، غناء ليلى مراد، مما أكسب الأحداث جوا دافئا وحميميا.
قدمت (مي ممدوح) نجوم المسلسل بشكل جميل جدا، وساعدها على ذلك موهبتهم الطاغية، من هؤلاء النجمة المتألقة (روجينا) التى حملت على عاتقها عبء كبير مثقل بالمعاني والتوجهات، لامرأة وأم عاشقة لبيتها وأولادها ذات كبرياء أهينت في مشاعرها.
وتصاب بطعنة في قلبها، وأحاسيسها، عندما تطرد من منزل الزوجية الذي بنته طوبة، طوبة، وأسست وجهزت كل ركن فيه، بعد 25 سن زواج، ولن ننسى لها مشاهد كثيرة كان حزنها في أعمق أعماق العين والقلب.
عمق موهبة روجينا
ونجحت (روجينا) بقوة في تقديم مشاعر متناقضة كثيرة، وإبرازها بصورة عفوية، وبشكل رائع يؤكد عمق موهبتها، فهي واحدة من نجمات الأداء الصعب الذين نراهن عليهم بقوة مع كل عمل جديد تقدمه.
وحتى الآن يبدع (عمرو عبدالجليل) من خلال دور رسم له بعناية، فهو يعيش شخصياته حتى الأعماق خاصة الجاد منها، وهنا يلعب دور مهندس الديكور (فاروق) الذي سحلته دوامة الحياة فنسى أحلامه.
وفي لحظة صدق مع نفسه، وظلم لشريكة حياته، شعر أن العمر عدى دون أن يحقق أحلامه ومشاريعه التى كتمها طوال 25 عاما قضاها مع زوجته (هند).
وكان (محمد رضوان) فاكهة المسلسل، حيث أبدع في دور (جندي) صديق (فاروق) الذي يسانده ويقف معه في كل مشاكله، ولمع بقوة ورسم البسمة على وجوهنا بأداء سلس بسيط يؤكد موهبته الفياضة.
وفي النهاية لنا وقفة آخرى مع هذا المسلسل القضية، بعد انتهاء أحداثه، لكننا أحببنا أن نقول لهواة اللطم وشق الثياب على حال الدراما المصرية، فلتهدوءا جميعا.
فالدراما المصرية بخير على عكس ما يتردد من مولد أن كل المسلسلات المصرية التى تعرض الآن سيئة وتحمل بذءات، وألفاظ نابية، وبلطجة، وعنف، وموضوعات بعيدة عن المجتمع المصري!.
وإذا كان بالفعل هناك أربع أو خمس مسلسلات طويلة من مسلسلات الـ 30 حلقة فيها بالفعل هذا، ولكن مسلسلات الـ (15) حلقة، كثير منها قدم موضوعات وأفكار جديدة، منهم (حسبة عمري)
والذي يقوم ببطولته (روجينا، عمرو عبدالجليل، محمد رضوان، علي الطيب، نادين، محمود البزاوي، حنان يوسف، نور قدري، محمد سليمان، عفاف رشاد، زينة منصور، عمر رزيق، فدوى، ملك حسن) وغيرهم.
فضلا عن مجموعة من النجوم ضيوف شرف الحلقات، الذين أضفوا الكثير بطلتهم وقوة حضورهم، مثل النجمة الكبيرة (إلهام شاهين) والمتألقة (رانيا فريد شوقي)، والفنان تامر عبدالمنعم، والنجم الكوميدي (إسلام إبراهيم) وغيرهم.