
بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
انضمت (ميمي شكيب) إلى عالم (نجيب الريحاني).. كانت استقامة اللغة العربية العائق الأول أمام تألقها على المسرح.. كان ذلك بسبب أصلها التركى عن أمها التي ربتها بعد وفاة أبيها مبكرا.. و تعليمها في المدارس الفرنساوى.. ساندها (ستيفان روستي) في تصحيح اللغة رغم أصوله الطليانية..
كما أن (فلاديمير) مدير (فرقة الريحاني) كان يكتب لها الكلمات العربية بحروف أجنبية.. في جدية تامة ولعدة أشهر خاضت (ميمي شكيب) بروفات مسرحية (حكم قراقوش) مجسدة دور الأميرة (شمس) أمام (الريحاني) الذى يجسد شخصية (بندق أبو غزالة)..
في يوم الافتتاح انتابها اضطراب هائل.. وحينما ارتفع الستار شاهدت كل العيون تنصب عليها بنظرات فاحصة مترقبة.. نظرات قضاة على منصة المحكمة.. ضاع صوتها وخرج مجرد دفقات هواء مرتعشة ليهمس لها (الريحاني) غاضبا أن ترفع صوتها إلى أقصى درجة ليجلجل صداه في أرجاء الصالة التي ضجت بتصفيق الجمهور وإعجابهم.. و بمجرد إسدال الستار سقطت (ميمي شكيب) مغشيا عليها..

السينما والقصر وميمى شكيب
بعد حكم قراقوش شاركت ميمى فرقة الريجانى عرض مسرحية (قسمتي) في دور بنت البلد.. ليجذب إليها أنظار المخرج (أحمد سالم) فيقرر إنتاج المسرحية للسينما.. عارضا على (ميمى شكيب) أن تؤدى في الفيلم نفس دورها في المسرحية..
لكنها رفضت لانشغالها في بروفات مسرحية (30 يوم في السجن)، والتي بمجرد إسدال الستار على عرضها الأول حتى سارع لتهنئتها في الكواليس (أحمد حسنين باشا) رئيس الديوان الملكى مثنيا على أدائها..
لتزداد شبكة علاقات (ميمى شكيب) قوة.. فإلى جانب الباشوات امتدت أذرعها الآن إلى داخل القصر الملكى فأصبحت ملاذ كل ذي طلب.. اشتكى لها مدير الفرقة الإداري (طلعت حسن) من أنه قد فاتته درجة وظيفية في وزارة المالية..
سارعت (ميمى شكيب) إلى مكتب (أمين عثمان باشا) وزير المالية الذى كان من شبه المستحيل مقابلته دون موعد مسبق بفترة طويلة.. بمجرد أن رآها السكرتير قفز من مقعده الى مكتب الوزير الذى خرج إليها بنفسه مرحبا يدعوها للتفضل بالدخول الى مكتبه..
وحينما أخرجت سيجارتها سارع (أمين باشا) بإشعال ورقة بخمسة جنيهات لتشعل منها سيجارتها..

تنضج على نار (الريحاني)
كانت الشخصيات المتنوعة التي يقدمها (الريحاني) في عروضه اليومية شخصيات من صميم الشعب المصرى وبيئاته وطبقاته المختلفة.. كان لابد لميمى في مشاركتها لكل عرض أن تدرس أعماق هذه الشخصيات مما جعلها تنضج اجتماعيا..
و في فرقة (الريحاني) تعلمت (ميمي شكيب) أسرار المسرح.. كيف تتغلب على محاولات ممثل معتاد أن يسرق أنظار الجمهور من زملائه مثل بشارة واكيم.. وكيف تقوم بالتقفيل على ممثل يحاول إحراجها بالخروج عن النص مثل (حسن فايق) الذى كان يحبها بعمق..
وفي كل ليلة يحضر لها علبة سجائر وقرطاسا من اللب الأبيض.. لم يكن (حسن) وحده الواقع في حب (ميمي شكيب) وإنما معظم الممثلين في الفرقة عدا (نجيب الريحاني) الذى كان يحب زوز واختها ..
صعد نجم (ميمي شكيب) على المسرح لتعاود السينما عروضها عليها من جديد لتبدأ في الاشتراك في أول فيلم لها وهو فيلم (ابن الشعب) أمام الممثل (سراج منير) العائد لتوه من ألمانيا بعد أن درس هناك الماكياج السينمائى..
تولى (سراج منير) في هذا الفيلم مسؤولية وضع الماكياج الخاص بميمى.. فكانت تلاحظ ولهه بها وهو يتفحص ملامحها بعمق أثناء وضعه الماكياج لها.. ورغم أنه كان حتى هذا الوقت مرتبطا بقصة حب لصديقته الألمانية التي كانت تزوره في مصر بين الحين و الآخر..

سراج منيير ماكيير لميمى شكيب
رغم أن عائد السينما أكبر إلا أن (ميمي شكيب) لم تجد فيها التفاعل الحى من الجمهور كما المسرح.. إنما تسجيل للمشاهد و تخزينها في علب السيلولويد.. تصادف أن يكون تصوير فيلم (ابن الشعب) داخل قصر الأميرة نازلى – و الذى صار فيما بعد ديوان وزارة الخارجية المقابل لمبنى الجامعة العربية.
و كانت الأميرة تدعو بعض صديقاتها لمشاهدة التصوير فكان من بينهن بعض سيدات المجتمع من عائلة (شكيب) اللاتى كن يتلصصن على ميمى أثناء التصوير من فرجات الباب.. وحينما كانت (ميمي شكيب) تنتبه الى وجودهن تتجاهلهن تماما..
حينما انقطعت علاقة (سراج منير) مع صديقته الألمانية بدأت (ميمي شكيب) في شعورها بالانجذاب نحوه رغم أنه في هذا التوقيت كان قد بدأ يميل الى الممثلة (راقية إبراهيم) التي شاركته و(ميمي شكيب) في فيلم (الحل الأخير).. غير أن راقية كانت تميل الى مهندس الصوت (مصطفى والي)..
وكان الفيلم قد كتبه (سليمان نجيب)، الذى كان بدوره غارقا في عشقه لميمى حتى انه كان يغار بشدة من أى مشهد يجمعها مع سراج منير..

كشكش بك في القصر الملكى
أثناء حضور (ميمي شكيب) بروفة إحدى المسرحيات في (فرقة الريحاني) تناهى إلى سمعها صياحه الرافض.. تبينت الأمر.. كان (سليمان نجيب) ينقل إلى (الريحاني) دعوة ملكية لعرض بعضا من مسرحياته عن ( كشكش بك) على (مسرح قصر عابدين).. والتي كان (الريحاني) قد انتهى من عرضها منذ زمن بعيد..
لكنه لم يستطع رفض العرض الملكي.. دخلت (ميمي شكيب) مع الفرقة للمرة الولى إلى القصر الملكى فانبهرت بالأبهة ومظاهر الثراء فيه.. بعد العرض الأول دعى (الملك) الفرقة لمشاركته العشاء..
أثناء العشاء كان (بوللي) يؤدى دوره المعتاد في التقريب بين الملك و (ميمي شكيب) التي كانت تبدى إعجابها الشديد بالخبز البيض الذى كان يأتي خصيصا من انشاص لتفاجأ في اليوم التالى بمن يطرق باب منزل أسرتها حاملا الخبز الطازج القادم لتوه من انشاص مع تشكيلة من اللحوم والديوك الرومية والفاكهه المقطوفة لتوها من الحدائق الملكية..
بعد ساعات كان (بوللي) على الهاتف يطمئن على رضائها عن الهدية الملكية وحينما شكرته عقب قائلا (مولانا يريد أن يراكي)، و حينما سكتت متوجسة بادرها بتصحيح (هو يريد أن يرى مسرحية حكم قراقوش التي تؤدين فيها دور البطولة)..

(ميمى شكيب).. الراقصة الملكية
في اليوم التالى استلم (الريحاني) دعوة ملكية بتقديم (حكم قراقوش) في عرض خاص بالأوبرا سيحضره الملك وحاشيته فقط.. أثناء المسرحية كان هناك رقصة شرقية تؤديها راقصة كدوبليرة لميمى.. لكن في هذا العرض طلب الريحانى أن تؤدى (ميمي شكيب) الرقصة بنفسها..
استعارت (ميمي شكيب) بدلة رقص شرقى من (تحية كاريوكا) بينما دربها على أداءه (فريد غصن).. استمرت الرقصة على المسرح ربع ساعة لاحظت فيها (ميمي شكيب) نظرات الملك النهمة إليها..
بعد انتهاء الرقصة لحق بها بوللى في الكواليس يطلب إليها أن تذهب لمصافحة الملك.. حينما أبدت رغبتها في تغير بدلة الرقص أولا بادرها (بوللي) بأنه لا يصح للملك أن ينتظرها حتى تغير الملابس.. فذهبت اليه ببدلة الرقص ليتفحصها بنظرات ثاقبة و هو يصافحها مبتسما مرددا (أنتى راقصة عظيمة يا ميمي)..
لتتأكد (ميمي شكيب) أن الملك قد دخل الى مجالها المغناطيسى – تماما مثل من سبقوه من الباشوات – و عندما أبدى سليمان نجيب للريحانى تعجبه أن الملك لم يغضب من الإسقاطات الموجودة في (حكم قراقوش)، والتي رفض الريحانى حذفها قبل العرض أجاب (الريحاني و هو يشير إلى (ميمي شكيب) مبتسما (الملك علشان الورد قبل الشوك)..
ذاع خبر إعجاب الملك برقص (ميمي شكيب) في الصحافة.. استغل (الريحاني) ذلك حيث أن جمهورا غفيرا توافد من كل أنحاء مصر الى مسرحه لمشاهدة الراقصة التي نالت الإعجاب الملكى..
وحينما طلب منها (الريحاني) أن تستمر في أداء الرقصة بنفسها ردت (ميمي شكيب) قائلة أنها أعادت البذلة إلى (تحية كاريوكا) فأمر بتفصيل 6 بدلات رقص لها.. وحينما أخبرته أنها لا ترقص إلا للملوك فقط رفع ماهيتها إلى 30 جنيها شهريا..
ليستمر عرض (حكم قراقوش) لفترات طويلة حتى أن التذاكر كانت تنفذ كلها من الشباك خلال أقل من ساعة أمام الجموع المتزاحمة والمتلهفة لمشاهدة الراقصة الملكية (ميمى شكيب).