
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
انتقاد الرئيس السيسي أمس الأول لحال الإعلام و(الدراما) في مصر وما يفعلانه من تسطيح لعقول المشاهدين، مثل مفاجأة سعيدة للكثيرين الذين رأوا في اهتمام رئيس الجمهورية بواحدة من الهموم التي تؤرق قطاع كبير من المصريين إشارة إيجابية.
تلك الاشارة مثل غيرها من اشارات يطلقها الرئيس من وقت لآخر، جاءت مباشرة منه وليس من خلال الإعلام و(الدراما) اللذان يكلفا الدولة مليارات الجنيهات للقيام بهذا الدور، دون أن يحققا نجاحا يذكر.
وبقدر السعادة بقدرة الرئيس على تخصيص جزء من وقته لمتابعة الأعمال الدرامية، أو متابعة انتقادات المصريين لها على مواقع التواصل الاجتماعي، كان استغرابهم من أنه يرى (الدراما) والإعلام بنفس عيونهم التي ترصد الأخطاء والملاحظات السلبية عليها.
مبعث الاستغراب أنه طوال السنوات الماضية، كانت هناك إجابة واحدة على كل من ينتقد حال (الدراما) والاعلام، ويتساءل عن جدوى الانفاق الضخم عليهما طالما أنهما لا يلبيان حاجة المصريين، وهي ان الهدف مخاطبة وارضاء قارئ ومشاهد واحد فقط هو رئيس الجمهورية.
لكن إذا كان الرئيس يشارك الشعب الانتقاد لما تقدمه (الدراما) والإعلام من تشويه للمجتمع وأبنائه، فهذا يعني أن القائمين عليهما من رعاة الفشل يجب أن يرحلوا فورا لأنهم اذا أخفقوا في إرضاء مشاهد واحد، فكيف يمكن الثقة في أنهم يستطيعون ارضاء ملايين المشاهدين؟!
كما أن حديث الرئيس السلبي عن أداء (الدراما) والإعلام، يفتح الباب أمام سؤال جوهري، إذا كان الرئيس يشارك الشعب في عدم الرضا عما يقدم، فمن الذي يخاطبه ذلك الاعلام؟!، إلى من تتوجه (الدراما) التي تكلف إنتاجها مليارات الجنيهات طوال السنوات الماضية؟!

الرئيس لخص ما كنا نكتبه
والواقع أن ما قاله الرئيس لخص ما كنا نكتبه طوال سنوات حتى جفت أقلامنا وبحت أصواتنا من كثرة انتقاد التردي الذي بلغته (الدراما) المصرية خصوصا، والإعلام المصري بشكل عام، خلال السنوات الأخيرة.
وحذرنا كثيرا من أن ما يحدث لا يفقد مصر قوتها الناعمة فقط، التي جعلتها تتربع في قلوب العرب على مدى عقود طويلة، وإنما بات مصدرا متكررا لتحقير المجتمع والشعب المصري أمام أشقائه، من خلال أعمال تختصر المصريين في فتيات الليل والعوالم والبلطجية والمجرمين، وغيرهم من النماذج المشوهة.
لكن المفارقة التي سببت لي الكثير من الانزعاج أن كل من بادروا بالترحيب بملاحظات الرئيس، وطالبوا بسرعة تحويلها إلى منهج عمل، هم من كانوا رعاة الفشل والانحدار طوال السنوات الماضية، وهذا يعني أننا سنظل ندور في حلقة مفرغة يمكن أن نظل فيها قرونا دون أن نصل الى نهاية أو نتيجة.
ويكفي أن تلقي نظرة سريعة على ردود الأفعال على خطاب السيسي، لتعرف أن من كانوا السبب الحقيقي في تأزيم (الدراما) والإعلام، وطرد الموهوبين والمهنيين من المجال، تحولوا بين ليلة وضحاها ليكونوا في طليعة المطالبين بإصلاح الأحوال تنفيذا لطلبات الرئيس.
في أحد الأفلام القديمة لا اتذكر اسمه، يقول الفنان الموهوب (توفيق الدقن) جملة عبقرية (إذا كانت البلد كلها بقت فتوات، أمال مين اللي هينضرب)، ونحن هنا نسأل بصوت عال، إذا كان الفشلة وأعضاء روابط (شيلني واشيلك) هم الذين يبادرون بوضع تصورات وخطط لتنفيذ طلبات السيسي، فمن هم الذين يجب إبعادهم لكي ينصلح حال الإعلام والدراما؟!!

برنامج الفنان (سامح حسين)
وأين كان هؤلاء طوال السنوات الماضية، وهم ليسوا فقط يتابعون ما يجري من تسفيه للدراما المصرية وتسطيحها، ولكن كان أغلبهم يشاركون بقوة في جرها الى المستنقع الذي دفع رئيس الجمهوري مع كل انشغالاته للتوقف وتخصيص جزء من وقته لمتابعة ما يقدم وانتقاده؟!
ولماذا تجاهل رعاة الفشل كل الملاحظات والانتقادات التي كتبت وقيلت طوال سنوات من نقاد متخصصين وكتاب مهمومين بمشاكل المجتمع وحريصين على سلامة منظومته القيمية التي كان هؤلاء يضخون أعمالا تهدمها، بكثافة وتصميم يثيران الشك في أنهم ينفذون مخططا أو سيناريو مرسوم لتخريب المجتمع من الداخل؟!
ولماذا استيقظ ضميرهم فجأة بعد كلام الرئيس وانتقاده لما تقدمه (الدراما) والإعلام ودورهما في هدم الأخلاق والقيم لدى الأجيال الجديدة؟! هل لأن بوصلة ضمائرهم لا تعرف سوى اتجاه واحد فقط هو اتجاه القادة الأعلى منهم، ومن دون ذلك مجرد ريح تصفر قليلا ثم تختفي؟!
وكم واحد من رعاة الفشل عرض عليه برنامج الفنان (سامح حسين) الذي أشاد به الرئيس ورفض انتاجه، لأنه ببساطة لا يساهم في تكريس تسطيح العقول وتشجيع العنف والقبح، وهى القيم السلبية التي تسعى (درامتهم) لتحقيقها منذ سنوات؟!