رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: أيام في (مسقط)

لا عجب أن تفوز (مسقط) في كثير من الاستطلاعات والمناسبات كواحدة من أجمل العواصم في العالم

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

برغم الطبيعة الجبلية القاسية المحيطة بمدينة (مسقط) عاصمة سلطنة عمان، والتي يقال أنها سميت بهذا الاسم لأنها (ساقطة) بين الجبال، إلا أن أهلها لم يكتسبوا من تلك الطبيعة الصخرية سوى قوة الإرادة.

وكان وجودهم المترامى على البحر في شواطئ تمتد لأكثر من 3 آلاف كيلو هو المؤثر الأكبر على شخصيتهم ، فاتسموا بهدوء البحر وعمقه وجماله الدافع الى التأمل والإحساس بعظمة الخالق.

ولهذا فإن الوافد إلى (مسقط) سيشعر بالهدوء نتيجة للاتساع والامتداد الأفقى الكبير للعاصمة وخلوها من ناطحات السحاب، فمعظم الأبنية لا تتجاوز الطوابق الست بل أغلبها ثلاثة أدوار فقط.

تطل على شوارع متسعة لا تجد فيها أي ضوضاء أو تلوث، بل فراغ مريح للعين و النفس و نقاء في الهواء انتقل الى طبيعة البشر فتراهم مبتسمين في ود و حسن معاملة حتى تخالهم أصدقاء لك منذ زمن طويل في حين أن معرفتك بهم لم تتجاوز الدقائق.

ولهذا فلا عجب أن تفوز (مسقط) في كثير من الاستطلاعات والمناسبات كواحدة من أجمل العواصم في العالم بفضل مناظرها الطبيعية الساحرة والتطور الحضري المميز مما يجعلها وجهة سياحية تجمع بين التاريخ والثقافة والجمال الطبيعي وصُنفت كسادس أفضل عاصمة للسياح وثالث أجمل مدينة في العالم.

إحساس بالجمال والهدوء والسكينة كان من المفترض أن ينتابنى خلال أيام قضيتها في (مسقط) لحضور الدورة الخامسة عشر لمهرجان المسرح العربى الذى اقامته الهيئة العربية للمسرح بمشاركة وزارة الثقافة والرياضة و الشباب العمانية والجمعية العمانية للمسرح في الفترة  من 9 الى 15 يناير.

كان هناك 11 عرضا مسرحيا تتسابق داخل المسار الأول للفوز بجائزة سمو الشيخ (سلطان بن محمد القاسمي)

سباق بين 11 عرضا مسرحيا

ولكن (آه من قول لكن)، إن الدورة في تلك العاصمة الهادئة كانت صاخبة، و مزدحمة ازدحاما شديدا يفوق الوصف، فخلال تلك الأيام السبعة كان هناك 11 عرضا مسرحيا تتسابق داخل المسار الأول للفوز بجائزة سمو الشيخ (سلطان بن محمد القاسمي) لأفضل عرض مسرحى عربي.

تتبعها وتتابعها  جلسات نقدية تطبيقية، والمسار الثانى يضم 4 عروض مسرحية لا تدخل ضمن التسابق، وهكذا عليك أن تتابع 15 عرض مسرحي خلال 5 أيام (باستثناء يومى الافتتاح و الختام).

وبجوار العروض المسرحية هناك مؤتمر فكرى على مدار ثلاثة أيام، يومها الأول مخصص للمسرح العمانى ويومان للمسرح والذكاء الاصطناعي عن استخدامه في التصميم الرقمى والإضاءة  النص المسرحى والصوت و الهولوجرام والتصميم المسرحى و تطوير التكنولوجيا في المسرح.

وهو موضوع هام ومتشعب كان يحتاج الى وقت أطول من مجرد 8 ساعات مقسمة على يومين، إلى جانب 4 ورش مسرحية امتدت على مدار أيام المهرجان كلها.

ورافق هذا النشاط المكثف حفلات توقيع لبعض إصدارات الهيئة لمؤلفيها من سلطنة عمان، وبعض الكتاب من الوطن العربى إلى جانب مؤتمرات صحفية للعروض المسرحية قبل تقديمها ونشاط جديد اضافته الهيئة منذ الدورة الماضية، وهو الاستوديو التحليلى الذى يناقش موضوعات مسرحية بعينها ويتم إذاعته على موقع الهيئة في بث مباشر.

وأمام هذا الازدحام الشديد كان لابد من تفوت منك الفرص، فلقد حرصت على حضور ورشة مهارات التمثيل وفق منهج ميخائيل تشيكوف أو (مايكل تشيكوف)، ذلك الممثل الروسى الذى سافر الى عدة دول ليستقر في أمريكا.

وهناك تتجلى عبقريته ممثلا فيتم ترشيحه لجائزة الأوسكار ويشتهر كمدرب للتمثيل استفاد من مناهج مختلفة كمنهج أستاذه ستانسلافسكى وأيضا من مناهج معاصريه ( (فاختانجوف و ميرهولد)، ليصنع مدرسة مختلفة تنتج نجوما في عالم الفن مثل (أنتونى هوبكنز).,

ولندرة المتخصصين في هذا المنهج على مستوى العالم العربى حرصت على حضور تلك الورشة – التي حظت بكثير من الثناء عندما أقيمت في مصر اثناء مهرجان القاهرة التجريبى في الدورة الماضية  – فاستأذنت القائم عليها الصديق العزيز الدكتور (عجاج سليم) عميد معهد التمثيل سابقا في سوريا في الحضور وكان كريما في السماح لى.

ولكن للأسف الشديد لكثرة الارتباطات ولضيق الوقت لم أستطع سوى حضور اليوم الأول فقط، فأزادنى شغفا ولكن لم يكن بيدى الأمر.

ولم تكن تلك هى الفرصة الوحيدة الضائعة فالورش الأربع التي أقيمت كانت تستحق الحضور، فالثانية هى سبعة دروس في الإيماء وفنون الأداء الصامت للفنان الفلسطيني الكبير سعيد سلامة، و الثالثة عن فن إدارة الممثل وأهميته في بناء العرض المسرحى للأستاذ الدكتور (معز مرابط) من تونس.

الشابة المصرية الممتلئة بالحماس (شيرى غباشى)

الشابة المصرية (شيرى غباشى)

أما الرابعة فهى جديدة تماما بالنسبة لى وهى عن (السلامة المهنية لذوى الهمم في المسرح)، وأقامتها الشابة المصرية الممتلئة بالحماس (شيرى غباشى)، و لكن للأسف حضرت مجرد دقائق منها.

ولكن الارتباط بحفل توقيع كتب لأصدقاء أو حضور ندوة أو محاضرة عن الذكاء الاصطناعى (المستقبل المنتظر للمسرح)، أو التسجيل في الاستوديو التحليلى أو لقاءات صحفية وتليفزيونية جعلتنى أدور حول نفسى، و عندما اعجز عن الإلمام بكل النشاطات أبرر لنفسى أن السبب هو ازدحام الجدول وتقاطع المواعيد وأن كل المسارات تجرى بالتوازي، فرفقا بنا.

النشاط الوحيد الذى تابعته كاملا كانت العروض المسرحية برغم ارهاق مشاهدة ثلاث عروض يومية في ثلاث مسارح مختلفة بينها مسافات طويلة، تلك المسافات كانت مفيدة أحيانا في رؤية العاصمة (مسقط) مترامية الأطراف من خلال نافذة السيارة، ومفيدة أيضا في الفصل بين عرض و آخر.

ولكنك في النهاية ستكتشف أنك قضيت في تلك الرحلة ست ساعات على الأقل منذ انطلاق السيارة إلى العرض الأول في الخامسة وحتى العودة بعد الحادية عشر مساء، (و استمرت في ليلة إلى الواحدة والنصف صباحا) فلم استطع حضور معظم الجلسات النقدية التي تعقب العروض ، و أقول لنفسى هامسا (احنا عجزنا على كده).

وهكذا مرت تلك الأيام وكأنك تجرى في ماراثون تحاول فيه اللحاق بالوقائع والأحداث، ولم يتح لنا ذلك اللهاث الجلوس إلى الأصدقاء من مختلف الدول العربية أو الاحتفاء بالزملاء المصريين الذين كانت لهم أنشطة بارزة في المهرجان و حضور مميز، أو الاستمتاع بهدوء تلك العاصمة (مسقط) وجمالها البهى لتغسل همومك وتزيل عنك إرهاق أنهك الروح و البدن.

فوز عرض (البخارة) من تونس بالجائزة الواحدة الوحيدة

فوز عرض (البخارة)

وينتهى المهرجان سريعا لنصل إلى حفل الختام الذى أعلن فيه عن فوز عرض (البخارة) من تونس بالجائزة الواحدة الوحيدة، لتؤكد تلك الجائزة حضور الشباب بقوة وسيطرتهم على معظم عروض المهرجان، فمن الملاحظ أن هناك جيل جديد يصعد ويحتل مكانته على امتداد الساحة العربية وهو ما ذكرته لجنة التحكيم في تقريرها الختامي.

وإذا كانت هناك بعض الآراء تخالف نتيجة لجنة التحكيم فعلى الكل احترام وجهة نظرها فهى تكونت من أساتذة أفاضل لهم مكانتهم العلمية والمهنية، ولكنى برغم الاحترام و التبجيل لكل أعضائها، أرى أنها وُضعت في حرج بسبب مشاركة عرض (كيف نسامحنا) لدولة الإمارات من إخراج المخرج المتميز محمد العامري.

فالعرض كان يستحق الجائزة فعليا – من وجهة نظرى –  ولكن مؤلفه هو الكاتب الكبير (إسماعيل عبد الله)، أمين عام الهيئة العربية و مدير المهرجان وصاحب العدد الأكبر من الجوائز في كل المهرجانات الخليجية و العربية.

ولذا في ظنى واعتقادى أنه كان سببا في حجب الجائزة عن العرض، فهل تُقدم عروض (إسماعيل عبد الله) فيما بعد خارج سياق التسابق حلا لتلك الإشكالية؟

وفي حفل الختام كانت الفرحة بإعلان استضافة القاهرة للدورة السادسة عشر من المهرجان، ولهذا حديث آخر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.