بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
مازالت فرقة مسرح القاهرة للعرائس تبهرنا بعروضها المتميزة ، ذات القيم الجمالية في الشكل والمضمون، وهذا ما شاهدناه في العرض الجديد للفرقة (مروان وحبة الرومان) إخراج الفنان القدير(ياسر عبد المقصود) صاحب الفكرة النصية ، والتي ترجمتها تأليف (رحمة محجوب).
وفكرة عرض (مروان وحبة الرومان) مستوحاة من الحكايات التراثية، ذات المحتوى الخيالي، المشتمل على قيمة المروءة في المجتمع، والتي تظهر في شخصية (مروان)، الشاب الذي يقدم المعونة بلا مقابل للآخرين.
وهذا هو مضمون (مروان وحبة الرومان)، الذي ركز على فكرة المروءة التي تظهر الأفعال النفسية الجميلة والتي تترك أثرا حميدا في نفوس الناس، ونرى هذه الشخصية (مروان).
من خلال أحدوثة (حدوتة الأميرة (حبة الرومان) ابنه ملك المدينة، والتي كانت تعيش في سعادة مع والديها، ولكن سعادتها تغيب عنها بعد وفاة والدتها، وتدخل في حالة من الكآبة الشديدة، وتحاول مربيتها التخفيف عنها، ولكن بدون جدوى.
وتخبر والدها بالأمر ويحاول جهدا، ولكن الأمور تتأزم، وتقترح المربية جلب ريشة من طائر السعادة حتى تشفي الأميرة، ولكن الملك يخبر المربية بأن هذا الموضوع خرافة، وليس له أساس من الصحة.
وتحاول معه المربية إلي أن يرضخ للأمر ويعلن في المدينة (أن من يحضر ريشة من طائر السعادة له مكافأة كبيرة)، ويمر الوقت ولم يتقدم فرد للملك لكي يقوم بهذه المهمة، وفجأة يتقدم الفتى (مروان)، ويخبر الملك والأميرة بأن سوف يحضر لهما ريشة من طائر السعادة حتي تشفي الأميرة.
وتنبهر الأميرة من موقفة النبيل (لأنه يعمل على شفائها بدون أجر أو مصلحة شخصية)، وسوف يقطع رحلة طويلة يمر من خلالها بالسبع بحور إلي أن يصل إلى مدينة النور.
فتاة مسحورة (في صورة شجرة)
وبالفعل يذهب (مروان) في تلك الرحلة، وصل إلي غابة في طريقة ليقابل الشجرة ياسمينة وهي فتاة مسحورة (في صورة شجرة) وتطلب منه المساعدة، وهى أن يحملها وهى شجرة إلي أهلها حتى ينفك السحر فيوافق.
إلا أنها تظهر له في صورتها البشرية، وتخبره بأنه كان في اختبار ونجح وتهدية بساط الريح لكي يصل إلي الجزيرة، وعندما يطير تهب عاصفة فيسقط في مدينة الأقزام، ويجدهم في كرب لأن بلدهم بها وحش يلتهم خيرات البلد، ويساعدهم في القضاء عليه، ويعطونه قارب.
وفي الرحلة يقابل (عروس البحر) وتخبره بمكان الجزيرة إلي أن يصل إلى الجزيرة، وهناك تظهر له ياسمينة (التي أهدته بساط الريح) لتخبره بأنه لا يوجد طائر اسمه طائر السعادة، وتقول له سوف تعود إلي بلدك وتجد الأميرة شفيت من مرضها وتعيده بحركة سحرية إلى مدينته.
ويخبر الملك والأميرة بأنه لم يأتي بالريشة ولا يوجد طائر اسمه طائر السعادة، ويطلب منه الملك أن يطلب منه أي شيء يحققه له فيطلب الزواج من الأميرة (حب الرومان)، ويتزوجها وتنتهى المسرحية.
ومن العرض الخاص بالنص نجد أنه مليء بالخيال الصعب التحقيق في صورة عرض مسرحي، ولكن يبدو أن المخرج (ياسر عبد المقصود)، يتصدى للعمل بحرفية شديدة، برغم قلة الإمكانات المتاحة، ويقدم عملا شيقا في صورة جمالية تأثيرية منظمة.
فقد بدأ العرض بافتتاحية مبهرة بدأها من السماء، فعند فتح ستارة المسرح، يعتمد على المسرح الأسود، وتظهر النجوم في الخلفية، ويظهر مجموعة من الراقصين مرتدين أقنعة، أحدهم قمر والثاني نجمة والباقي أقنعة مختلفة خاصة ككواكب وغيرها.
الحكي أو القص يثير الخيال
ويقص القمر على النجمة حكاية (مروان وحبة الرومان)، مستخدما فن القص، وهنا استطاع المخرج بمهارة التأثير في حاسة البصر والسمع عند الأطفال، يضعهم ويؤهلهم للدخول إلي العرض، فالحكي أو القص يثير الخيال عند المشاهد وخاصة الطفل.
ثم يدخل بهم في عالم الحكاية تمثيلا، وتظهر خشبة المسرح المسطحة، عليها قطع الديكور قصر الملك مكون من طابقين، العلوي للأميرة والسفلي قاعة العرش، وحديقة القصر وبينها ممر، فلم يجعل خشبة المسرح منطقة التمثيل بل جعل ديكور العرض هو المنطقة التمثيلية الخاصة بالعرائس.
فقد فصل الخشبة المسرحية، وجعلها مكان يوضع عليه ديكور العمل فقط، مما أضفي حميمية بين المشاهد والعرائس خاصة الأطفال جمهور العرض، وبهذا التحم وجدان المشاهدين ( الأطفال ) بموضوع العرض.
ثم ينتقل بنا المخرج إلي رحلة (مروان) في البحث عن طائر السعادة، ويستغل الخشبة المسرحية بكاملها في هذا الجزء في براعة فائقة لتحقيق الخيال الصعب في رحلة (مروان)، ويعتمد هنا على العنصر البشري الفنان (محمد النمس) في صورة مزج (مروان)، ولم يعتمد على العروسة حتى يحقق الخيال في مزج بين العروسة والعنصر البشري.
وبداية الرحلة تظهر له شجرة الياسمين (الممثلة نادية الشويخ) وتعطيه بساط الريح، ويعتمد المخرج على استخدام الستائر السوداء لتحقيق خدعة الطيران والإضاءة الخافتة ويظهر مروان العروسة وهو طائر على بساط الريح (وقد قدم هذا المنظر) ببراعة برغم قلة الامكانات.
مشهد فائق الجودة والروعة
ثم يدخل بنا في مشهد فائق الجودة والروعة، وهو دخول (مروان) إلي مدينة الأقزام، ليبدو (مروان) البشري عملاق في نظر الأقزام، والأقزام كانوا من العرائس، وهذا حقق الخيال ودار مشهد تمثيلي بين (محمد النمس والعرائس) في غاية من الروعة.
يمتد بنا إلي لقاء وحش عملاق يظهر على المسرح ليقضي عليه الأقزام بمساعدة (مروان)، وينتقل بنا المخرج إلي أجمل مشاهد الرحلة وأروعها، وهو مشهد البحر المغلف بالستائر السماوية اللون والإضاءة السماوية.
ويظهر مروان (محمد النمس) في قاربه وهو يبحر ويصطاد عن طريق الخطأ عروسة البحر، وتخبره بأن عندها أولاد وقد اصطادها، فيخبرها بأنه لا يقصد ويحررها لتدله على جزيرة النور فهذا المشهد ، استطاع المخرج تقديم ابهار على القيمة ، يحسب له في تحقيق الخيال.
وينقلنا المخرج إلي جزيرة النور ليقابل (مروان) ياسمينة (نادية الشويخ)، وتخبره بأن يعود إلي مدينته وسيجد الأميرة شفيت ولا يوجد طائر اسمه طائر السعادة، حتى لا يلتصق بخسال الطفل خرافة ليس لها وجود، وتنتهى المسرحية بزواج (مروان وحبة الرومان).
لقد بذل المخرج (ياسر عبد المقصود) جهدا يحسب له، خاصة في استغلاله للمساحة المسرحية، فقد استغل مساحة وسط المسرح ببراعة فائقة في معظم مشاهد العرض مما جعل مستوى الرؤية للمشاهد في حالة من التركيز البصري، وجعل من تلك المنطقة أهم المناطق لتقديم هذه المشاهد.
كما أن استخدامه للستائر بألوانها في تصوير الخدع المسرحية، من طيران وبحور .. إلخ كان في غاية الروعة، ولا يغيب عنا استخدامه الرائع للإضاءة، إلى صور بها مشاهد الليل، والبحروالنهار، وإضاءة العرائس بأزيائها الجميلة.
وقام المخرع بعمل اتزان غاية في التناسق بين قطع الديكور وحركة العرائس والممثلين على خشبة المسرح، لقد قدم المخرج (ياسر عبد المقصود) عرضا جماليا رائعا شعرنا معه بالمتعة الجمالية، وعاد بنا إلي مسرحنا التراثي الثري بموضوعاته الحميمية بين الفنانين والجماهير.