بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
مسلسل (عمر أفندي) الذي يعرض حاليا على منصة شاهد يؤكد على حقيقية قد تصدم الكثيرين من صناع الدراما المصرية خصوصا في السنوات الأخيرة، وهى أن معايير انجذاب المشاهدين للدراما لم تعد في (حشر) نجوم الصف الأول في أعمال مكتوبة ومنفذة بشكل غير احترافي، وإنما باتت الجودة هى المعيار الأساسي في نجاح أي عمل حتى لو كان يخلو من النجوم.
ما قلته غير مقصود به التقليل من نجومية أبطال (عمر أفندي) بقدر ما هو تأكيد على ملاحظة تكونت في وقت سابق عندما تابعت النجاح الذي حققه مسلسل (بالطو) الذي عرض بمشاركة مجموعة من النجوم المميزين لكن دون أن يكون بينهم واحد من نجوم الصف الأول.
ما يميز نجاح مسلسل (عمر أفندي) خلوه من الخلطة الشعبية التي اعتمد عليها المنتجون وصناع الدراما المصرية في الآونة الأخيرة من عنف وتلميحات جنسية وبطولة مزيفة للبطل الأوحد، وهي الخلطة التي حفلت بها الكثير من الأعمال الدرامية المنتجة مؤخرا.
على العكس من ذلك تميز مسلسل (عمر أفندي) بايقاع رصين ورتم هادئ يخلو من الضجيج المفتعل، لكنه في نفس الوقت استطاع ربط المشاهدين مع الأحداث ومع الشخصيات في توازن يندر أن يتمتع به عمل درامي مصري.
مفاجأة المسلسل في رأيي الشخصي هى في نجوم الأدوار الثانية أو (السنيدة) بلغة السينما، ويبرز هنا النجم (مصطفى أبو سريع) الذي قدم دور (دياسطي) بأداء اجتمعت فيه العبقرية مع البساطة فكان بالنسبة لي وللكثيرين ممن تحدثت معهم هو النجم الأول للعمل.
كذلك قدمت (آية سماحة) دورها بطريقة السهل الممتنع لتنجح في أن تترك انطباعا عميقا في نفوس المشاهدين رغم أنها لم تلجأ طوال الحلقات التي عرضت إلى الافتعال أو الإثارة، وهي رسالة ضمنية للكثير من النجمات اللاتي يؤمنّ بأن عمق الأثر الذي يتركونه مرتبط بقدر الإثارة و (الغمز) الذي يقدمنه.
(أحمد حاتم) قدم دورا يحسب له
(أحمد حاتم) قدم دور (علي) أو (عمر أفندي) بنجاح يحسب له، مثلما يحسب له هو ومؤلف العمل والمخرج إفساح المجال والشاشة في أوقات كثيرة لنجوم الصف الثاني، مما صادر أي إحساس بالملل يمكن أن يصيب المشاهدين.
بالنسبة للسيناريو قد يكون أهم المآخذ عليه تجاهل تبرير الربط بين الحاضر والماضي، حيث تجاهل المؤلف (الموهوب) مصطفى حمدي التعمق في فكرة الرجوع إلى الماضي وتحديدا إلى عام 1943.
المؤلف اكتفى فقط بتبرير هذه العودة المتكررة بوجود سرداب سحري اكتشفه البطل (علي) في شقة والده بعد وفاته، هذا السرداب يتصل في الجهة الأخرى بواحد من بيوت المتعة التي كانت منتشرة ومرخصة في مصر في اربعينات القرن الماضي.
ربما كان من الأفضل لو تعمق المؤلف في تفسير هذا الربط وأسباب اختيار فترة الأربعينات وتحديدا عام 1943، ويوضح للمشاهدين ما هى الخصوصية التي يتمتع بها هذا العام في السياق الدرامي للعمل.
كذلك افتقد العمل الربط بين الماضي والحاضر اللهم إلا في بعض (الفلاشات) مثل اكتشاف (علي) لأصل والد زوجته رجل الأعمال الثري الذي كان يدعي بأنه باشا ابن باشوات قبل أن يكتشف البطل بأن والد الرجل كان طفلا مشردا وسارقا ضمن عصابة تديرها المعلمة شهيرة (ميمي جمال).
أيضا يمكن بسهولة ملاحظة الجهد الكبير والعمل الضخم الذي قام به المخرج المتميز (عبد الرحمن أبو غزالة) وفريق عمله في تحضير المشاهد المختلفة للعمل بدرجة نجحت بتفوق في نقل المشاهدين لا شعوريا للتعايش مع أجواء الأربعينات، بكل ما تضمنته من تفاصيل.
أنجح الأعمال الدراميا المصرية
لكن هذا التميز يجعلنا نقف عند حقيقة أن الجهد الأساسي للمؤلف والمخرج تركز على مشاهد الماضي، في وقت عبرت فيه الأحداث على مشاهد الحاضر بشكل سريع دون تعمق، وهى واحدة من أبرز نقاط ضعف المسلسل.
في اعتقادي كان يمكن أن يركز مسلسل (عمر أفندي) على فترة الأربعينات طالما انها المرحلة الأكثر خصوبة في الجانب الدرامي له، وبالتالي كان بإمكانه تفادي الوقوع في فخ الملاحظات السلبية التي نشأت بالأساس من التنقل المتكرر بين الحاضر والماضي دون ضرورة درامية واضحة في أغلب المشاهد.
أخيرا فأن الجدل حول أي عمل فني أمر جائز بل وضروري أحيانا لإضفاء الحيوية على الدراما في كثير من الأوقات.
لكن هذا الجدل لا يمنع أننا أمام واحد من أنجح الأعمال الدرامية المصرية في السنوات الأخيرة يجب أن يبنى على أسباب نجاحه من أجل انقاذ الدراما المصرية من أزمة المسلسلات التي يتم تفصيلها على مقاس بعض النجوم.