بقلم الكاتب والناقد: عمرو زويتة
أسوأ شيئ أن يتبنى الفن موقف إدانه لطرف من الأطراف مثل فيلم (حياة الماعز)، لأنه حكم على نفسه بالانحياز لموقف يتبناه ويدافع عنه، وبالتالى سيستبعد المشاهد كطرف أصيل له خياله ومساحته التأويلية الى مجرد متلقى رسالة.
أساس الدراما هو الصراع القائم على تناقضات النفس البشرية بما فيها من الخير والشر ومن الضعف والقوة، لكن غرام السينما الهندية بالميلودراما فى غالبية أفلامها يفقد فنها الكثير من قيمته.
فلايوجد خير مطلق ولاشر مطلق، فقط هناك بشر يتصارع بداخلهم الخير والشر، فلايوجد خير بمعزل عن الشر بل الخير مشروط وجوده بالشر.
فكرة فيلم (حياة الماعز) قائمة على بطل الفيلم (نجيب محمد) الذى يرغب فى تعديل واقعه البائس اقتصاديا، ويرى الخلاص فى السفر الى الخليج، ويضطر الى رهن بيته كى يستكمل أوراق سفره.
وفى ضوء معالجة (حياة الماعز) يسافر البطل (نجيب محمد) الهندى الجنسية مع رفيقه (حكيم) ولحظة وصولهم الى المطار لايجدوا أحدا فى انتظارهم، وبالمصادفة يعثر عليهم بدوى وهم حيارى من انتظار المسئول عنهم، ولا يعرفون التحدث بالعربية، فيأخذهم معه على أنه كفيلهم ويستغلهم أسوأ استغلال فى رعى الأغنام.
فيلم (حياة الماعز) تورط من البداية فى إدانة مجتمع بعينه – وليس شخص محتال – والذى تحول الأمل فيه الى كابوس.
أمعنت الصورة فى المبالغة للشر كما بالغت فى الخنوع والاستسلام، دون أى محاولة للتعرف على وجوه أخرى لكليهما، الشر منذ البداية كما هو لايوجد بداخله أى مساحة للخير، أو أى قدر من الإنسانية.
وهذا لايمكن تصوره فى مجتمع إنسانى، الإنسان ماهو إلا مساحة بين التقوى والفجور، وهذه الرؤية فقيرة لكونها أحادية الجانب، ولاتملك رؤية متعددة الزوايا كى ترى أكثر من وجه.
تعامل الكفيل المتغطرس
بمعنى آخر ماذا لو تغيرت موازين القوة وتمكن (نجيب) من كفيله النصاب وأصبح تحت رحمته ماذا سيكون تعامل الكفيل المتغطرس تحت السيطرة عليه؟، وماذا سيكون تصرفه، وعلى الصعيد الآخر ماذا ستكون المشاعر المختلطة داخل (نجيب) من رغبة فى الثأر وبين الخوف من العواقب وبين الاكتفاء بتصحيح وضعه.
كان فى مقدور كاتب السيناريو والحوار أن يخلق دراما بتطوير شخصياته، لكنه ارتاح لهذا المنطق، واستنفد كل طاقته فى مسار واحد فقط، يبدو أن صناع العمل لديهم قناعة أن النجاح مرتبط بحجم دموع المشاهدين.
لذلك يظل الصراع فى سكة وحيدة كما هو وتتصاعد المحنة بنفس عقم مضمونها، ويزداد الألم أكثر وأكثر حتى يصل البطل الى تخوم النهاية.
هنا استدعاء لمحنة (المسيح)، ويوجد تناص بحجم العذاب والألم الذى تعرض له (نجيب) فى استسلام كامل، وأيضا المجتمع الذى ساهم فى العذاب والألم، كأنه صورة أخرى لليهود الذين عذبوا (المسيح)، ونكلوا به وطالبوا (بيلاطس) بصلبه.. أكاد أشم رائحة دينية فى الورق باستهداف الإسلام نفسه كمرجعية أخلاقية.
الفن ليس انحياز مع أو ضد، الفن مع السارق والمسروق، مع القاتل والمقتول ومع النصاب والضحية ومع الفاجر والتقى، لأنهم جميعا بشر تحركهم نزوات ورغبات وشهوات وأطماع وطموح جائع للقوة بكافة أشكالها.
الفن لايحمل رسائل أخلاقية أو نصائح وعظية، الفن لايتهم شخص بعينه ولامجتمع بغرض الحكم عليه، وإلا تحول لمسوق لفكرة الفن السينمائى أولا وأخيرا، هو متعة بصرية ورؤية فنية للواقع، يطرح أسئلة ولايقدم إجابات.
هنا الأحكام تصبح إدانة فنية لصناع العمل، لأن الحكم متروك للمشاهد فى بحثه عن إجابات.
وسيناريو (حياة الماعز) لم يتوقف فقط عند حياة البداوة وقسوتها وجلافتها، أو مجرد رجل نصاب استغل ظرف شابين فى لحظة توهان من انتظار المسئول عنهم، بل إختصم بلد بشكل فج ومباشر.
فمنذ نزول الوافدين أرض المطار والضباط بأسلوبهم وطريقتهم الخشنة الجافة مع الوافدين الجدد، وكأنهم على عتبات المتاعب وتمهيد لبداية رحلة عذاب قادمة.
وأتى موقف (البدوى النصاب) الذى أخذهم ليوضح ذلك، والملفت للنظر أنه لم يكن ورائه شيئا فى المطار ليفعله – بجد مش عارف كان بيعمل إيه فى المطار، وهو لايكاد يفارق الصحراء – فاستغل وجود (نجيب وحكيم) حيارى من الانتظار، ولايتحدثون العربية فأخذهم كغنيمة وفرصة لرعي الأغنام فى البادية دون مقابل.
تناقض التدين الخليجى
والغريب وهو يركب سيارة نص نقل دفع رباعى ركبهم فى الصندوق بمنتهى الجلافة ولم يسمح لهم بالركوب داخل السيارة، وحين هم بانطلاق السيارة قال بخشوع توكلنا على الله كالحرامى الذى يشرع فى سرقته وهو على يقين أنه فى معية الله.
وهذا يعكس تناقض التدين الخليجى، ليس بغرض الإمساك بالتناقض فى بعده الإنسانى بل بغرض توظيفه كمستند لإدانة مجتمع وبيانه على أنه مقبرة للأحلام، وحين وصلوا إلى قلب الصحراء تم توزيعهم على مناطق الرعى، وتم التعامل معهم على أنهم كالحيوانات.
و(نجيب) وهو يستعطف صاحب العمل المحتال بأن يسمح له بالرحيل ضربه بقسوة، وقطع أوراق رهن بيته بلا رحمة كوسيلة للضغط عليه للاستمرار فى رعى الأغنام دون مقابل.
والملفت أيضا أن العجوز الهندى الذى يعمل لديهم منذ سنوات حتى تحول إلى آلة منزوعة المشاعر، بعد حلب الماعز أعطى الحليب لنجيب ليذهب به الى الكفيل ليشرب منه، وحين ذهب (نجيب) لإيقاظه من نومه كى يعطية الحليب استيقظ وهو يتمتم بأدعية الصباح الدينية، وشرب الحليب كله دفعة واحدة حتى تبللت لحيته.
وهنا إشارة أخرى لنوعية الممارسة الدينية عكس الغلظة والجلافة التى يمارسها، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل أيضا فى أماكن احتجاز المخالفين، تم استباحة الوافدين المخالفين من قبل كفلائهم بالضرب بوحشية داخل مقرات الاحتجاز على نحو همجى ولاآدمى، وهذا إدانة للسلطة التتفيذية ومنظومة الأمن كلها.
حتى صاحب (الرولز رايس)، صحيح ساعد (نجيب) وركبه السيارة بسماحة حين ظهر له وهو يصارع الموت على الأسفلت بصدر رحب، على عكس سائق التريلا الذى نهره ورفض مساعدته بعنف، وتمتم بعدها فى عصبية واستنكار مستهجن بلا لا إله إلا الله. هل هذا هو الفارق بين أخلاق التريلا وأخلاق الرولز رايس؟.
لكن حتى مالك (الرولز) تركه حين وصلوا إلى المدينة، والواجب عليه يقتضى إنسانيا أن ينقله إلى مستشفى، أو يعطيه أى مبلغ نقدى وهو ميسور الحال بزيادة، خاصة والهندى على مشارف الموت.
فقط كل مافعله أن دعا له الله بالوقوف معه، وهذه إشارة ثالثة لخلل الممارسة الدينية على مستوى المجتمع، حسب تصرفه الذى لم يتحمل فيه أي كلفة، رغم مساعدته (الكيوت أوى).
خلو المجتمع من شخص إيجابى
أو يمكن تفسير ذلك على أنه محاولة خايبة من السينارست الذي كتب (حياة الماعز) للتحلي بالإنصاف حتى يقدم نموذج إيجابى حسب تصوره قد تعفيه قليلا من إتهامه بشخصنة قضيتة، بينما حقيقة الأمر لم يقدم مالك (الرولز) سوى شهامة ومروءه منقوصة وفى أقصى حدودها الدنيا، بل أراه نموذج سلبى بأدب وفخامة رجل أعمال.
ليؤكد العمل خلو المجتمع من شخص إيجابى واحد، وأيضا بعد أن تركه مالك (الرولز) والهندى يترنح من شدة الألم، ويحاول أن يسند بإيده على السيارات المصفوفة فيفزع أصحاب السيارات ويصرخوا عليه بالابتعاد خوفا من اتساخ سياراتهم، وهم طبعا يمثلوا تنوع من المجتمع السعودي.
وحسب تصور ورق فيلم (حياة الماعز)، إنه هكذا يعرى سلوك مجتمع، ويفضح ثقافة بترولية فى استعلائها ونرجسيتها وتوحشها إن جاز التعبير.
وما يبين ذلك أنه بعد الأهوال التى صادفها (نجيب محمد) وحين وصل الى حالة لم تعد ساقه تقوى على حمله وجسده يتداعى ظهر الهنود بنى جنسه، وأخذوه عندهم وحلقوا شعر رأسه وذقنه وحموه وقاموا بعلاجه حتى استرد عافيته، وجعلوه يتواصل هاتفيا مع زوجته (ساينو)، وساعدوه على العودة للهند، رغم بؤسهم المعيشي.
ظهر ذلك من خلال مشاهدة حجراتهم المليئة بالأسرة متعددة الطوابق والأثاث الفقير المتواضع، وشكل الغرف التى تعكس مقدار التقشف، وملابسهم رخيصة الثمن، ومع ذلك هم من وقفوا بجانب (نجيب محمد) وقفة إنسانية مكتملة وفعالة فى شهامتها ومروءتها.
وهذا يبين بوضوح الذهنية المنحازة ليس لقيمة بل إلى جنسية وفى مجال فنى لايجوز فيه انحياز، ويتم ذلك فى ظل إنتاج يدفع بسخاء وتمويل غير محدود، وكل العناصر الأخرى متوفرة وبجودة عالية.
وزيادة فى التأكيد فى أن القصة تتخطى كفيل نصاب، حين تم إيقافه فى الشرطة ،ألم يكونوا يعلموا أنه المفروض هارب من كفيله الأصلى بحكم أن كفيلة بلغ عنه ليعفى نفسه من مسئولية ماقد يحدث له، وأكيد علموا بقصة الاحتيال عليه من التحقيق معه، لماذا لم يأخذ حقه ويتم التحقيق مع البدوى المحتال، هنا مجتمع غير منصف.
أنا لا أدافع عن (السعودية) بقدر رؤيتى لعوار الفكرة وترهل الحبكة وسطحية مضمونها، والمبالغة المفرطة فى محنة البطل بدون أى مكسب فنى سوى مزيد من المعاناة.
الفكرة وطريقة بنائها
مايشغلنى هو الفكرة وطريقة بنائها: فالفكرة ذات بعد واحد ضغوط تتزايد بشكل مفتعل ومتكرر وغير مبرر فى قسوته وعنفه، دون أن يكون هناك صراع درامى يفجر أحداث ويملأ مساحات من التنوع البصري.
وتم تصوير المحنة، الضحية فيها معروف وهو (نجيب محمد)، ومصادر العقبات أيضا معروفة، وكل مالديهم هو تصعيب المحنة عليه بنفس تصاعد هذا المسار دون أن يكون هناك خطوط درامية أخرى قادرة على خلق أحداث جديدة.
فقط كل همه هو كيف يبتز المشاهد ويرى دموعه وهى تسيل، حتى أسرته فى الهند أمه وزوجته وابنه المنتظر (نبيل) لانعلم عنهم شيئا، واكتفى ورق (حياة الماعز) بالبطل فقط فى فيلم مدته تقريبا ساعتين وخمسون دقيقة، فسقط الإيقاع وتوغل فى الرتابة والملل.
وأعتقد أنه تم تصوير الفيلم بنفس تكنيك وأسلوب المسلسل الدرامى، أو تم الفيلم والانتهاء منه بدون الاستعانة بمونتير يقص بالسكين.
أو أن المخرج (بينسى) يقول: (cut)، المشاهد أخذت وقت أطول من زمنها السينمائى، ظنا منه أن التأثير سيكون أقوى بفرد مساحة زمنية، كى يتمكن من إدانة البلد مصدر المأساة.
بينما هناك فيلم لتوم هانكس اسمه (صورة ثلاثية الأبعاد للملك) إنتاج عام 2016، يدور فيه العمل حول شركة أمريكية فى البرمجيات ثلاثية الأبعاد، وجاء مندوب الشركة الى السعودية لمقابلة ملك السعودية لعرض برنامج عليه لمدينة يتم التخطيط فى إنشائها داخل الصحراء.
ويتعرض الفيلم ضمنيا إلى سلبيات فى السعودية، بل يمكن أن تراها فى كل بلد عربى، منها مثلا الذى لايقدر قيمة الوقت والكسل فى الإنجاز وعدم الالتزام بالحضور والتسويف فى المواعيد.
وهذا أمر طبيعى ومقبول بل ومهم الاستفادة منه لو أحسنا قراءة الفيلم بهدف تطوير أنفسنا، فهو لم ينشغل بإدانة مجتمع بقدر استعراض الفيلم نقديا للفوارق الحضارية والعلمية بين الشرق والغرب.
بل ووضع يده على أوجه معيقات النهوض والتقدم، وانتهى بقصة حب تم تتويجها بزواج الأمريكى مندوب شركة البرمجيات بالطبيبة السعودية، وكأنه عرس فى توسيع مفهوم الهوية، أو باعتباره اندماج حضاري، وتهجين هوية وضرورة انفتاح.
لكن فى فيلم (حياة الماعز)، البطل سلبى ومستسلم الى قدره فى محيط عنصرى عدوانى، حتى حين اشتدت محنة (نجيب)، وبدأ يرتاب فى صمت الإلاه وتركه دون دعم.
غرام هندى بشحنة للألم
هنا لو كاتب الحوار لديه رؤية على نحو صحيح، كان يمكن أن يغامر ويعكس حالة فنية تختلط فيها الريبة باليقين تكون أكثر عمقا، وتكون قادرة على توليد إحساس ومعنى جديد.
لكنه اكتفى بعبارة وحيدة وسرعان ماترك هذا واستمر فى الضغط عليه مجددا حتى بدا الأمر وكأنه غرام هندى فى رصد شحنة كبيرة للألم والمعاناة كهدف فى حد ذاته، إحترفته السينما الهندية على مدار تاريخها.
وهل هناك أفورة أكثر من أن (الماعز) كانت هى الوحيدة فى السعودية التى تعاطفت معاه، وكأنه يريد أن يقول أن الحيوان لديه إنسانية أكثر من البشر، وهذا يمثل إساءة واضحة لمجتمع بمثابة سوق مفتوح للعمل من بينهم الهنود.
وحتى البطل هنا وهو فى أشد لحظاته إحباط واستحكام انسداد الأمل أمامه، وهو يعثر على جثة العجوز الهندى ملقاة ميتة فى الصحراء والطيور الجارحة تتزاحم على التهام جثته.
لم يحدث أى تطور درامى للبطل، سوى محاولة هروب عصبية هوجاء باءت بالفشل، بعدها زاد من انكساره واستسلامه، حتى لم يحاول البحث عن رفيقه ليجدوا حلا.
صحيح هو فى صحراء لكن السيارات كثيرة التردد على المكان من نقل أعلاف، أو شراء أو بيع الأغنام ولوازم كثيرة أخرى، كان يمكن أن يجد مخرجا، فى إرسال رساله مع سائق لسفارته أو رقم هاتف أهله أو نحو ذلك.
لكنه استعاض عن ذلك بمشاهد (فلاش باك) أكثر من مرة، للتركيز على محنة البطل، مابين حياته السابقة وواقعه الجديد المذرى، وأغلق الورق أى منفذ عليه لإيجاد أى مخارج سوى الهرب من أجل أن يلعب لعبته المهلكة للبطل كما رأيناه. (إبراهيم قادرى) زميلهم الأفريقى ودليلهم فى صحراء الهروب، والجميل أن سيناريو (حياة الماعز) لم يبين من أى بلد فى أفريقيا، واكتفى بكونه إفريقى دون أن يخبرنا بجنسيته، والمفروض بنفس هذا المنطق أن يكون البدوى النصاب بلا جنسية هو الآخر، كى يبتعد الفيلم عن الإستهداف والشخصنة.
بديهيات تأمين رحلة شاقة
المهم أن (إبراهيم) اختار وقت ميعاد الهروب فى يوم عرس كل البدو سيحضروه، وحين غادر البدو المكان للعرس بدأوا فى الهرب، واللى يغيظ ويحرق الدم فعلا أنهم لم يفكروا فى حمل إربة ميه، وهذا من أبجديات وبديهيات تأمين رحلة شاقة وعنيفة والنجاة فيها معجزة.
والذي يغيظ كمان وكمان، بعد أن تحركوا بخطوات قليلة تذكر حكيم أنهم ليس معهم ماء، وحين استدرك ذلك وحاول العودة ليحضر ماء يعينهم على مواصلة هدفهم نهره (إبراهيم) خوفا من أن يكتشف أمره أحد.
فكيف يكتشف أمره والكل غادر توا للإحتفال بالعرس والمكان خالى تماما من أى أحد سواهم، (انتوا كده بتهرجوا أو مستقلين بينا) وكل هذا سيكون بعد قليل قمة المأساة.
وبعد أن توغلوا فى الصحراء تيمموا للصلاة جماعة، فلم يعد أمامهم من أمل سوى الله، وأثناء الصلاة يخرج عليهم طوفان من الثعابين السامة، هل تحالفت السماء مع البدو؟!، أم يفهم ذلك على أنه تعريض بمعتقد دينى تخلى فيه الله عن رحمته وعدله لبشر فى محنة يطلبوا العون والمدد منه وهم يواجهوا مصير مأساوى؟!
ثم جاء موت (حكيم) بعد معاناة مع العطش ليزيد من الضغط على البطل، وبعد موته مباشرة ظهر أمامهم بركة ماء وافرة، وملأ (إبراهيم) زجاجة كانت موجوده بجوار المياه، وبدأوا السير على هدى أثر سيارة لعلهم يجدوا مخرج للحياة.
ثم يموت (إبراهيم) ببساطة مختارا وإمعانا فى ابتزاز المشاهد تاركا لنجيب زجاجة المياه المليانة بنبل غير مبرر وملهش لازمه كمان، لأن (نجيب) كان هو الأقرب للموت، و(إبراهيم) كان هو اللى ماسك نفسه جسديا، لكن الورق اختار ذلك باعتبارها إيثار ورسالة محبة وإشفاق على (نجيب) واستئذان بالرحيل.
لكن كيف وهو يدرك أن (نجيب) قاب قوسين أو أدنى من النهاية، ولايعرف الصحراء ولا كيف يسير، فضلا عن نجيب المكسورة قدمة وجرح وبثور دامية فى أسفل قدمه ويتحرك بصعوبة بالغة.
سيناريو (حياة الماعز) أراد ذلك عن قصد من أجل أن يستفرد بنجيب فى دقائق الذروة وحده، حتى تكتمل المأساة وتعلو أصوات النحيب فى صالة العرض.
فالسيناريو والحوار، هم أسباب ضعف الفيلم وتدنى مستواه الفني، رغم إجادة العناصر الفنية الأخرى، لكنها للأسف تم تبديدها فى معالجة ضعيفة وغير متماسكة، فضلا عن بعدها فى التوجيه.
حتى البطل تم استثمار محنته للتأكيد على عنصرية الخليج ولاآدميته، وحتى هذا اتهام جزافى وجائر وغير مبرر ويكذبه الواقع، فهناك ملايين من كل الجنسيات تعمل هناك واستفادت بشكل مباشر من وجودها هناك، واستمرت لسنوات عديدة هناك بمحض إرادتها.
ولو كان واقعهم فى بلدانهم أفضل لما تركوه ورحلوا، حتى أصبح السفر الى الخليج حلم للخلاص من جحيم أوطانهم، صحيح أن الخليج ليس مجتمع من الملائكة، هو مجتمع إنسانى به الكثير من السلبيات مثل كافة الدول العربية، لكن استفاد منه ملايين الجنسيات الوافدة عليه وأفادوه أيضا وساهموا فى بناؤه بلا أدنى شك.
الخلاصة: فيلم (حياة الماعز) مصروف عليه إنتاجيا واختيارات العناصر الأخرى قدمت مهمتها بمهنية عاليه باستثناء المخرج والمونتير معا، فضلا عن الورق الذى لم يترك أى مساحة للمشاهد كى يؤول، وترك له فقط حرية البكاء!