كتب: محمد حبوشة
يقول الإعلامي (باسم يوسف) المثير للجدل، والذي صنف تصنفيات كثيرة ما بين الجد والهزل :(الحياة مليئة بالصعوبات، ما بين الفشل والنجاح، رحلة صعبة نتعلم خلالها الكثير، مليئة بالتفاصيل المفرحة والصعبة والحزينة، ما بين النجاح والانكسار والإصرار على المحاولة والصدمات والتحديات.
هكذا يأخذنا (باسم يوسف) عبر إعلان تشويقي في رحلته – التي اعتبرها المسئولون عن عودته للبرامج التلفزيونية – الغنية من القاهرة إلى أمريكا من خلال سلسلة وثائقية، يكشف خلالها عن الصعوبات النفسية والمادية والحياتية التي مر بها.
ما كشفه الإعلان التشويقي الذي نشره باسم على على حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، يشير إلى محاولات جديدة من جانب آلة الدعاية الأمريكية، وبالطبع يبدو الغرض مفهوما للجميع: محاولة التشويش على جهود القيادة السياسية المصرية من خلال إسقطات (باسم يوسف) التي لابد أنها ستنال من مصر حاليا!
سيحاول المغرضون في الإعلام الأمريكي أن تبدأ حلقات برنامج (باسم يوسف) بطريقة ناعمة، ثم من خلال الإسقاطات سيظهر أنهم يدسون السم في العسل، وهو ما بدا لنا من خلال الإعلان التشويقي الذي يقول: (باسم يوسف) الكوميديان الذي أضحك الملايين في برنامج (البرنامج)، كيف كان يمر بأصعب اللحظات في حياته.
ولاستدرار عطف الجمهور يقول الإعلان: (كيف أعتقد أن سفره إلى أمريكا هو الباب إلى هوليوود، لكنه اكتشف أنه بعيد كل البعد عن هذا الباب الموصود بالأقفال الحديدية)، ومن باب المزايدة الرخيصة عمد الإعلان إلى قول: (لم يخجل يوسف من الكشف عن فترة انعدام التوازن النفسي الذي حدث له).
ينتهي الإعلان عن برنامج (باسم يوسف) الجديد، إلى أن هناك تفاصيل كثيرة وأسئلة أكثر يجيب عنها (باسم يوسف) في هذه السلسلة الوثائقية التي يقدمها على قناته على موقع الفيديوهات (يوتيوب)، وتلك لعبة مفهومة حيث ستسعى الفضائيات الموالية لأمريكا وإسرائيل إلى سرعة التعاقد معه في إطار اللعبة المعدة سلفا.
نموذجا لبلاهة المتلاعبون بالعقول
كتبت في 25 نوفمبر 2016 في جريدة الأهرام مقالا بعنوان: (باسم يوسف.. نموذجا لبلاهة المتلاعبون بالعقول)!، وكان هذا المقال كاشفا للمتربصين بمصر ومحاولات تعكير صفو الحياة المصرية كلما اشتد عودها في سعي لإجهاض كل محاولات الإصلاح السياسي والاقتصادي.
قلت في هذا المقال: من بين الأساطير الشائعة عن التليفزيون الأمريكي أنه يعمل بوصفه منارة ديمقراطية ثقافية تستجيب كلية لإرادة أغلبية المشاهدين، لذلك تجتذب وسائل الإعلام وعلى رأسها التليفزيون أذكي المواهب؛ لأنها تقدم لهم أعلى الحوافز.
لكن عادة ما ينتهي الأمر بهؤلاء الموهوبين إلى العمل في الإعلانات والتضليل، وأمام الضغط الإعلامي لا يجد الجمهور فسحة للتأمل والتفكير والتحليل، ومن ثم يقدم إليه الوعي جاهزا، ولكنه وعي مبرمج ومعد مسبقا باتجاه واحد مرسوم.
إنه إذن نفس المفهوم القديم في (التلاعب بالعقول) والذي يمارس بدهاء الآن بغطاء من الديمقراطية والحياد والموضوعية، تحت شعار الحرية الإعلامية والسياسية، وهذا تماما ما قدمه كتاب (المتلاعبون بالعقول) من تأليف (هربرت شيللر) أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة كاليفورنيا.
هذا الكتاب نشرته سلسلة (عالم المعرفة) بالكويت عام 1986، ثم أعيد إصداره عام 1999م؛ تقديرا لأهمية الكتاب المتجددة والحاجة مرة أخرى لاستعادته، وعلى الرغم من أن (شيلر) أصدر كتابه عام 1979 – أي قبل 45 عاما من الآن – لكنه حتى اليوم يبدو أكثر أهمية برغم التطورات الإعلامية الكبيرة التي حدثت بعد إصدار الكتاب.
ولكنها تطورات تؤكد مقولة الكتاب وفكرته عن التلاعب بالعقول الذي تمارسه وسائل الإعلام الأمريكية، ومن ثم تمثلت العبقرية المرعبة للنخبة السياسية الأمريكية خلال العقود الثلاثة الماضية وحتى الآن في قدرتها الفائقة على إقناع الشعب بالتصويت ضد أكثر مصالحه أهمية دون حاجة للقمع والاضطهاد.
فيقوم مديرو أجهزة الإعلام في أمريكا بوضع أسس عملية تداول الصور والمعلومات ويشرفون على معالجتها وتنقيحها وإحكام السيطرة عليها، تلك الصور والمعلومات تحدد معتقدات الناس ومواقفهم، بل وتحدد في النهاية سلوكهم.
وواقع الأمر تلك الوسائل من التلاعب بالعقول لاتعني الولايات المتحدة وحدها، بل إنها تعني العالم كله، فالإعلام الأمريكي (كما السياسة الأمريكية) يصوغ مواقف العالم واتجاهاته، والثقافة الأمريكية يجري تصديرها عالميا، وقد أصبحت بالفعل النموذج السائد في العالم.
التضليل الإعلامي أداة أساسية
وأينما يكون التضليل الإعلامي هو الأداة الأساسية للهيمنة تكون الأولوية لتنسيق الوسائل التقنية للتضليل وتنقيحها على الأنشطة الثقافية الأخرى، وعليه تقوم وسائل الإعلام – طبقا لمتغيرات اللعبة الجديدة – باجتذاب أذكي المواهب التي تتوافق مع معتقداتها من الخارج.
ومن هذه المواهب على سبيل المثال (باسم يوسف) الذي قام بدور فعال وحاسم في عملية التضليل في بلاده، لقد وجدوا ضالتهم المنشودة في هذا الشاب المصري الأنيق خاصة أنه في مقتبل العمر، يلبس نفس (البلاك سيوت)، بعيون ملونة، ينطق الإنجليزية بطلاقة، ووضعوه نصب أعينهم من بداية انطلاق برنامجه (البرنامج).
كان (باسم يوسف) يقدم نوعا من (الكوميديا الشعبية السياسية) التي استقاها بالطبع من مثله الأعلى (جون ستيوارت)، مقدم برامج السخرية الأمريكي الشهير، حتى أنه جعل برنامجه على غرار (فورمات ستيورات)، كنوع فريد من الملحمة الشعبية التي تتضمن في طياتها (الدين، السياسة، الأدب، الثقافة، الجنس، المحرمات).
وبالطبع كان يأتي كل ذلك في إطار ما يسمى بشمولية التناول الساحر لطبيعة لإبراز مفاهيم (الخطيئة، الفضائل، العذاب، الثواب والعقاب)، دون التمتع بقدسية طبعا، أي أن الجميع متساوون في هذا الجحيم (الملك والدكتاتور، والرئيس، والممثل ورجل الدين، وحتى الراقصة في تمايلها على دقات طبول الحرية والديمقراطية الجديدة).
وتحت غطاء حماية الملكية الخاصة وحراسة رفاه الفرد وحقوقه تم باستخدام (باسم يوسف) تشييد هيكل كامل من التضليل الإعلامي القائم على البلاهة الناجمة عن عدم إدراك الفروق الجوهرية بين طبيعة المجتمع المصري ونظيره الأمريكي.
فقد أرادت الشركات الاحتكارية العملاقة في المجال الإعلامي تسويقه على أنه مثال نموذجي للجهد الفردي الذي يمكن أن يحقق أهدافا فشل في تحقيقها على شاشات الفضائيات المصري، بعد أن انسلخ منها بطريقة دراماتيكية مخطط لها مسبقا.
وحتى يؤدي التضليل الإعلامي دوره بفعالية أكبر كان ولا بد من إخفاء شواهد وجوده مؤقتا في البداية، انطلاقا من قاعدة أن التضليل يكون ناجحا عندما يشعر المضللون بأن الأشياء هى على ما هى عليه من الوجهة الطبيعية والحتمية، أو بعبارة أخرى: (إن التضليل الإعلامي يقتضي واقعا زائفا هو الإنكار المستمر لوجوده أصلا).
وعلى غرار لعبة التلاعب بالعقول من جانب وسائل الإعلام الأمريكية على اختلافها في الترويج لأسطورة المباحث الفيدرالية بوصفها وكالة لا سياسية عالية الكفاءة لتنفيذ القانون.
ولكن جهاز المباحث استخدم في الواقع في إرهاب وتطويق أي سخط اجتماعي، ومن هنا خططوا لأن يلعب (تلميذ ستيورات نفس اللعبة القذرة) ضد وطنه مصر في محاولاته التشكيك والوقيعة مع الجيش المصري.
عندما وقع (باسم) في المحظور
من ناحيته اعتمد (باسم يوسف) في أسلوبه على ترميز قد لايمكن الإحاطة بمجمله دون قراءة متأنية لما وراء هذه الأسطر الموردة في تغريداته على (تويتر)، ومشاركاته على الفيس بوك مستخدما لغة الشارع، مغلفة بالكوميديا بدلا من استخدام لغة سياسية مباشرة تكشف هويته.
لكن تعرضه لكتاب وصحفيين وإعلاميين بعينهم ربما أوقعه في المحظور مبكرا، حتى جاءت سخرية (باسم يوسف) – التي لاتنسى – من أزمة ألبان الأطفال وتدخل الجيش لحلها بمثابة القشة التي قصمت ظهره، بعدما أثارت غضب رواد موقع (تويتر) الذين دشنوا هاشتاج (جيشنا يسير وباسم يوسف يعوي)، فالجيوش كما تؤمن الجماهير هى شرف الأمم.
قد تختلف مع نظام أو فرد أو جماعة، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تختلف على جيش بلادك الذي يحميك، نعم هنا نتوقف ونتدبر الأمر، فمن غير المقبول أن تسلط سهامك نحو جيش وطنك لأنه يقوم بدوره المجتمعي.
الجيش – بطبيعة تكوينه وعقيدة الراسخة منذ فجر التاريخ – ينحاز للفقراء والبسطاء على هذا التراب المقدس، لكنك غضبت فسخرت لمجرد أنك أصبحت خارج دائرة الضوء، فتحولت سخريتك من كل وضع خاطئ في السابق من محط إعجاب الملايين الى محط احتقار نفس ذات الملايين الذين يراقبون عن كثب تحركاتك المريبة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن: هل يعود (باسم يوسف) كي يستغل ظروف مصر الاقتصادية الضاغطة للضرب بدم بارد جيشا هو فخر بلادك، في وقت يرى فيه أبناء البلد بعيون شاخصة أن كل ضابط وجندي في هذا الجيش يقف برجولة وثبات في مواجهة إرهاب أعمى، صابرا محتسبا عند الله.
بل إنه في انتظار الشهادة في أي لحظة ليذود عن مصر كل شر، وأنت تسخر كالأرجوز على شواطئ ومقاه وشاشات أوروبا وأمريكا، حتى جلبت لك سخريتك مرارة فقدان الأرض والعرض والوطن.
والآن لم يعد حديثا ذا شجون من قبل هؤلاء الذين يتشدقون بأن (باسم يوسف) موهبة يصعب تصنيفها تحت أي بند أكاديمي، أو حتى كما يصفه البعض بالإعلامي الساخر، بل كثر التندر عن طبيب ترك دراسته الأكاديمية في علوم الطب لينخرط في السخرية الضالة حتى أخمص قدميه.
ظني أن (باسم يوسف) وقع في براثن خطيئة اللسان ليكشف ما فى داخل نفسه من شرور، وما فى قلبه من عواطف مزيفة تجاه الوطن، فضلا عما يدور في خلده من أفكار فاسدة أوصلته ببلاهة إلى حافة الخيانة لبلاده وتعرضه للطرد ممن جعلوه نموذجا للتلاعب بالعقول في لعبة الإعلام الأمريكي!