بقلم الإعلامي: أسامة كامل
بدعوة كريمة من الأستاذ والفنان والمخرج الكبير (عصام السيد)، وحضور ضيف الشرف الفنان التشكيلي الكبير حسين نوح، شاهدنا الأوبرا الشعبية الرائعة (مش روميو وجوليت).
وهى عبارة عن عمل مسرحي مثير وكبير بتمصير كلمات الشاعر الكبير (أمين حداد) وبطولة الفنان الكبير (علي الحجار) الذي لم ينال حقه وما يستحق من تقدير، والحقيقة
أن علي الحجار أضاع وقتا طويلا جدا وربما اضاع أيضا هذه الموهبة النادرة.
المهم استطاع المخرج الكبير (عصام السيد) أن يقدم (مش روميو وجوليت) كعمل أقرب إلى الأوبرا أو الأوبريت – لست متخصصا – لكن الفنان الكبير حسين نوح الفنان الشامل، همس لي قائلا: أوبرا (مش روميو وجوليت) رغم الامكانات المحدودة واختفاء الإعلام الرسمي والخاص: (ما هذا الإبداع، وهذا الاستعراض).
ألمح مجموعة محدودة من شباب مصر المختلف، ولقد شاهدت بعضهم يركب الميكروباص بعد انتهاء العرض؟!.. هذا النظام والحركة المحسوبة والديكور العبقري والموسيقى النابضة والبنيان الدرامي النادر في (مش روميو وجوليت) أسرني وجلب متعة في تلك الليلة.
لقد قضينا ما يقرب من ساعتين نحلق في عالم من السحر والخيال والراحة والشوق والإعجاب والمتعة التي لا تقارن.
كان المسرح مليئا بالكامل وشباك التذاكر طوابير وزحام شديد طبعا أسعار تذاكر ضئيلة للغاية، وإعلانات نادرة نظرا لقرار وزير المالية السابق (معيط) المعيب بمنع الصرف علي إعلانات المسرح، وهو قرار (معيط وعبيط)، لكي يظهر أمام أولياء الأمور أنه حريص على أموال الدولة رغم الإسراف البشع في وزارته نفسه.
فالمواطن البسيط لابد أن لاحظ كم السيارات الفاخرة و أعداد المستشارين المساعدين والسكرتارية الذين يتقاضون نصف ميزانية الوزارة نفسها.
لقد فعل هذا الرجل كل المساوئ من أجل أن يرضي عليه رؤسائه وأذاق الشعب الحنضل، ولم يعدم وسيلة لفرض الضرائب حتى على النفس والهواء ويتباهي أنه جمع ضرائب لم يحصده أحد غيره في تاريخ مصر.
ولم ينل غير جزاء (سنمار) ورحل ملعونا مجزوما مكروها وسط ارتياح شعبي عام ليكون درسا من دروس التاريخ.
أوبريت يمثل الفن المصري
أعجز أن أصف لكم أجواء مسرحية أو أوبريت (مش روميو وجوليت) الأعجوبة التي أتمني أن تمثل الفن المصري في كل دول العالم ، لذا أدعو صحفي مصر الشرفاء ومثقفي مصر وشباب مصر إلى مشاهدة فن مصري نظيف، والترويج له رغم أنف معيط وقراره المعيب.
في الواقع إن ما قدمه (عصام السيد) والجوقة التي شاركت في أوبريت (مش روميو وجوليت) ليس عملا كبيرا فحسب، بل إنه معجزة في ظل ظروف المسرح الحالية التي تعاني ضعف الإمكانات وعدم التسويق.
لابد لي من الحديث عن النجمة الكبيرة (رانيا فريد شوقي) وحش المسرح، التي تتمتع بإمكانات مهولة وكاريزما خاصة، حيث كانت تجوب المسرح برشاقة وخفة كأنها فراشة تحلق في سماء الفن، وكذلك (ميدو عادل) الذي لو رآه يوسف شاهين لأصبح نجما عالميا.
اعتذر عن ذكر بقية الأسماء، لعدم وجود إعلانات ولا أفيش لائق، ولا حتى إعلان بالصفحة الثانية بالأهرام مثلا، لذا أدعو وزير الثقافة بل الحكومة المصرية بكاملها أن يشاهدوا عرض (مش روميو وجوليت)، لعل الله يفتح عليكم وتعرفوا قيمة مصر والفن المصري الذي كاد أن يرحل من مصر.
نعم أنبه الحكومة المصرية، أن (مش روميو وجوليت) تمثل الفن المصري رغم أنها مقتبسة من روح أعمال شكسبير نفسه، لكنه تم تمصيرها لتتناول قضية الوحدة الوطنية التي شغلت بال المصريين أعوام طويلة بلا مناسبة ولا لزمة، وكذلك مقوامة الشائعات والتدخل في شئون الغير.
معلوم أنه كادت قضية الوحدة الوطنية أن تجرح النسيج الاجتماعي والوطني والعلاقة بين أبناء الوطن الواحد وظهور التيار الرجعي المتطرف المتعصب الجاهل أصحاب الهوس الديني الذي تعاني منه مصر حتي اليوم.
رغم أن الذي صدره لمصر تبرأ منه وقضى عليه قضاءا مبرما، بل علي العكس أصبح يستقطب فن مصر ومسرح مصر وسينما مصر ونجوم مصر، وبحوافز خضراء وحمراء، بل ومنحهم الجنسية والفيلات والقصور والسيارات الفاخرة.
بل إن بعضهم نقل أعماله وفنه إلى خارج مصر وسط صمت حكومي غريب، ولعل شيئا من هذا حدث في أحد العصور العثمانية، وتم نقل الحرفيين والعمالة المصرية الماهرة الي الأستانة، واليوم نتعرض لعوامل تعرية غريبة!
أعاد (عصام السيد) البهجة
ما أريد قوله أن (عصام السيد) أعاد بعرضه الفاتن (مش روميو وجوليت) لنا بعض النفس والفكر والرؤية التي تمكننا من القدرة على احتمال أيامنا الصعبة، على جناح الغناء الجميل والبهجة التي ظلت وستظل تسكن نفوسنا طويلا.
لقد شاهدت الناس تلمع عيونهم، بل رأيت دموع بعض الكبار، فقد أعادت المسرحية ذكريات الصبا والشباب في (شبرا) أحد أحياء مصر الأصيلة، التي كان أبنائها يفتخرون أنهم من شبرا، كما يحدث اليوم من سكان التجمع و زايد والمدن الجديدة الجميلة.
ولكن تظل القاهرة القديمة تملك العبق والسحر والخيال رغم الزحف غير المقدس وعوامل الهجرة الداخلية وفرض أخلاق وقوانين الأغراب المتخلفة، وهذا يجعلنا في حاجة إلى إعادة الترتيب قبل البناء بحسب أوبريت (مش روميو وجوليت) الذي عكس جمال وروعة شبرا وداليدا والكنائس والمساجد العتيقة.
إن قصة (مش روميو وجوليت) تدور في أحد المدارس المختلطة وحسنا فعّل المؤلف و المخرج، إنها تركيبة تسر شكسبير نفسه، فضلا عن إصرارهما على وجود ممثلين عن المجتمع حاضرين مسلمين ومسيحيين أي أقباط مصر.
قصص الحب المستحيلة
في (مش رميو وجوليت)، تبدو قصص الحب مستحيلة، لكنها لم تمنع صداقات بريئة ومنافسة حامية بين الشباب الطبيعي المصري الأصيل البريء، و بعض من الدخلاء الأغراب يرتدون أثوابا سوداء مغلقة رمزا للحجاب والنقاب الذي انتشر في كل مصر كالكابوس.
المهم ما شدني في (مش روميو وجوليت) تلك المجاميع من البنات والشباب والحركات المستقيمة السليمة والمنضبطة، وقدرة المخرج علي قيادتهم في سهولة ويسر، رغم خطورة بعض الحركات كالمبارزة بالسيوف والرقص بالكراسي والمعارك البسيطة المعبرة عن الصراع الدرامي.
أيضا تبدو حركة الإضاءة الذكية والمناسبة والسريعة والمتغيرة لها تأثيرها ورونقها في مسرح قديم فخم وله تاريخ طويل، هذا يتوافق مع انسجام الصوت مع الأحداث، ولعل الديكورات والخلفيات والصور المعبرة والمتغيرة في سهولة ويسر مع الموسيقى التصويرية وألحان الأغاني البسيطة والعميقة.
وعندي ملاحظة مهمة في النهاية: رغم استعراض (علي الحجار) بطبقات صوته العريضة المؤثرة، لكن كل أفراد المسرح شاركوا في العرض بأصواتهم بدون عناء ولا مشقة، وكأنهم مطربون محترفون.
وختاما: أقول إن قصة أوبريت (مش روميو وجوليت) لها بداية ونهاية وموضوع منطقي فيها يتحدث عن الخير والشر، وأهم ما فيها مصر وشعب مصر، بل حتى سلبيات المصريين.. أرجو أن تشاهدوا هذا العرض ولن تندموا.