بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
تم تأجيل الأمسية التي كانت ستحتفى بمسيرة الفنان الراحل (عزت العلايلى) إلى ما بعد شهر رمضان – برغم أنها كانت جاهزة للعرض – وللأسف توالت عدة وفيات لفنانين آخرين أثناء تلك الفترة.
منهم الفنان الكبير سمير غانم، والفنان الكبير سمير صبرى، فصارحنى الصديق (إيهاب فهمي) مدير المسرح القومى بأن هناك احتفالا آخر سيقام لكل هؤلاء، ففهمت من حديثه أنه لن يتم تقديم العرض الذى بذلت فيه جهدا كبيرا أنا والشاعر الصديق محمد بهجت.
فطلبت منه الاعتذار للفنانين الذين شاركونى الجهد بداية من الفنان والإنسان الجميل (سامح حسين) إلى مهندس الديكور ومعد المادة الفيلمية والمعد الموسيقى، وأثناء الحديث سألنى (إيهاب فهمي): هل يُبقي على مسرحية (أهلا يا بكوات) في خطة المسرح القومس؟
رفضت ذلك رفضا تاما ، فلم أتخيل – مجرد تخيل – أن تتم إعادة المسرحية بنجم آخر غير (عزت العلايلي)، ولم تكن لدى القدرة على احتمال ذلك نفسيا، فتلك كانت رغبته الفنية الأخيرة، أن يعيد تقديم العرض الذى كان يعشقه لدرجة تكرار مقاطع منه – إلى نهاية حياته – يستشهد بها على أحداث جارية.
فقال لى (إيهاب فهمي): إذن نعود الى مشروع (هاملت)، وسوف تبدأ البروفات فور افتتاح العرض الذى يتم الإعداد له حاليا، والذى بدأت بروفاته مع بروفات (البكوات) – بدون (عزت العلايلي) – منذ عدة شهور، فطلبت منه إجراء بعض التغييرات في طاقم العمل الخاص بمسرحية هملت، فأرجأ الأمر لمدة أسبوع لمعالجة أثر تلك التغييرات.
وفي محاولة من (إيهاب فهمي) – على ما أظن – لتعويضى عن جهدى الضائع صارحنى بأن لديه مشروع لتصوير المسرحيات التي قدمها المسرح القومي، ولم يتم تسجيلها للتليفزيون، و أطلعنى على مساعيه والشركات التي يتفاوض معها، وأكد لى أن المشروع على وشك التنفيذ.
(البكوات) بدون عزت العلايلي
وسألنى عن مسرحياتى التي لم تصور، فرشحت له على الفور مسرحية (في بيتنا شبح) التي كتبها الراحل لينين الرملى عام 2005، وأنتجها المسرح القومى عام 2012 لتقدم على مسرح ميامى – اثناء فترة تجديد مبنى مسرح جورج أبيض – وقام ببطولتها الصديق (ماجد الكدوانى، وأشرف عبد الغفور، وسامى مغاوري، وبيومى فؤاد).
وبرغم أن المسرحية كتبت قبل ثورة يناير إلا أن الجميع تصور أنها إسقاط مباشر على الثورة، و نجحت نجاحا كبيرا في اجتذاب الجمهور حتى وسط الأحداث الساخنة في ذلك العام، والمظاهرات التي كثيرا ما اقتربت من المسرح أثناء العرض، فهو على بعد أمتار من ميدان التحرير، ومع ذلك كان المسرح يمتلئ يوميا بالمشاهدين.
على الفور تم تقدير تكلفة إعادة العرض فاكتشفنا أنها ضئيلة، فالديكور مازال موجودا بالمخازن وكذلك الموسيقى لم تسقط حقوق ملكيتها للمسرح، فاتفق معى (إيهاب فهمي) على تحضير بدائل لمن يعتذر أو يتعذر عليه إعادة العرض، على أن يتم تقديمه لمدة 15 يوم فقط كى يتم تسجيله للتليفزيون.
بعد مرور شهور طويلة تقترب من العام تم افتتاح تلك المسرحية الذى كان من المفترض ان يتلوها عرض (البكوات) – بدون (عزت العلايلي) – وانتظرت من (إيهاب فهمي) استدعائى للعودة لبروفات (هاملت) أو في (بيتنا شبح).
ولكنى علمت بمحض الصدفة أنه بصدد الاعداد لعرض ثان، وأن هناك عرض ثالث يلوح في أفق المسرح القومى، وتم وضع (هاملت) و(في بيتنا شبح) في ثلاجة الموتى.
فقررت الابتعاد والصمت التام، فلست ممن يفرضون أنفسهم ويصارعون على الفرص فلقد آمنت حقا – بعد تجارب عديدة – بأن ما هو لك لن يأخذه غيرك، وأن الله يمنع عنك كى يمنحك ما هو أفضل، صحيح أن الانسان ينسى ذلك أحيانا، ولكنى أحاول ان أذكّر به نفسى دائما.
كل تلك الرحلة من الإحباطات كانت في ذهنى وأنا أجلس مع الصديقين (إسماعيل مختار، وإيهاب فهمي) للاتفاق على تقديم عرض (يا عزيز عينى)، ولكن بشكل متطور عما قدمته في افتتاح المهرجان القومى للمسرح المصرى.
ولذا طلبت منهما التعاقد معى قبل أن أشرع في إعادة كتابة النص مع الشاعر الموهوب (مصطفى إبراهيم)، تأكيدا على التزام المسرح القومي بتقديم العرض حتى لا أبذل جهدا يذهب أدراج الرياح.
خاصة وانه ليس جهدى وحدى بل هناك جهد لمبدعين آخرين يعملون معى، ولا أحب أن أتسبب في تضييع وقتهم وجهدهم، وعندما وضع (إيهاب) مسرحية (يا عزيز عيني) بعد عرضين ينوى إنتاجهما لم أعترض أو أطالب بتقديمى عنهما فتلك هى خطته وهو حر في ترتيب أولوياته.
لم أشأ اللجوء للشكوى
ولم أشأ اللجوء للشكوى أو الاتصال بالدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، التي طلبت بنفسها إعادة العرض، فلم أعتد تلك الوسائل، كما أننى فضلت الاحتفاظ بصداقتى الطويلة مع (إيهاب) بعيدا عن العمل .
بعد أيام قلائل توجهت إلى مكتب الدكتور مجدى صابر رئيس دار الأوبرا، بناء على موعد مسبق لمناقشة طلبه بتقديم عمل من إنتاج الأوبرا.
والحق يقال أنه مشكورا أحسن استقبالى إنسانيا وفنيا، فعند وصولى الى مكتبه أبلغت أحد أفراد السكرتارية بوجود موعد مع الدكتور مجدى، فطلب منى الانتظار.
وعندما طال هذا الانتظار أرسلت للدكتور رسالة على هاتفه بأننى خارج مكتبه من فترة طويلة حسب الموعد، فإذا به يخرج بنفسه على الفور ليرحب بى ويعتذر عن عدم علمه بوصولي.
وعندما جلسنا لنتحدث كان صريحا معى بأنه لا يفضل إعادة انتاج عرض (عزيز عيد)، بل يريد عرضا جديدا تقدمه فرق الأوبرا، ومضينا في نقاش حول طبيعة ونوعية العمل الذى يفضله، هل نلجأ الى أحدى الأوبريتات القديمة ونعيد تقديمها في صورة معاصرة؟ أم نقدم عملا جديدا تماما؟
وبما أن حلم (الأوبرا الشعبية) كان يداعب خيالى، فلقد قررت أن أخوض التجربة، خاصة أنه ليس هناك أفضل من دار الأوبرا لاحتضانها، وعرضت على (الدكتور مجدى) فكرتى عن تقديم أوبرا شعبية فوافق عليها على الفور. فأمهلته أياما قليلة لتقديم مشروع متكامل.
خلال أيام كان المشروع على مكتب الدكتور مجدى صابر، فخلال بحثى عن موضوع يصلح تقديمه كعمل موسيقى استعراضى وجدت بين أوراقى فكرة كنت قد دونتها في عام 2014 متأثرا ببعض الحوادث التي جرت في تلك السنوات.
ففي عام 2004 تظاهر مجموعة من الشباب المسيحى أمام الكاتدرائية اعتراضا على اختفاء زوجة أحد الكهنة والتي قيل أنها اسلمت، و تصاعد الموقف مع الأمن الذى حاول فض المظاهرة حتى اضطر (البابا شنودة) للاعتكاف ردا على تصرفات الأمن.
الإفراج عن (الأخوات المؤمنات)
ثم تكرر الأمر في 2010 بتفاصيل مشابهة، و بعد ثورة يناير حاصرت بعض القوى المتأسلمة إحدى الكنائس زعما بأنها اختطفت فتاة مسيحية أسلمت، ومضت تلك القوى في محاصرة الكنيسة مطالبة بالافراج عنها.
وصار هناك ما يشبه التنظيم للإفراج عن (الأخوات المؤمنات) المختطفات داخل الكنائس ، فأوحت لى تلك الأحداث بتقديم مسرحية (روميو وجولييت) التي فرقت بينهما عداوة قديمة بين عائلتهما بشكل عصرى ومصري بان يكونا مختلفا الديانة!
ولكن أن تكون (جولييت) مسيحية و(روميو) مسلم فذلك يخلق مشكلة عند طرف واحد، أما إذا كان العكس فتلك مصيبة كبرى عند الطرفين .
و بما أن لا أحد يدرى على وجه اليقين ماذا يحدث في عملية الإبداع، ولا كيف تتطور الأفكار داخل العقل البشري، وصلت فكرة تقديم (روميو وجولييت) إلى شيئ آخر يختلف تماما عن القصة الأصلية، وصار لها هدف آخر.
ربما لأننى تخيلت لو أن الأمر مجرد شائعة عن فتاة مسلمة تحب شابا مسيحيا، ألا يمكن أن تحرق تلك الشائعة بلدا بأكمله؟
وبدأت العمل على الفكرة، ولتلك قصة أخرى…