بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
لم ينتبه دارسي (المسرح) إلى الاكتشافات التي وصلت إلينا عن (المسرح) القديم، من أن النشأة الحقيقة لفنون العرض والأداء المسرحية، كانت في مصر القديمة، وقدموا مجموعة من الآراء بين مؤيد ومعارض لفكرة (المسرح) المصري القديم.
ولكن ما وصلنا من برديات نصية به من البراهين، ما يؤكد ذلك، و(نتخب) شخصية ظهرت في (المسرح) المصري القديم لم يتم تسليط الضوء عليها من قبل.
فالاهتمام المنصب على شخصيات المسرح (أوزيريس.. وست.. وحورس.. وإيزيس)، يعتبرونها جزء من أسطورة إيزيس وأوزيريس، ولكن ظهر أن النصوص المكتوبة عن إيزيس وأوزيريس، والتي يطلق عليها أسطورة، تختلف كل الاختلاف عن النصوص المسرحية المصرية القديمة.
فما سطر عنهم كان تعريف بهم، أما ظهورهم كشخصيات تمثيلية في نص مسرحي، فهذا موضوع آخر، ومختلف تماما، وهذا ما نسلط الضوء عليه من خلال شخصية (تحوت)، بين ما كتب عنها في البرديات التعريفية به، وبين ظهوره في النصوص المسرحية.
ونبدأ بما كتب عن تحوت في البرديات المصرية القديمة، ونتعرف من هو:
(إنه القائم بحساب السنوات، ومرتبط بالتوقيت الزمني، فنسب له إنشاء التقويم 360 يوم في السنة، ورب بيت الحياة وإله الزمن، فهو شخصية ترتبط بالحكمة، وتنظيم الأحداث والزمن، والتنجيم.
وفق الأساطير المصرية هو مخترع الكتابة الهيروغليفية، ويجسد الطب والسحر، والكتابة، وهو راعي الكتبة، وهذا ما وصلنا عن تحوت في الأساطير المكتوبة.
تحوت راعي الزمن والطب
أما في النصوص المسرحية المصرية، فهو يظهر في مجموعة من المسرحيات كشخصية تمثيلية، ولكن ظهوره يكون من خلال ما ذكرته لنا الأساطير عنه طبقا لوظيفيته ونسوق بعض الأمثلة عن ذلك:
تحوت راعي الزمن والطب.. مسرحية (إيزيس لدغ حورس).
(وتطلق إيزيس صوتها نحو السماء وصيحاتها نحو زورق السنين الملايين صارخة ، فيثبت القرص لا يتزحزح من مكانه ويهل تحوتي مزودا بالسحر والتنظيم الأعظم الذى يحقق الفوز، ويستجيب تحوتي لصرخاتها).
(تحوتي): ما وراءك يا إيزيس، يأيتها الإلهة المجيدة التي تنطق بالحكمة، هل ثمة مكروه وقع لابنك (حور) الذى هو في حماية زورق الشمس، لقد هبطت اليوم من الحرم الإلهي، ولسوف يقف القرص مكانه بالأمس، وليحتجبن النور وليكونن يومنا ليلا إلى أن يبرأ حور وينهض إلى أمه سالما (إيزيس).
وهذا المشهد دالا على شخصية (تحوت) وارتباطه بالزمن، والطب والسحر، ويخبرها بأنه هبط لمساعدتها في علاج ابنها، فسوف يقف القرص (علامة على الزمن)، ويقف الزمن مكانه بالأمس (أي يتوقف الزمن مكانه، متراجعا، لحين يبرأ حور).
ويستمر المشهد ويوضح قدرات (تحوت) الطبية، ويقول:
تحوتي: لا تخشى شيئا بعد أيتها الإلهة إيزيس، لا تخشى شيئا وأنت يا (نفتيس) كفي عن النحيب، لقد جئت بنسمات الحياة كي أعيد الطفل إلى أمه سليما معافى، يا حور.. يا حور ليثبتن قلبك فلا يزعزعه اليأس بجرح أصابه.
فحور في حماية من يكمن في قرصه ومن يضئ الأرض بعينه.. قم يا (حور) فقد رددت إليك منعتك، وها هو ذا (راع) يبطل، وها هو ذا لسان الإله العظيم ينزعك، أخرج إلى الأرض أيها السم، وستطمئن القلوب حين ينبثق نور القرص.
إني أنا (تحوتي) الابن الأكبر لرع رسول (آتوم) أبى الآلهة فليبرأ (حور) من أجل أمه إيزيس، ألا فلتعودوا إلى دياركم، فقد عاد (حور) إلى أمه سالما.
وفي هذه المسرحية ظهر تحوت (شخصية تمثيلية) في (المسرح)، طبق وظائفه في الأسطورة التي تتحدث عنه، فالمؤلف المصري والجمهور يعلمون من هو (تحوت).
مسرحية (انتصار حورس)
ونسوق مثال آخر من مسرحية (انتصار حورس):
يدل على ارتباط (تحوت) بالزمن في النص المسرحي
تحوت: يوم سعيد في هذا اليوم الذي ينقسم بالدقائق..
ما أسعد هذا اليوم الذي ينقسم بالساعات.
ما أسعد هذا الشهر الذي ينقسم بعيد الخامس عشر!
ما أسعد هذا العام الذي ينقسم بالشهور!
ما أسعد هذا الدهر الذي تقدر سنواته!
ما أسعد في هذه الأبدية!
كم هو لطيف أن يأتوا إليك كل عام!
وفي هذا الحوار يظهر (تحوت) وهو يقسم الزمن (فهو منشئ التقويم 360 يوم في السنة، ويظهر في هذه المسرحية، يتحدث عن يوم الخامس عشر، وهو يوم انتصار (حور)، وأنه يوم سعيد ويقسم اليوم إلي دقائق وساعات، والعام إلى شهور.. إلخ).
ويظهر (تحوت) الكاتب الذي يحمل رسالة (إيزيس) إلي الإله الأعظم (الخفي ليخبر عن غزو الفرس لمصر.. وما فعلوه بها).
تحوت: لقد ارتكب الجرم، وعاد إلى الشر..
وأيقظ الفتن من جديد..
وألقى بالكوارث في الهيكل الأكبر لمنف.
وأشاع التمرد في منف..
لقد نفذ إلى السرابيوم في منف..
وأنزل الكارثة بمعبد أويت..
لقد قطع شجرة ساؤزيس المقدسة..
واصطاد سمك البحيرة الكبرى..
اقتنص الحيوانات وألقى الشباك على الطير..
في معبد ذلك الذي يسود الدور..
مشى بخطى واسعة فى حت – وعرت..
وتردد صدى صوته فى مجلس التاسوع الإلهي..
أثار الحرب وأشاع الفتنة..
عند آلهة منسوت..
وعاد يرتكب إثما كبيرا..
على شواطئ تيس..
وحمل الشجرة المقدسة لسايس مدينة الإلهة نيت..
وأفسد حلى المعبد..
وأثار الفتن في الجبانة
وحث على القتل في مدينة خري محا..
لقد أدخل ما يبغضه آتوم..
في معبد التاسوع الإلهي..
أثار الحرب وبث الفتن..
في معبد آمون الأكبر فى الجبانة..
لقد عمد إلى الحرب وخلق المنازعات..
في معبد روح الشرق..
قصد صفط الحنة وعبر إقليم شنن..
وخرب شجرة النبق المقدسة التي تمثل خضرتها رخاء البلاد..
(تحوت) في الأسطورة المصرية
ومن التعريف بشخصية (تحوت) في الأسطورة المصرية، نلاحظ أن بداية ظهور الكتابة المسرحية، كانت في مصر القديمة، فداخل البرديات التي في المعبد يذكرون (تحوت) بمخترع التقويم والكتابة إلخ.
وداخل النصوص المسرحية يظهر كشخصية تمثيلية تدل على وظائفة في الأسطورة، وهذا دال على وجود النص المسرحي في مصر.
أما مستوي العروض الأدائية فكان لتحوت قناع يظهر به الممثل دالا عليه، وهو وجه أبو منجل، و لون القناع الأخضر، وغطاء رأس على شكل قرص القمر يجلس على هلال يرتكز على رأسه، ويظهر ممسكا بورقة بردي وقلم، دالا على التقويم السنوي الذي وضعه واختراعه للكتابة الهيروغليفية.
ومن تلك الشخصية البعيد عن الشخصيات المعروفة (أوزيريس.. ست.. إيزيس.. إلخ ).
نلاحظ أن (المسرح) المصري القديم، به عدة شخصيات أخرى، وتظهر وفق المعتقد الخاص بها في مصر القديمة، ومما سبق تكون مصر من الدول المؤسسة لفن (المسرح) في العالم على مستوى النص والعرض المسرحي.