بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
إذا نظرنا في شخصيات (المسرح) المصري القديم، نجد أنها ذات كيان وجداني في الحياة ، فكان المؤلف المسرحي المصري يهتم بالموضوع التمثيلي وفق مفهوم فن التمثيل، فالشخصية التمثيلية تظهر من خلال (حواسها، ذهنها، مشاعرها) بعكس الشخصية في التراجيديا.
إذ إن التراجيديا في (المسرح) لا تهتم بالشخصية، وهذا من قول المنظر الأول وواضع القواعد (أرسطو)، فهو يتحدث عن الحبكة وبنائها ويعتبرها أهم جزء، لأن التراجيديا تحاكي الأفعال ولا تحاكي الشخصية، ولا توجد تراجيديا بلا فعل.
ولكن يمكن أن توجد تراجيديا بلا شخصية، وعلى هذا يتم تأليف المسرحية التراجيدية، فعلي سبيل المثال (أوديب) مجرد اسم لصاحب الفعل، والفعل في حد ذاته هو ما تحاكيه التراجيديا ، ولهذا لم يكن لفن الأداء التمثيلي وجود، داخل (المسرح) اليوناني.
بل من يقوم بإلقاء الحوار عن الفعل الأوديبي، هو المجاوب، وهو غير مطالب بحركة أو إيماءة أو إشارة، وهو غير مطالب بدراسة شخصية (أوديب) ليمثله من حيث أبعادها (المادية.. الاجتماعية.. النفسية).
فالعمل ليس تمثيليا ، بمفاهيم فن التمثيل، بل العمل مغلف بمفاهيم الطقس الديني، والذي يعني أن أفعال الشخص، هى المسئولة عن شقائه أو سعادته، ولهذا كان المجاوب يرتدي قناعا يعبر عن حالة الفعل الذي فعلته الشخصية.
ولم يكن يعبر تعبير تمثيلي بالجسد، بل كان يعتمد على الإلقاء الشعري، الذي يدربه عليه المؤلف التراجيدي، فلم يكن أداء المجاوب تمثيليا، كما نفعل اليوم على خشبات (المسرح).
(المسرح) المصري القديم
ولهذا أهتم (أرسطو) بفن الشعر فقط، وأسقط المرئيات المسرحية، فهو لم يكن يتحدث عن فن المسرح بمعني العرض والأداء، بل نظريته في الطبيعية حاول أن يطبقها على النص الشعري فقط .
بينما في (المسرح) المصري القديم، فالأمر يختلف تماما، لأن المسرحي المصري القديم، لم يكن يحاكي، بل كان يمثل، فقد اعتمد الفنان المسرحي المصري القديم ،على فن التمثيل، في صورة العرض والأداء، معتمدا على فن التمثيل، في تصوير الزمان والمكان، والشخصيات.
ولهذا ظهرت الشخصية في (المسرح) المصري القديم بأبعادها (المادية، والاجتماعية، والنفسية، والجمالية) في الزمان والمكان، من خلال الأسس الخاصة بفن التمثيل، فهذه الأسس هى التي تصنع العلاقة الجمالية بين العرض المسرحي والجمهور.
ونسوق بعض الأمثلة من هذه الأسس، وتطبيقها داخل (المسرح) المصري القديم، وننوه بأن هذه الأسس مستنبطة من الدلالات الخاصة بكلمة تمثيل، فمن معاني التمثيل، الوصف، وهو أول الأسس التي نتحدث عنها.
والمقصود بالوصف القدرة على وصف المكان والزمان، والشخصية الممثلة في بعدها المادي (أي الصورة الجسدية للشخصية)، ونجد تطبيقها في (المسرح) المصري من خلال شخصية حورس، فوصف نفسه للجمهور المشاهد، في مسرحية (انتصار حورس).
حورس: وأنا شاب طولي ثماني أذرع.
وهذا الوصف تذكرة للجمهور بأن شخصيات الزمن السحيق كانوا عمالقة، كما تم وصف الزمان بأنه الزمن القديم السحيق، أما المكان فهو منطقة خميس، وهي منطقة الأحراش والمستنقعات، وكان يصنع حديقة وبحيرة لكي يتم فيها تمثيل المشهد.
ومن معاني التمثيل النقل، وهو من أهم أسس فن التمثيل: والمقصود به نقل الأقوال عن الأشخاص بنفس الطريقة التي قالوا بها أقوالهم، وهو خاص بالبعد النفسي للشخصية الممثلة.
العواطف النفسية للشخصية
فكل جملة تقولها الشخصية تعبر عن شيء في نفسيتها، وتقال بنفس الطريقة التي بداخل نفسية الشخصية، ونجد تطبيق هذا المعنى في (المسرح) المصري القديم: من خلال شخوصه، ونأخذ مثال شخصية إيزيس: مسرحية )انتصار حورس).
إيزيس: والحوامل من فرس النهر لا يلدن
ولم تحمل واحدة من إناثهم
عندما يسمعون صوت رمح الخاص بك
وصفير نصلك ، مثل الرعد في شرق السماء
كالطبل في يد طفل.
ونلاحظ العواطف النفسية لتلك الشخصية، عندما صارع حورس ست، وافتخار الأم بابنها الذي أخذ بثأر أبيه، واسترد الملك.
ومثال آخر لشخصية تظهر ما بنفسها دون كلام، بل تظهر عليها الانطباعات النفسية على وجهها، وهى شخصية ست، فهو يظهر صامتا في معظم المسرحيات، ولكن نقل أقواله تظهر في صورة الحقد، التشفي، الغضب.. إلخ.
ويضاف البعد الاجتماعي لهذه الشخصيات من خلال الوصف والنقل، فهم أبناء ملوك، وتصرفاتهم تعكس شخصيتهم الاجتماعية.
ومما سبق نلاحظ أن المسرحية المصرية القديمة مؤسسة على أسس فن التمثيل، مما يمكن الممثل من البحث عن أبعاد الشخصية واستخراجها لكي يقوم بأدائها، هو وسائر القائمين على العرض المسرحي.
ومما سبق نستطيع القول بأن (المسرح) المصري القديم من أول المسارح في العالم الذي قدم الشخصية المسرحية من خلال فن التمثيل، وننوه بأن لفن التمثيل مجموعة كبيرة من الأسس، وما قدمناه هو جزء من أسسه.