كتب: محمد حبوشة
في الوقت الذي تقوم فيه وسائل إعلام غربية وحتى عبرية بتحليل ما يحدث على أرض (غزة) من مجازر وحرب إبادة جماعية وإدانة إسرائيل، نجد وسائل إعلامنا العربية من المحيط إلى الخليج تركز فقط على أخبار القصف والدمار اليومي، وكأننا غائبون عن الفعل في المشهد الشائن.
أليست هناك أقلام أو محطات فضائية يمكن أن تتناول بالتحليل العميق ما يتم تداوله من تصريحات يمكن البناء عليه، مثلما قالت وسائل إعلام عبرية: اتهامات (الجنائية الدولية) ضد نتنياهو ستكون كارثية على مكانة (إسرائيل) في العالم.
هل من عاقل لدينا في الصحف أو المواقع الإلكترونية أو الفضائية المكتظة بالتفاهة، يمكن أن يتناول إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (كريم خان) أنه تقدم بطلب لاستصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) ووزير الحرب (يوآف غالانت).
وذلك عندما وجه إليهم تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في عدوانه المتواصل على قطاع غزة، (بمثابة القنبلة القانونية الأكثر إثارة للصدمة في تاريخ إسرائيل)، أليس هذا أدعى بالبناء عليه وتعلية فكرة الإرهاب الإسرائيلي ضد أبناء (غزة)، في وقت تحاول فيه إسرائيل الإفلات من قرارات المحكمة الدولية؟
لقد قالت صحيفة (تايمز أوف إسرائيل) في تقرير لها قبل أيام، إنه إذا أصدر قضاة المحكمة أوامر الاعتقال، فإن نتنياهو سينضم إلى صفوف الشخصيات الدكتاتورية في العالم الذين صدرت ضدهم أوامر اعتقال.
وأضافت أن (نتنياهو سيمسي أول زعيم إطلاقا لدولة ذات توجهات غربية يوجه الاتهام إليه من قبل المحكمة الجنائية الدولية).
لو أن لدينا عقل رشيد لأمكننا التقاط خيط من كلام المحامي والناشط الأمريكي في مجال حقوق الإنسان، (ريد برودي)، في قوله إن هذا حدث فاصل في تاريخ العدالة الدولية، لم تقم المحكمة الجنائية الدولية قط، طوال أكثر من 21 عاما من وجودها، بتوجيه الاتهام إلى مسؤول غربي.
أصوات عاقلة في الغرب
لماذا لاننتهز فرصة وجود أصوات عاقلة في الغرب أو على الأقل تتحدث بحيادية ونبني عليها ونعزز ما ذكرته الصحيفة العبرية في تقريرها، أنه بموجب مذكرات الاعتقال، فلن يتمكن نتنياهو، وغالانت من التحرك في 124 دولة حول العالم، بما في ذلك كل الدول الغربية الكبرى تقريبا باستثناء الولايات المتحدة.
ألم تكن تلك فرصة ذهبية في ما قامت به (لوموند) الفرنسية في دعوتها الصريحة والواضحة لتغيير طريقة التعامل مع القضية الفلسطينية وحماية إسرائيل من نفسها؟
لقد قالت صحيفة (لوموند) إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بعد مرور 76 عاما على إنشاء دولة إسرائيل وفي مواجهة الكارثة المستمرة في قطاع (غزة)، يمكن أن يساعد في تخفيف معاناة الفلسطينيين وفي حماية إسرائيل من نفسها.
وذكرت الصحيفة الفرنسية – في افتتاحيتها – أن إسرائيل تستعد للاحتفال بالذكرى 76 الكئيبة للغاية، بعد أكثر من 7 أشهر من المجازر المستمرة والحرب المدوية في غزة، مما جعل المجتمع الدولي يتبرم من هذا البلد الذي يواصل زرع خراب غير مسبوق، في سبيل أهداف لا تزال بعيدة المرام.
ظني أن ماقالته (لوموند) في معرض تقريرها يصلح لأن يكون ملفا مهما في هذا الوقت يمكن أن تطرحه وسائل إعلامنا الغارقة في متاهات العبث على الرأي العام العالمي في محاولة لتعديل المسار.
خاصة أن (لموند) تحدثت بوضوح عن الفشل العسكري اليوم، وما خلفه من خسائر بشرية مروعة، كان نتيجة للاستراتيجية الإسرائيلية التي حولت (غزة) إلى سجن ضخم في الهواء الطلق، ومسرح لحروب متكررة تمثل الحرب الحالية ذروتها، بعد أن سهلتها السلبية الدولية المجرمة.
سواء كان ذلك بالتسامح في مواجهة الحصار المفروض على (غزة)، أو الضعف في ما يتعلق بأخطاء الممثلين الرسميين للفلسطينيين، أو الجبن في مواجهة الجذام المتمثل في الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية.
ويقترن هذا الفشل العسكري بمأزق سياسي يتحمل نتنياهو المسؤولية عنه بشكل كبير – حسب الصحيفة – وذلك بمعارضته أدنى منظور يأخذ في الاعتبار الحقوق المشروعة للفلسطينيين، مما يعني أنه لا بد أن يجيب عن كثير من الأسئلة المتعلقة بتدمير (غزة) والآلاف من ضحايا القنابل الإسرائيلية ورهانه على (محور المقاومة).
صحيفة (الجارديان) البريطانية
هل انتبه أحد إلى ما كشفته صحيفة (الجارديان) البريطانية إلى ما وراء أن رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية السابق (يوسي كوهين) هدد مدعية المحكمة الجنائية الدولية السابقة (فاتو بنسودا) في سلسلة من الاجتماعات السرية لمحاولة الضغط عليها للتخلي عن تحقيق في جرائم الحرب؟.
جرت اتصالات (كوهين) السرية مع (بنسودا) في السنوات التي سبقت قرارها بفتح تحقيق رسمي في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المزعومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تم إطلاق هذا التحقيق في عام 2021، وبلغ ذروته قبل أسابيع عندما أعلن خليفة بنسودا، كريم خان، أنه يسعى للحصول على أمر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بسبب سلوك بلاده في حرب (غزة).
قرار المدعي العام بالتقدم بطلب إلى هيئة ما قبل المحاكمة بالمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال لنتنياهو ووزير دفاعه (يوآف غالانت) وثلاثة من قادة حماس، هو نتيجة طالما خشيتها المؤسسة العسكرية والسياسية في إسرائيل.
شارك (كوهين) شخصيا في العملية ضد المحكمة الجنائية الدولية عندما كان مديرا للموساد، وكانت أنشطته مفوضة على مستوى عالٍ ومبررة على أساس أن المحكمة تشكل تهديدا بالملاحقات القضائية ضد العسكريين.
حاول الموساد الضغط على (بنسودا) لتصبح متعاونة مع إسرائيل أو تلاقي عواقب وصلت لحد تهديد أمنها وأمن عائلتها.
كما كشفت المصادر أن الموساد اهتم بأفراد عائلتها وحاول استخدام هذه المعلومات لتشويه سمعتها، وتفيد الصحيفة عن عدة مصادر مطلعة أن رئيس الكونغو (جوزيف كابيلا) لعب دورا كهما في مساعدة الموساد في مهمتها لإيصال رسائل التهديد لبنسودا.
وهل انتبه أحد – أيضا – في وسائل إعلامنا إلى قاله منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (مارتن غريفيث)، إن أخبار رفح قاتمة والغارات قتلت عشرات بينهم نساء وأطفال أحرقوا أحياء.
وأضاف في تصريح له قبل أيام، أنه (لا يمكن أن يستمر هذا الإفلات من العقاب ونطالب بحماية المدنيين في غزة).
وبدورها أشارت المقررة الأممية لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية (فرانشيسكا ألبانيز) إلى أنه (لا وصف مناسبا للاستهداف العشوائي والمتعمد في غزة، وأن الوحشية (الإسرائيلية) مستمرة في غزة دون أي مبرر).
وأكدت أن (إسرائيل) مستمرة في ارتكاب إبادة جماعية، ولا تقف عند أي خطوط حمراء في غزة، بهدف تدمير سكان قطاع (غزة)
أما المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) فيليب لازاريني، فقال إن مشاهد (مجزرة) رفح مروعة والقتلى بينهم أطفال ونساء يعيشون في ملاجئ مؤقتة بعضهم أحرق حتى الموت.
وأضاف في تصريح له أن (هناك صعوبة كبيرة في التواصل مع فرقنا برفح وبعض موظفينا في عداد المفقودين)، وتابع (نفعل ما بوسعنا لمواصلة تقديم المساعدات ولكن مع مرور الوقت يصبح الأمر شبه مستحيل).
إلى متى ننتظز؟
نعم إلى متى ننتظز؟ ونحن لدينا فرصة في ظل التصعيد التي تقوم محكمة العدل الدولية لنقوم باتخاذ خطوات عملية تجاه حرب الإبادة في غزة، حيث تقول:
* على (إسرائيل) أن تلتزم بمسؤولياتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية وتوقف العمليات العسكرية برفح.
* على (إسرائيل) وقف العمليات العسكرية في رفح.
* يجب إبقاء معبر رفح مفتوحا بهدف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
* يجب اتخاذ الإجراءات الفعالة للسماح بدخول لجان التحقيق المفوضة من الأمم المتحدة إلى قطاع غزة.
* على (إسرائيل) أن تقدم تقريرا بخصوص التدابير التي اتخذتها في غضون شهر من إصدار قرار اليوم.
* محكمة العدل الدولية تأمر (إسرائيل) بوقف هجومها العسكري على رفح بموافقة 13 من أعضائها مقابل 2.
* العمليات العسكرية (الإسرائيلية) في أعقاب 7 أكتوبر تسببت في قتل آلاف الفلسطينيين وتهجيرهم وتدمير البنى التحتية.
* الهجوم المتواصل على رفح تسبب في موجة إجلاء جديدة للسكان.
* الوضع الإنساني في رفح مصنف الآن على أنه كارثي.
* أكدنا على شرعية طلبات جنوب إفريقيا بشأن حق الفلسطينيين بغزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية.
* التدابير المؤقتة المتخذة لا تعالج بشكل كامل تبعات الوضع المتغير.
* المحكمة غير مقتنعة أن التدابير الإسرائيلية كافية لتخفيف مخاطر الهجوم على رفح.
* لسنا مقتنعين بأن إجراءات الترحيل والتدابير التي اتخذتها إسرائيل لتعزيز أمن المدنيين كافية لتخفيف مخاطر عملية رفح.
* على إسرائيل اتخاذ إجراءات فعالة للمحافظة على الأدلة وعدم إتلافها وفق ما تنص عليه اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
* على (إسرائيل) أن توقف الهجوم العسكري على رفح بشكل فوري.
* يجب اتخاذ الإجراءات الفعالة للسماح بدخول لجان التحقيق المفوضة من الأمم المتحدة إلى قطاع غزة.
وفضلا عن هذا وذاك مما سبق، فإن المحكمة تذكّر بأن الظروف المعيشية لسكان قطاع غزة تدهورت بشكل ملحوظ، والمحكمة تلاحظ أن الوضع الإنساني في رفح كارثي بعد أسابيع من القصف.
كما أن الهجوم البري الذي بدأته (إسرائيل) على رفح لا يزال مستمرا وأدى لموجة نزوح أخرى، والمحكمة تعتبر الهجوم العسكري في رفح تطورا خطيرا يزيد من معاناة السكان.
أليس كل ما سبق زرائع يمكن من خلالها أن تقلب وسائل الإعلام المصرية والعربية الطاولة على هذا المحتل الغادر الذي استباح غزة في غيبة من ضمير عربي فراح يقوم بمماراساته الشائنة في وضح النهار، بينما نحن نكتفي بنقل أخبار القصف والدمار والتنكيل بشعب أعزل وكأن الأمر لا يعينينا.. سحقا لكل وسائل إعلامنا العربي؟!