بقلم الدكتور: كمال زغلول
توجد مجموعة من المحاولات المستمرة، لطمس الحقيقة الفنية للمسرح المصري القديم، وأن المصري القديم هو المؤسس لفن (العرض المسرحي)، فكل ما وصلنا إلينا من برديات أو لو لوحات جدارية ، يؤكد تلك الحقيقة.
وأن (العرض المسرحي) في مصر القديمة كان متقدم جدا، يوازي العروض المسرحية المعاصرة، بل ويتفوق عليها في استخدامه للأداءات التمثيلية المتنوعة داخل (العرض المسرحي) باستثناء التكنولوجيا.
ونتعرض لواحد من تلك العروض المسرحية، عبر أول ممثل في التاريخ، وهو المصري ( Ikhernofret – أخرنفرت) صاحب أهم لوحة جدارية في تاريخ فن التمثيل ، والموجودة في متحف برلين برقم (12.4 برلين).
وتعود أهمية تلك اللوحة إلى ما قدمته من وصف مرتب لواحد من العروض في احتفالات أوزيري ، ونستعرض ما جاء فيها ، وفقا لما كان يقدمه:
لقد مثلث ظهور آب – وات ap-uat حينما خرج ليدافع عن أبيه، وقد رددت العدو على عقبيه من زورق نشمت neshmet ، وقهرت أعداء أوزيريس، وقمت بتمثيل ” (القوة الجبارة) وتتبعت الإله في كل خطواته.
وأنا الذي جعلت زورق الإله (يتحرك)، وهكذا حتى يصل إلى الذروة العليا فيقول: (وأنا الذي جعلته (أي أوزيريس) يقوم في الزورق الذي يحمل جماله).
(وجعلت قلوب سكان الشرق تمتلئ بالغبطة، كما جعلت المسرة بين سكان الغرب، وذلك عندما رأوا الجمال وهو نازل في أبيدوس، جالبا أوزيريس حنتي – أمنتي khenti amenti ، رب أبيدوس، إلى قصره).
ونشرح مفهوم بعض الأسماء الموجودة في اللوحة قبل وصف كيفية تمثيل (العرض المسرحي)، حتى يتثنى لنا فهم العرض، وفق مفاهيم الثقافة المصرية القديمة.
آب – وات ap-uat: كان إله في مصر القديمة، وظيفته أنه كان كشاف لفتح الطرق، وكان يخرج لتمهيد الطرق، ويصور في صورة إنسان بوجه ذئب، ويقف عند مقدمة قارب شمسي.
انتصار الملك (سخيمخت)
وتشير بعض النقوش في سيناء، إلى أنه يفتح الطريق لانتصار الملك (سخيمخت)، ووظيفته أيضا فاتح الطرق في الجبانات للمرور علي العالم الآخر.
زورق نشمت neshmet: اسم القارب المقدس لأوزيريس في أبيدوس في مصر القديمة، وكان يستخدم خلال احتفالات أوزيريس حاملا تمثال أوزيريس باعتباره هو على قيد الحياة مبحرا في النيل، وكان هذا يحدث في الشهر الرابع كهيك.
حنتي – أمنتي khenti amenti: إله مصري قديم، واستخدم كلقب لأوزيريس وأنوبيس، واسمه يعني أقدم الغربيين أو زعيم الغربيين، حيث تشير كلمة الغربيين إلي الموتى، ويصور برأس أبن أوى، وتم العثور عليه في أبيدوس، وظيفته حارس مدينة الموتى.
ومن توضيح المعنى من الأسماء السابقة ننتقل إلي العرض التمثيلي، موضوع (العرض المسرحي) يمثل الأحداث الخاصة بعودة أوزيريس للحياة، عن طريق انتصار ابنه حورس على أعدائه(ست وأعوانه).
ونجد أن الأدوات المستخدمة في العرض هى: الأقنعة ، الأسلحة ، القارب، كما ان مكان الأحداث يتم بين المعبد ونهر النيل.
دور (أخرنفرت): مثل أولا: (دور آب – وات ap-uat)، وهو الكاشف الطريق، لرحلة أوزيريس إلي العالم الآخر، وارتدي القناع الخاص بهذه الشخصية، قناع وجه الذئب، وكان يقف على المركب (نشمت neshmet) الحاملة لتمثال أوزيريس، ودارت معركة بينه وبين أعداء أوزيريس، وقام بقهرهم .
ثانيا: قام بتمثيل القوة الجبارة، وتضمنت هذه القوة في جلد أعداء أوزيريس والقضاء عليهم، وبعد ذلك تتبع أوزيريس في كل خطواته.
ثالثا: قام بتمثيل على ما يبدوا دور بحار أو قائد سفينة، وهى نفس السفينة (نشمت)، وحمل تمثال أوزيريس فيها، وهنا ينتقل إلي موضوع بعث أوزيريس في الزورق من جديد.
عودة أوزيريس للحياة
رابعا: يظهر جمهور المشرق فرحا بعودة أوزيريس للحياة، ويظهر جمهور الغربيين (الموتى) فرحين بقدوم أوزيريس، وذلك عند الوصول لأبيدوس.
الإخراج في (العرض المسرحي): يبدوا أن (أخرنفرت)، كان ممثلا وكان يوجد مخرج ومساعدين، يقومون على هذا العمل الضخم، وقد أجروا مجموعة من البروفات.
مكان الجمهور: ممكن لهذا (العرض المسرحي) أن يكون في مساحة مستطيلة، والجمهور جالس على جانبي منطقة التمثيل حيق أن جميل اوضاع الممثلين يأخذ وضع البروفيل.
مشاهد (العرض المسرحي): تم تقسيم العرض إلي أجزاء، كل جزء يوضح مرحلة من مراحل إحياء أوزيريس، ويبدوا أن تلك الأجزاء كانت ذو ايقاعات مختلفة، متصاعدة حتى نهاية (العرض المسرحي).
طريقة الأداء التمثيلي: يغلب على هذا (العرض المسرحي) الأداء الصامت (المايم) وبالطبع توجد مشاهد حوارية لم تصل إلينا.
ينتهى (العرض المسرحي): بدخول أوزيريس إلي عالم الموتى، وعودة التمثال إلي المعبد.
وهكذا نرى أن لوحة (أخرنفرت)، من حديثة عن دوره التمثيلي، قد وضح بإيجاز وصف للعرض المسرحي، وعدد الأدوار التمثيلية التي قام بأدائها.
وبالطبع (العرض المسرحي) قائم على مفاهيم فن التمثيل الأدائية، وبه جهد كبير في إخراجه، فتوجد مجاميع، وممثلين، ومشاهد حربية، ومشاهد جلد.. إلخ.
وهكذا يمكننا القول أن مصر القديمة هى المؤسس لفن المسرح في القديم ، وأنه كان مسرح متقدم جدا، يقدم عروض تمثيلية قوية تشابه عروضنا الحديثة.