بقلم الدكتور: كمال زغلول
العرض المسرحي المصري القديم ، حمل مجموعة من الرموز، ولكي نقف على المفاهيم الصحيحة لرموز وعلامات المسرح ينبغي أن نتعرف على المفاهيم التي يحملها الرمز المستخدم في العرض المسرحي، ومن الرموز المستخدمة في المسرح المصري القديم (العناصر الأربعة) وهى: (التراب، الماء، الهواء، النار).
وهؤلاء العناصر هم عناصر الخلق التي خلق منها العالم، فمن أين أتي المصري القديم بنظرية (العناصر الأربعة) التي تتمثل في (التراب، الماء، الهواء، النار).
ونعود إلى المعتقد المصري القديم الأساسي في العقيدة المصرية ونتذكره معنا، وهو أن المصريين كانوا موحدين (لقد عبدوا إلهاً واحداً، خالق الأرض: إنه إله الفخراني، حرفي، قام بتشكيل خلقه بواسطة الطين الصلصالي ومياه النيل، بعد ذلك نفث فيه من روحه).
وإذا قمنا بتحليل هذا المعتقد سوف نلاحظ أن المصري القديم لم يتعرض لخلق السموات والأرض، بل تعرض فقط لخلق الإنسان، الذي ألهه فيما بعد، وأضاف إلى الإله الواحد الأحد، مجموعة من الأسماء أطلق عليها آلهة.
ونعود إلى تحليل العبارة الخاصة بخلق الإنسان، ونرى أول عنصر في خلق الإنسان هو (الطين)، والطين في أساسه هو التراب الذي خلط بالماء، ونتعرف على هذا من خلال قصة خلق آتوم (والذي شكله الإله خنوم) على عجلة الفخار من الطين، وهى مدونة على جدران معبد خنوم في إسنا في محافظة الأقصر.
ولهذا كان عنصر التراب من العناصر الأولي للخلق حسب المعتقد المصري القديم، ونأتي بعد ذلك على عنصر الهواء، لنتعرف بدقة على حقيقة هذا العنصر، ولماذا كان من عناصر الخلق؟
والمعتقد المصري القديم السابق يذكر أن الله نفث في الإنسان الأول، بمعنى نفخ فيه الروح، ولكن بفلسفة المصري القديم، اعتبر هذه النفثة أو النفخة هى الهواء الذي رمز له (بشو).
بتاح خلق البشر والحيوانات
ومن كلام المصري القديم نتعرف على ذلك من خلال تعريفه (ببتاح) فيعرفه بأن بتاح هو الإله الخالق، أو بالتحديد هو (الفخراني) الذي شكل العالم كله (لاحظ تغير الاسم من خنوم إلي بتاح، وكلاهما فخراني يستخدم الطين).
ولكن بتاح خلق البشر والحيوانات من خلال أنفاسه ونفثاته، ولا ريب أنه هو نفسه الأنفاس السالفة للخلق، في حين أن (شو بن آتوم) يجسدها في هيئة الهواء والريح، و(تفنوت) أخته تمثل الرطوبة لا المحيط ولا البحر.
وهي وأخاها معا يجسدان المبدأ الأصلي الأولي، وقد أخترع المصري القديم إلهة تسمى (سخمت)، تساعد على التنفس، وهى حامية الأنفاس وراعياتها، أو بالأحرى الساهرة على بقاء الحياة، هذا بالنسبة للهواء ، كعنصر من عناصر الخلق.
ونأتي إلي الماء، وهو عنصر من عناصر خلق الإنسان، ويقول عنه المصريون القدماء أنه عنصر حيوي وأنثوي، انبثقت منه جميع الكائنات، ويطلقون عليه اسم (نون البدائي)، ولكن يرمزون له أيضا (بتفنوت).
وهى وليدة الجوهر الأول (آتوم)، وتمثل تفنوت (الرطوبة) أي المياه التي تنبثق منها جميع إمكانات الحياة فوق الأرض وبأجواء السماء، (نلاحظ أن شو وتفنوت أخوين من آتوم الذى خلق من التراب والماء والنفخة آدم عليه السلام).
أما العنصر الأخير وهو النار فليس له علاقة بخلق الإنسان، ولكن هو الصورة الأصلية للشمس التي ولدت في جزيرة النيران، وقد مثلت النيران بالحية الحامية التي تنفث اللهيب من فمها، وبالطبع لم يكن لها نصيب بالخروج من (آتوم)، لأن الإنسان ليس في خلقه نار.
وقد اعتبرت النيران حامية وراعية، كمثل الربة (تاورت)، وهي أيضا منقية ومطهرة بالإضافة إلى أنها مدمرة ومهلكة، و(العناصر الأربعة) لها دور آخر، فـ (العناصر الأربعة) هى المكونات اللازمة للسباق العقائدي، وطريق البعث.
وهى تحدد مراكز العبور الكبرى، فهي تعمل على تطهر روح المتوفي، أولا بواسطة التربة (النزول إلى المقبرة والإقامة بالدوات)، ثم بعد ذلك من خلال المياه تطهير بالمياه والرش بها، ثم عن طريق الهواء (يقال سيتم تطهيرك في منطقة شو).
وبعد ذلك بالنيران (عبور أنهار، وبحيرات، وجزر ومناطق جميها تتكون جميعها من لهيب النيران)، هذا بالنسبة لـ (العناصر الأربعة)، فالتراب والماء والنفثة (خاصة بخلق الإنسان).
المعنى الاعتقادي لـ (العناصر الأربعة)
أما النار فهي لم تدخل في خلق الإنسان، لذلك فهي لا تنسب إلى آتوم (آدم عليه السلام)، ويمكن أن يتم تحليل النار أيضا علاوة على التحليل السابق في كونها تعبر عن العواطف الداخلية للإنسان، في حالة غضب أو ما شابه ذلك، وتشبه مجازا بالنار.
ومن المعنى الاعتقادي لـ (العناصر الأربعة)، ظهرت تلك العناصر في الفلسفة المصرية أولا، كعناصر لخلق العالم، وبعد ذلك تعددت الآراء حول كيفية خلق العالم من هذه العناصر، ودخلت طريق العلوم الفلسفية المصرية الطبيعية.
وظهرت في الفلسفة اليونانية نقلا عن مصر من خلال طاليس أول الفلاسفة، وراح كل فيلسوف يخبر برأي، عن كيفية خروج العالم من هذه العناصر، فمنهم من قال الماء، ومنهم من قال النار، ومنهم من قال الهواء.
وأصبحت العلوم القديمة تفسر من خلال (العناصر الأربعة)، وهى في الأساس تخص خلق الإنسان فيما عدا النار، وقد سرقت جميع هذه الأفكار من مصر ونقلت لليونان.
ولكن في اليونان لم يفهموا لماذا هؤلاء العناصر، لأنهم كانوا تلاميذ المصريون، والفلسفة تعني (سوفيا) أي حكمة المصريين، وليس محب الحكمة كما يفسرها المفسرون.
ونلاحظ أن المصريون القدماء، هم أول من تكلم في موضوعات الفلسفة التي سرقها اليونانيون التلامذة في مصر، ونسبوها لأنفسهم، وبهذا نكون فسرنا معنى (العناصر الأربعة)، في محاولة لفك رموزها.
ونحب أن ننوه أن بعض المنجمين يستخدمون هذه العناصر، والناس العامة ويطلقون على بعضهم البعض بأن هذا الشخص هوائي، وهذا مائي.. إلخ مستخدمين الأبراج، وهذا كله سخف وباطل.
وأتذكر نبي الله (يوسف) عندما دخل مصر وهو في السجن، وأخبر بأن ما يفعله المصريون باطلا.
وأتذكر الآية الكريمة المعجزة في سورة يوسف: (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ، وأقول سبحان الله العظيم.