نكشف لأول مرة قصيدة أحمد شوقي لـ (صباح) عن القدس والمحذوف منها !
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة، أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفه.
كتب: أحمد السماحي
منذ أيام قليلة قمنا بإيحاء الذكرى التاسعة لرحيل المطربة (صباح) التى كانت بسمة على شفاه الأغنية العربية، واختصرت روعة الفن وجمال الإطلالة، وإشراقة الإبتسامة، وقوة الأستمرار على مدى مشوارها.
ورغم أن الدموع عرفت طريقها إلى عيني (صباح)، وعاشت مآسي كثيرة بصمت مطلق، فإن الابتسامة بقيت تشرق على شفتيها، لأنها كانت تعيش بالحب، ومن خلال الحب استمرت وأعطت وتألقت بصورة دائمة.
قال عنها الموسيقار فريد الأطرش: (صباح) شخصية مميزة في الوسط الفني، صوتها غني بالعُرب الصوتية، وعندها المقدرة أن تغني كل ألوان الطرب، وإحساسها بالغناء جميلة للغاية..
وهيدى ملكة الغناء البلدي بدون منازع، تملك نفسا طويلا نادر الوجود خصوصا عندما تغني (الميجانا والعتابا وأبو الزلف).
غنت (صباح) على مدى مشوارها وكما ذكر فريد الأطرش كل ألوان الطرب، وكل ألوان الغناء، لكن كان حضورها ضعيفا في غناء القصائد فرغم مئات الأغنيات التى قدمتها، نجد أن عدد القصائد التى غنتها كانت قليلة للغاية.
صباح ويا فاتح القدس
اليوم من خلال باب (محذوفات الأغاني) نزيح الستار عن قصيدة نادرة ومجهولة غنتها (صباح) مرة واحدة، ولم يكتب عنها أحد، وظلت منسية، وأسدلت عليها ستائر النسيان.
القصيدة عن القدس بعنوان (يا فاتح القدس) وهى من كلمات شاعرنا الكبير (أحمد شوقي)، واللحن من التراث الكنسي، وأنشدتها في أوبريت (المهرجان) في بعلبك في صيف عام 1971.
تقول كلمات القصيدة:
يا فاتح القدس خل السيف ناحية
ليس الصليب حديدا كان بل خشبا
إذا نظرت إلى أين انتهت يده
وكيف جاوز في سلطانه القطبا
علمت أن وراء الضعف مقدرة
وأن للحق لا للقوة الغلبا.
هذه القصيدة قام أحد المعجبين بالأسطورة (صباح) ببثها على موقع الفيديوهات الشهير (اليوتيوب) لكن تم حذفها مؤخرا من على الموقع.
وكما حدث خلال الأيام الماضية لعدد كبير من الفيديوهات التى تدين العدو الإسرائيلي وتفضح المجازر التى يرتكبها في حق الأشقاء الفلسطنيين.
أحمد شوقي وتصريح 28 فبراير
بالرجوع إلى حدوتة هذه القصيدة النادرة (يا فاتح القدس) وجدنا أن شاعرنا الكبير أحمد شوقي نشرها عام 1922 بعد تصريح 28 فبراير.
حيث أصدرت الحكومة البريطانية ما عرف حينها بتصريح 28 فبراير، ذلك الذى أعلنه اللورد اللنبى، قبل أن يقره مجلس عموم بلاده فى 14 مارس من العام ذاته.
وبمقتضاه، تم إنهاء الحماية البريطانية على مصر، إذ خاطبت حكومة ملك بريطانيا، جميع الأمم الحرة بمذكرة أكدت من خلالها، اعترافها باستقلال مصر وسيادتها.
نص التصريح على انتهاء الحماية، التى فرضها الإنجليز على مصر، يوم 18 ديسمبر 1914، واعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة، كما ألغى الأحكام العرفية المُعلنة فى 24 نوفمبر 1914.
وإلى حين إبرام اتفاقات التعاون الثنائى بين الطرفين، منح التصريح بريطانيا تحفظات تخولها الاضطلاع بمهام: تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية فى مصر..
والدفاع عن الأخيرة ضد أى اعتداء أو تدخل أجنبى، بالأصالة كان أو بالوكالة، حماية الأقليات والمصالح الأجنبية فى مصر..
وإبقاء الوضع فى السودان على ما هو عليه، لجهة حق بريطانيا التصرف فيه.
تمخض التصريح البريطانى، عن تحول مصر من سلطنة إلى مملكة، ففى 15 مارس 1922، قام السلطان فؤاد الأول، بإعلانها مصر (مملكة) مستقلة ذات سيادة.
وليصبح اسمه (الملك فؤاد الأول)، ويتغير لقبه، بموجب مرسوم ملكى صدر فى 19 أبريل 1923، إلى (ملك مصر والسودان، وسيد النوبة ودارفور وكردفان).
ظروف غناء صباح القصيدة
بالرجوع إلى القصيدة الأصلية لشاعرنا أحمد شوقي وجدنا أسمها (أُعِدَّتِ الراحَةُ الكُبرى لِمَن تَعِبا، وَفازَ بِالحَقِّ مَن يَألُهُ طَلَبا).
ونظرا لطول القصيدة، وقع اختيار الشحرورة صباح على الأبيات الثلاثة الأخيرة لغنائها، حيث كان العالم العربي يعيش في هذه الفترة عام 1971 حالة عداء شديدة مع إسرائيل.
خاصة بعد أن قصفت في صباح الثامن من أبريل عام 1970، طائرات من طراز فانتوم مدرسة بحر البقر المشتركة في قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية في مصر.
وأدى الهجوم إلى مقتل 30 طفلاً وإصابة 50 آخرين وتدمير مبنى المدرسة تماماً، يومها تأثرت المطربة الكبيرة صباح وبحثت عن كلمات تعبر عن هذه المجزرة لكنها لم تجد!.
إقرأ أيضا : قصة غرام (صباح) مع الأمير الكويتي (عبد الله المبارك الصباح) !
وعندما جاءتها الفرصة، قامت بغناء بعض أبيات من قصيدة الشاعر الكبير (أحمد شوقي)، بعد أن وقع إختيارها على الأبيات الأخيرة التى تتحدث إن الصليب كان خشبًا لا حديدًا.
وكان أصحابه أضعفَ خلق الله، ومع هذا فقد انتهى أمرهم إلى ما انتهى إليه من القوة، فلا ينبغي أن يعتمد القوي على قوته، ويسرف في الاعتماد عليها، وكَمْ منَّ اللهُ على الذين استُضعِفوا في الأرض وجعلهم أئمةً.
وهذه الأبيات الثلاثة الأخيرة هي من الأبيات الخالدة التي يحفظها مئاتُ الألوف من الناطقين بالضاد.
وتقول كلمات القصيدة كاملة:
أُعِدَّتِ الراحَةُ الكُبرى لِمَن تَعِبا
وَفازَ بِالحَقِّ مَن يَألُهُ طَلَبا
وَما قَضت مِصرُ مِن كُلِّ لُبانَتَها
حَتّى تَجُرَّ ذُيولَ الغِبطَةِ القُشُبا
في الأَمرِ ما فيهِ مِن جِدٍّ فَلا تَقِفوا
مِن واقِعٍ جَزَعاً أَو طائِرٍ طَرَبا
لا تُثبِتُ العَينُ شَيئاً أَو تُحَقِّقُهُ
إِذا تَحَيَّرَ فيها الدَمعُ وَاِضطَرَبا
وَالصُبحُ يُظلِمُ في عَينَيكِ ناصِعُهُ
إِذا سَدَلتَ عَلَيكَ الشَكَّ وَالرِيَبا
إِذا طَلَبتَ عَظيماً فَاِصبِرَنَّ لَهُ
أَو فَاِحشُدَنَّ رِماحَ الخَطِّ وَالقُضُبا
وَلا تُعِدَّ صَغيراتِ الأُمورِ لَهُ
إِنَّ الصَغائِرَ لَيسَت لِلعُلا أُهُبا
وَلَن تَرى صُحبَةً تُرضى عَواقِبُها
كَالحَقِّ وَالصَبرِ في أَمرٍ إِذا اِصطَحَبا
إِنَّ الرِجالَ إِذا ما أُلجِئوا لَجَئوا
إِلى التَعاوُنِ فيما جَلَّ أَو حَزَبا
لا رَيبَ أَنَّ خُطا الآمالِ واسِعَةٌ
وَأَنَّ لَيلَ سُراها صُبحُهُ اِقتَرَبا
وَأَنَّ في راحَتَي مِصرٍ وَصاحِبِها
عَهداً وَعَقداً بِحَقٍّ كانَ مُغتَصَبا
قَد فَتَّحَ اللَهُ أَبواباً لَعَلَّ لَنا
وَراءَها فُسَحَ الآمالِ وَالرُحُبا
لَولا يَدُ اللَهِ لَم نَدفَع مَناكِبَها
وَلَم نُعالِج عَلى مِصراعِها الأَرَبا
لا تَعدَمُ الهِمَّةُ الكُبرى جَوائِزَها
سِيّانِ مَن غَلَبَ الأَيّامَ أَو غُلِبا
وَكُلُّ سَعيٍ سَيَجزي اللَهُ ساعِيَهُ
هَيهاتَ يَذهَبُ سَعيَ المُحسِنينَ هَبا
لَم يُبرِمِ الأَمرَ حَتّى يَستَبينَ لَكُم
أَساءَ عاقِبَةً أَم سَرَّ مُنقَلَبا
نِلتُم جَليلاً وَلا تُعطونَ خَردَلَةً
إِلّا الَّذي دَفَعَ الدُستورُ أَو جَلَبا
تَمَهَّدَت عَقَباتٌ غَيرُ هَيِّنَةٍ
تَلقى رُكابُ السُرى مِن مِثلِها نَصَبا
وَأَقبَلَت عَقَباتٌ لا يُذَلِّلُها
في مَوقِفِ الفَصلِ إِلّا الشَعبُ مُنتَخَبا
لَهُ غَداً رَأيُهُ فيها وَحِكمَتُهُ
إِذا تَمَهَّلَ فَوقَ الشَوكِ أَو وَثَبا
كَم صَعَّبَ اليَومُ مِن سَهلٍ هَمَمتَ بِهِ
وَسَهَّلَ الغَدُ في الأَشياءِ ما صَعُبا
ضَمّوا الجُهودَ وَخَلوُها مُنَكَّرَةً
لا تَملَئوا الشَدقَ مِن تَعريفِها عَجَبا
أَفي الوَغى وَرَحى الهَيجاءِ دائِرَةٌ
تُحصونَ مَن ماتَ أَو تُحصونَ ما سُلِبا
خَلّوا الأَكاليلَ لِلتاريخِ إِنَّ لَهُ
يَداً تُؤَلِّفُها دُرّاً وَمَخشَلَبا
أَمرُ الرِجالِ إِلَيهِ لا إِلى نَفَرٍ
مِن بَينِكُم سَبَقَ الأَنباءَ وَالكُتُبا
أَملى عَلَيهِ الهَوى وَالحِقدُ فَاِندَفَعَت
يَداهُ تَرتَجِلانِ الماءَ وَاللَهَبا
إِذا رَأَيتَ الهَوى في أُمَّةٍ حَكَماً
فَاِحكُم هُنالِكَ أَنَّ العَقلَ قَد ذَهَبا
قالوا الحِمايَةُ زالَت قُلتُ لا عَجَبٌ
بَل كانَ باطِلُها فيكُم هُوَ العَجَبا
رَأسُ الحِمايَةِ مَقطوعٌ فَلا عَدِمَت
كِنانَةُ اللَهِ حَزماً يَقطَعُ الذَنَبا
لَو تَسأَلونَ أَلِنبي يَومَ جَندَلَها
بِأَيِّ سَيفٍ عَلى يافوخِها ضَرَبا
أَبا الَّذي جَرَّ يَومَ السِلمِ مُتَّشِحاً
أَم بِالَّذي هَزَّ يَومَ الحَربِ مُختَضِبا
أَم بِالتَكاتُفِ حَولَ الحَقِّ في بَلَدٍ
مِن أَربَعينَ يُنادي الوَيلَ وَالحَرَبا
يا فاتِحَ القُدسِ خَلِّ السَيفَ ناحِيَةً
لَيسَ الصَليبُ حَديداً كانَ بَل خَشَبا
إِذا نَظَرتَ إِلى أَينَ اِنتَهَت يَدُهُ
وَكَيفَ جاوَزَ في سُلطانِهِ القُطُبا
عَلِمتَ أَنَّ وَراءَ الضَعفِ مَقدِرَةً
وَأَنَّ لِلحَقِّ لا لِلقُوَّةِ الغَلَبا
يا فاتح القدس خل السيف ناحية
ليس الصليب حديدا كان بل خشبا
إذا نظرت إلى أين انتهت يده
وكيف جاوز في سلطانه القطبا
علمت أن وراء الضعف مقدرة
وأن للحق لا للقوة الغلبا