حكاية (عبد الوهاب محمد) مع (آهة) كبيرة تحولت إلى أغنية (حب إيه؟) !
كتب : أحمد السماحي
أحب وجرحه الحب، وخرجت من قلبه (آهة) كبيرة من الأعماق، وكانت تلك (الآهة) الجريحة نقطة التحول فى حياة الشاعر الكبير الراحل (عبد الوهاب محمد) وفي أغانيه، حيث حول تلك (الآهة) إلى أغنية لتغنيها سيدة الغناء فى الشرق (أم كلثوم)، وتكون باكورة التعاون بينهما.
والقصة تبدأ من أن الشاعر الغنائي الكبير والمبدع (عبدالوهاب محمد)، كان قد عاش في شبابه قصة حب قوية جدا مع إحدى الفتيات، لكن هذه الفتاة وتحت ضغط أهلها قررت ترك (عبد الوهاب محمد) والزواج من شاب آخر.
ولم تكن تعلم هذه الفتاة أن ما فعلته كان سبب السعد على شاعرنا في التعاون مع (أم كلثوم)، ونترك شاعرنا الكبير (عبدالوهاب محمد) يحكي لنا تفاصيل آخر حوار دار بينه وبين حبيبته الأولى كما جاء فى مجلة “الكواكب” عام 1960، هذا اللقاء الذي كان سببا في ولادة واحدة من أحلى أغنيات مرثيات الحب.
يقول شاعرنا (عبد الوهاب محمد)، المعروف بأنه مرهف الحس :
هي : أحذرك سأختفي فجأة من حياتك
هو ضاحكا : سأبحث عنك حتى أجدك
هي : لو وجدتني لن أكون لك
هو : ومن غريمي؟
هي : شاب ميسور الحال تقدم لبابا، وبابا وافق، بس أنا بحبك.
عبد الوهاب محمد و(حب إيه؟)
هو بغضب وثورة : (حب!.. حب! إيه ده اللي أنت جاية تكلميني عليه) طالما هتوافقي، ويضيف (عبد الوهاب محمد) : بعد انتهاء اللقاء بيننا ذهبت إلى أقرب صديق لي، ذهبت إلى الملحن الموهوب (بليغ حمدي)، وكان يعرف حكاية قلبي، وقصة حبي، ورويت له ما حدث لي وسألني وقلت لها إيه؟
قلت لها : حب ايه ده اللي انت جاية تقولي عليه؟!
فسرح (بليغ حمدي) ثواني ورد علي قائلا : تعرف يا (عبدالوهاب) أن ده مطلع أغنية كويس!، فقلت له (أغنية إيه يا بلبل، أنا بنزف!)، وكنا عندئذ قريبين من صالة الشاي بسينما (ريفولي)، فجذبني (بليغ حمدي) من يدي لنجلس هناك، ولأكتب بدموعي وبجرحي حكاية حبي.
وتوقعت أن يعطي (بليغ حمدي) الأغنية إلى الفنانة (ثريا حلمي)، لأن مدخل الأغنية مختلف وجديد على شكل الأغنية العاطفية، ويشبه منولوجات (ثريا حلمي) التى تقول فيها: (عيب أعمل معروف)، وغيرها.
المهم عاشت الأغنية مع (بلبل) أياما وأسابيع طويلة وفوجئت به يوما يقول لي : (الست أم كلثوم عاوزة تشوفك؟)، فقلت له : (أم كلثوم مين؟!)، فضحك ورد علي قائلا: (هى مصر فيها كام أم كلثوم؟)، قلت له : (أم كلثوم بتاعتنا المطربة!)؟!
ثم أردف قائلا لي : (هى ما فيش غيرها)، لقد استمعت إلى الكلام الذى كتبته وأعجبت به وطلبت أن تراك، ويقول (عبد الوهاب محمد منتشيا): نمت ليلتها تدور الدنيا حولي وأتساءل: هل تغنى أم كلثوم لي؟، وحدد (بليغ حمدي) موعدا مع السيدة (أم كلثوم)، وفي الطريق إليها كنت أشعر أنى أسعد إنسان، ولكنني كنت أشعر برهبة من لقائها.
ودعوت قلبي أن يهون على هذا اللقاء، وهذا الخوف، وهذه الرهبة التى تعتريني، وفي منزلها قابلتنا وابتسمت وهى ترحب بوجودي، والتفتت إلى (بليغ) وهى تقول له: (هل قلت للأخ انني معجبة بالكلام الذي كتبه)؟!
عبد الوهاب محمد وكلمة (الأخ)
وكانت كلمة (الأخ) بمثابة تيار من الراحة مر على قلبي ونفسي، فاستعدت رابطة جأشي وقلت : يا ست أنا سعيد جدا بأن ما كتبته قد أعجبك، وطالت جلستنا لمدة ساعتين، ونحن نتحدث عن الأغاني والمؤلفين والملحنيين والشعر.
وأثناء اللقاء طلبت منى أن أقرأ بصوتي أغنية (حب أيه؟) وبعد أن استمعت إليها بصوتي، وعلى الفور أحضرت الورقة المكتوب عليها كلمات الأغنية وبدأت أقرأها بصوتي، وطلبت أن أغير الكوبليه الثاني الذي أقول فيه :
(سيبني أعيش من غير وجودك، سيبني في حرمان جديد
طيفك أرحم من وجودك، والبعيد عنك سعيد).
فطلبت أن توحد القفلات كلها لتكون :
(أنت فين والحب فين، ظالمه ليه دايما معاك
وانت لو حبيت يومين، كان هواك خلاك ملاك).
ويختتم الشاعر الكبير (عبد الوهاب محمد) كلامه قائلا: الحق أن (أم كلثوم) كانت فيلسوفة وأديبة ممتازة تستطيع بخبرتها الطويلة في مجال الأغنية أن تحذف أو تضيف بعض الكلمات أو الجمل التى تحقق مع الجمهور تجاوبا كبيرا، وهكذا نجحت (حب إيه) بصوت (أم كلثوم) أن تحلق بي في الآفاق، وتكتب سطورا جديدة في شهرتي.