بقلم الدكتور: كمال زغلول
لقد غزت (الفرس) مصر أكثر من مرة ، حتى استطاعت في النهاية بسط نفوذها على مصر، فقد فشل الغزو الأول، واستطاع المصريون طرد (الفرس) من مصر.
وقد وصل إلينا عمل مسرحي يصور الأحداث التي مرت بمصر أثناء احتلال (الفرس) الأول لمصر، وهذا العمل يعد غريبا على المسرح المصري القديم.
فقد شاع بين الناس أن المسرح المصري اقتصر على تمثيل أسطورة (إيزيس وأوزيريس)، ولكن هذا النص يؤكد على وجود نصوص مسرحية تعرضت للأحداث التي مرت بها مصر.
وهذا النص يصور (ست) في عودته لحكم مصر، ولكن (ست) هنا هو رمز لـ (الفرس) الغازين القادمين من أسيا، فقد قام المصري القديم بكتابة هذا النص من منظور رمزي.
وجعل من (إيزيس) قائدة لطرد (الفرس)، وجعل من ست رمز لـ (الفرس)، ويدور الصراع على طرد المعتدي من مصر، وعودة الحكم لحور (أي للمصرين)، وبداية هذا النص نشاهد إيزيس وهى تشتكي لسيد الآلهة من ذلك الغزو:
(إيزيس ترفع صوتها إلى السماء ، وتصعد كلماتها إلى الأفق).
(إيزيس): أدر وجهك إلى يا سيد الآلهة، ها قد رد أحدهم أمرك أنا (إيزيس) ابنة ابنتك أنظر، لقد عاد ذلك الذى جردني من أموالى أى تيفون إلى خطاياه إن المأساة الكبرى تحل بالمكان الذى يوجد فيه لقد عمد إلى الاستيلاء على الحكم بالقوة والعنف.
ونسى الاحترام لجلالتك لقد هاجم مصر دون علمك و دون أن يتلقى بكل تأكيد أمرا بذلك.
وهنا يتدخل (تحوتي) لينقل له طلب (إيزيس)، ويعرض عليه التهم الموجهة من (إيزيس) لست، أو ما قام ست (الفرس بفعلة داخل البلاد)، وقد قام المؤلف المصري عن طريق شخصية تحتوتي بوصف رائع لما فعله (الفرس) في مصر.
إقرأ أيضا : كمال زعلول يكتب: (إيزيس) .. والانتصار على ست !
وكأن المشاهد يشاهد خريطة مصر وما حدث فيها من (الفرس)، وهذا بالطبع ما أبلغت به (إيزيس تحوتي) لكي ينقله إلى سيد الآلهة (رع – حاراختى)، ويبدأ تحوتي في الحديث إلى سيد الآلهة ( رع – حاراختي ) بالثناء عليه ويذكره بأوامره وقوانينه التي وضعها.
(تحوتي): يا رع – حاراختى، أيها السيد الفريد الذي لا شبيه له، الذى يحكم ويعمل تبعا لكلماته التى تخرج من فمه فلا ترجع إلى الوراء أبدا، تذكر ما أمرت به حين شرعت القانون الذى فرضته على سلوك البشر.
وعلى وضع الآلهة، ومجلس شورى الملك فى قصره، والميثاق الذى أعددته أنا بأمر السيد (أتوم) بإعطاء مصر لحور، والصحراء لست عندما قسمت بينهم البلاد، وهو كراهية العنف، وحب العدالة ووضع الإبن مكان أبيه.
وها قد رأينا ست الشقى قد وصل على طرقاته، عاد كي يغتصب وينهب بيده، وقد أنتوى أن يسطو بالعنف والقوة على نحو ما حدث فى الماضى من تخريب للمدن وهدم هياكلها وإشاعة الفوضى في المعابد.
ما فعله ست (الفرس) في مصر
بعد هذه المقدمة ينقل له (تحوتي) عن لسان (إيزيس) ما فعله ست (الفرس) في مصر ونشاهد كيف مثل المصري القديم هذا الحدث في المدن المصرية والمعابد القديمة، ويتعرض أيضا لنهب سرقات البلاد وطعامها، والبداية من منف العاصمة، ثم يتبعها بباقي المدن المصرية:
لقد ارتكب الجرم، وعاد إلى الشر..
وأيقظ الفتن من جديد..
وألقى بالكوارث في الهيكل الأكبر لمنف..
وأشاع التمرد في منف..
أنظر أيضا، لقد نفذ إلى السرابيوم في منف..
وأنزل الكارثة بمعبد أويت..
لقد قطع شجرة ساؤزيس المقدسة..
واصطاد سمك البحيرة الكبرى..
اقتنص الحيوانات وألقى الشباك على الطير..
في معبد ذلك الذي يسود الدور..
مشى بخطى واسعة فى حت وعبت..
وتردد صدى صوته فى مجلس التاسوع الإلهى..
أثار الحرب وأشاع الفتنة..
عند آلهة منسوت..
وعاد يرتكب إثما كبيرا..
على شواطئ تيس..
أحدث الإضراب فى بوزيريس..
فعم الحزن مدينة منديس وإقليمها..
لقد احتل سرابيوم منديس..
ورفع صوته داخل جدرانه..
وحمل الشجرة المقدسة لسايس مدينة الإلهة نيت..
وأفسد حلى المعبد..
وأثار الفتن في الجبانة..
وحث على القتل في مدينة خرى محا..
لقد أدخل ما يبغضه آتوم..
في معبد التاسوع الإلهي..
أثار الحرب وبث الفتن..
في معبد أمون الأكبر فى الجبانة..
لقد عمد إلى الحرب وخلق المنازعات..
في معبد روح الشرق..
قصد صفط الحنة وعبر إقليم شنن..
وخرب شجرة النبق المقدسة التى تمثل خضرتها رخاء البلاد..
احتل غيضة ساؤريس المقدسة..
حيث يكثر شجر السنط الذى فيه الموت والحياة معا..
لقد شاء أن يأكل من لحم القط المقدس..
أمام أمه باسنت..
أنظر أيضا لقد تغذى بالسمك البوري..
فى مدن روح الشرق..
لقد ارتحل في حملة ضد جبانة طيبة..
في وجه رع الذى في السماء..
ونعم بمذاق الكبش..
فى معبد أمون المعظم..
ورفع يده على النبات المقدس..
فى وجه كبش منديس..
وفرض المذابح بين شعب بوزيريس..
وفى وجه أونوفريس المبرأ.
لقد نعم بمذاق سمك أبدو وأكل من البورى..
فى قاعة هليوبوليس الكبرى..
لقد ألغى الحفل الدينى، وسرق القربان..
فى قصر السيد الفريد الذى لا مثيل له..
فى قصره يدور الهمس ضد جميع الألهة..
وليس به من يتعبد فى اللحظة المطلوبة..
لقد اقتنص الصقر وصاد السمك اتنو..
في مواجهة شو وتفنية..
أنظر أيضا، لقد أوقع فى شباكة العجل آبس..
أمام خالق الكائنات..
أتى على لبن البقرة التي ترضع حور..
واصطاد البقرة المقدسة أم الإلة..
لقد ألغى طقوس بحيرة اشجار تمو..
وجفت بحيرة البقرة المقدسة..
لقد أعد مشروعا لكي يكون قاطع طريق، وشاء أن يفرض نفسه..
إن الشقاء ليبدأ في المكان الذي يوجد فيه، وهذا عكس ما أمرت به.
أحداث غزو (الفرس) في مصر
وبهذا التصوير الرائع يكون صور المصرى القديم أحداث غزو (الفرس) في مصر حتى تم طرده، ونعرف هذا من مقطوعة صغيرة تصور هذا الحدث، وتعلن ثانية أن مصر لحورس.
إننا نطردك ذليلا إلى بلاد آسيا..
فمصر تدين لحور وتخرج عليك..
ويردون الأذى الذي فعلته..
ويقضون بإلقائك في النار.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (إيزيس) وست.. الصراع المميت !
وكلمة (آسيا) هنا تدل على موطن (الفرس)، فست لم يكن من آسيا، ولكن رمز المصري القديم لـ (الفرس) بست فقط، وهكذا نرى نص رائع يصور لنا أحداث غزو (الفرس) لمصر، ويصور النص أن من تصدت له هى إيزيس (التي تلقب بالعرش).
وتستغيث (برع – حاراختي)، وتنقل له عن طريق تحوتي ما فعله المغتصب بمصر، ويبدو ان شخصية (إيزيس) الأم في المسرح المصري القديم، هى الشخصية التي تحافظ على عرش مصر، وتنقذه من أى معتدي.
خاصة بعد أن تنازل (جب لحور) ابنها عن ملك مصر، والمسرحية تصور في أبياتها كيفية طرد (الفرس) إلي موطنهم آسيا، ومن هذا النص الرائع نتعرف على جانب آخر من نصوص المسرح المصري القديم وهو يتعرض لـ (الفرس) الغازين.
ويصور ما فعلوه بطريقة رائعة، وهذا النص ليس دينيا رغم الرموز الدينية ولكنه يعد من النصوص السياسية الحربية التي تصور حدث احتلال (الفرس) لمصر.