بقلم : محمد شمروخ
غير معقول!.. لا يمكن!
كدت أفقد النطق وحملقت بعينى عدة مرات وأعدت تشغيل مقطع الفيديو مراراً وإيقاف الصور لإعادة الفحص والتدقيق وأنا أحاول التحقق مما سمعته بأن الفرقة الغنائية الراقصة في حفل افتتاح (موسم الرياض) قد صاحب أداءها في الخلفية تجسيم مضيء لبناء مرتفع يشبه الكعبة المشرفة، وقد بدا بالفعل شديد الشبه بها خاصةً في بداية العرض!.
وتمنيت من أعماق قلبي أن أكون واهما أو أن هذا الفيديو في مكان آخر ولا يقصد به ما تردد بأنه إشارة إلى الكعبة، لكن لم أستطع مغالطة نفسى أمام مشاهد لا يمكن تأويلها إلا بما أرادت أن توصله إلى المشاهدين وهم لا محالة سيدركون مغزاه!.
ولا أدرى ما الغرض من ذلك الأمر ؟!.. فكيف لم ينتبه له منظمو الحفل في (موسم الرياض) وكيف يمكن لهم أن يتحملوا تبعاته؟!
أم أن في الأمر تحد ما لمشاعر ربع سكان الأرض من المسلمين؟!
إقرأ أيضا : موسم الرياض 2021 .. إبهار بصري ساحر، ونقلة نوعية في حياة المواطن السعودي
نعلم أن هناك فورة ضد كل ما كان سائدا في المملكة العربية السعودية من فترات تشدد أدت إلى ما نعلمه جميعاً من نتائج سلبية على صورة المسلم، ولكن هل يمكن أن يستغل مصممو ديكورات حفل افتتاح (موسم الرياض) هذا الحدث للسخرية والاستهزاء من البيت الحرام الذى تلقب بخدمته ملوك السعودية؟!
كيف إذن وهم الذين جعلوا من خدمة الحرمين الشريفين مع تولي مسئولية مشاعر الحج، شرفا يفوق شرف لقب الملك ومقام يعلو على أى مسمى أو منصب مهما بلغ به الشرف والعلو؟!
لقد ظهر بجلاء في بداية الاستعراض في افتتاح (موسم الرياض)، شكل مكعب كبير الحجم أسود اللون لا يمكن أن تراه دون أن تلاحظ شبهه بالكعبة المشرفة إلى قرب التطابق.
المطربة والكعبة في (موسم الرياض)
ثم ما لبث أن انتقلت إليه صورة المطربة التى تؤدى الأغنية باللغة الإنجليزية وسط ضجيج الموسيقى ثم تتوالى على جنبات المكعب أشكال استعراضية مضيئة لها دلالات لا يمكن وصفها بالبريئة أو أنها بهدف الاستعراضات المبهرة!.
ولا أظن أن منظم هذا الاستعراض في افتتاح (موسم الرياض) قد تصادف معه شكل الكعبة، فهذا الزعم لا يقنع طفلاً لم يتعلم الكلام بعد!.
إذن فما هى الرسالة التى قصدها ويمكن أن تكون وراء ذلك؟!
فليس معنى أن تقام مهرجانات فنية في أرجاء المملكة العربية السعودية، أن ذلك يقتضي المساس بالمقدسات ولو بالإشارة المحتملة، بحجة أن التحرر الفنى لا يقف أمامه حرمة دين أو احترام لمقدسات.
فضلاً عن جرح مشاعر أكثر من مليارين من المسلمين في مختلف أرجاء العالم كله، يولون وجوههم كل يوم وليلة شطر الكعبة في صلواتهم، أيا كان موقعهم في العالم وكل منهم غاية مناه ان يحج إليها ويتعلق بأستارها، فكيف إذن حدث ما حدث؟!
ومن هذا الذي من مصلحته أن يختلق صراعا بين الفنون وبين الدين تكون نتيجته إحداث فتنة يمكن أن تؤدى إلى كوارث لا يتحملها أحد كما ظهر (في موسم الرياض)؟!
فبأى غرض ولمصلحة من؟!
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب: هل تسحب الرياض بساط الفن من القاهرة؟
هل يمكن لعمل فنى أن يصل الى الحد من النيل من المقدسات والسخرية من الشعائر؟!
ألا يعلم هؤلاء أن الكثيرين من أهل الفن أنفسهم ومن اتصلت أعمالهم بمجالاته، على اختلاف تخصصاتهم وثقافتهم، يحرصون على أداء العمرة في حال زيارتهم لأراضي المملكة العربية السعودية في مناسباتها الفنية المختلفة.
ولا يمكن لهم أن يقبلوا بتلك الإشارة الخبيثة التي وقعت في العرض المغرض والداعى للفتنة على بعد مرمى حجر من الحرمين الشريفين.
احترام المقدسات في (موسم الرياض)
ألا يدرون كم بكى فنانون وفنانات (بل ومن بينهم راقصات لم يعرف عنهن اى اهتمامات دينية قبل ذلك) تحت جدران الكعبة في مكة المكرمة أو أمام قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة؟!
فمن ذا الذي يزعم أن الفن يعنى التخلى عن العقيدة الدينية أو أن الفنان لابد له من احترام المقدسات في (موسم الرياض)؟!
إن احترام الدين يبقى راسخا في نفوس الكثير من أهل الفن، حتى لو كان هناك اشتهر عنهم بعض السلوكيات أو المخالفات في حياتهم الشخصية أو في بعض الأعمال الفنية التى لا تتفق مع أوامر ونواهى الدين.
هناك شخصيات لا حصر لها في الوسط الفني معروفون بتدينهم ولم يتخلوا عن الفن رغم أن أدوار بعضهم كانت تبدو غير ذلك، مثل حسين صدقي وعباس فارس ويحيى شاهين وحسين الشربيني وكثيرين لا يمكن حصرهم بسهولة.
إقرأ أيضا : عبدالرحمن بن مساعد : نباح الكلاب الضالة لم يعد يؤثر في (السعودية)!
ولا أعلم إن كانت الضجة التي أعقبت هذا الحدث مع تداول مقطع الفيديو من (موسم الرياض) على العديد من مواقع شبكة الإنترنت، قد وصلت إلى السلطات السعودية، أو أن هناك تحقيقاً قد جرى، فالأكثر غرابة في الأمر هو هذا الصمت المطبق حيال ما حدث!
فلا حديث عن بيان صادر بالنفي أو الإنكار أو الاستنكار أو حتى الادعاء بأن هذا الفيديو مع بقية الفيديوهات المنتشرة عن الحدث والتى تحمل تعمد انتهاك التقاليد الأخلاقية العربية المعروفة عن مجتمعات شبه الجزيرة العربية.
الأمر في غاية الخطورة ولا يمكن أن يمر هكذا لأنه ستكون لا محالة له تبعاته الأكثر خطورة، ليس على أمن المملكة العربية السعودية وحدها، بل على أمن المنطقة العربية كلها، لأن ما حدث لن يمر مرور الكرام حتى بين المعتدلين، فالاعتدال لا يعنى أبدأ التفريط في صون المقدسات.
فتنة في (موسم الرياض)
إذن فهناك استفزاز واضح وبين للمشاعر العامة ومحاولة لإشعال فتيل فتنة في (موسم الرياض)، لن تكون في مصلحة أحد خاصة أن ما حدث يتوازى مع نيران متأججة يتصاعد لهيبها من غزة.
تحت ضربات قوى غاشمة تهدف إلى إبادة جماعية ومحاولات تهجير قسري لسكان غزة، في وقت تعالت في الأصوات تطالب بتأجيل (موسم الرياض) الترفيهى بسبب شلالات الدم التى تسيل وانشغل بها كل بيت في المنطقة العربية.
ولا فرق هنا بين بيت مسلم أو مسيحي، وضحت صفحات التواصل الاجتماعي على الإنترنت غضباً وحزناً، فهم يستشعرون أن الخطر لن يقف على حدود غزة مع حشود لا مبرر لها، من أساطيل وحاملات طائرات تمخر عباب البحار لا ندرى متى أو على من، سوف تفتح نيرانها!.
وعلى ذكر النيران.. راجع الفيديو الخاص بالاستعراض المستفز والملعون في (موسم الرياض)، ستجد الشكل المكعب المشابه لشكل الكعبة وكأنما تشتعل فيه النيران!.
أترى كل ذلك مجرد مصادفات قدرية؟!
إذا حاولنا أن نتلمس الأعذار بأنه هناك مواعيد وحجوزات وارتباطات حالت دون إلغاء أو تأجيل (موسم الرياض)، فما هو العذر الذي يمكن القبول به فيما حدث ليلة الافتتاح؟!
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فلا أختم المقال إلا بتوجيه تحية إلى الفنان الكبير حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي بسبب القرار الخاص بإلغاء مهرجان هذا العام احتحاجا على تلك المجازر اليومية التي ترتكب ضد سكان غزة، فلابد أن يكون موقف ولابد من احتجاج ولا نامت أعين الجبناء!