بقلم الدكتور: كمال زغلول
بعد حديثنا في المقالة السابقة؛ عن نشأة العرض المسرحي في مصر القديمة، وتعرفنا على القواعد الخاصة بالعرض المسرحي، فإننا نعرض في هذه المقالة نشأة الأدب التمثيلي المصري، وكيف كون المصري القديم أدب تمثيلي، مؤسس وفق أسس وقواعد سابقة عن أرسطو، وبداية لم ينشأ الأدب التمثيلي المصري من تراتيل خاصة بـ (أوزيريس)، كما حدث في اليونان القديمة، ولكن هذا الأدب له مصادر استمد منها المصري القديم موضوعه المسرحي، ومصدر هذا الأدب هو بلدة (أمنتت) وقد ذكرت في متون الأهرام بأنها بلد قول الحق.
ويرمز لها بأنها (جبل المغيب) حيث تهبط جميع الآلهة ويتصارع من أجله كل فرد، ويعتقد المصريون أنهم أبناء الذين سكنوا الأمنتت، وكان جب ملك الأمنتت وهو والد أوزيريس وست وإيزيس ونفتيس.
وقد تنازل عن الحكم لابنه أوزيريس، والذى اعتبر مولده بمثابة المعجزة، ثم بعد ذلك انتقل الحكم لحفيده حورس، ويعتبر الفراعنة أنهم خلفاء جب في السياق التاريخي، ومن تلك المملكة القديمة أمنتت نسج المصري القديم أسطورة إيزيس وأوزيريس، وست ونفتيس ابناء جب ونوت.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: المسرح في مصر القديمة (1)
وتكونت الأسطورة من تاسوع يعدوا آلهة وهم (أدوم ، شو، وتفنوت، وجب ونوت وإيزيس وأوزيريس، وست ونفتيس)، وبتحليل هذا التاسوع سنجد أن أتوم أو أدوم قد خلقه الإله خنوم من الطين والماء، وأطلق عليه اسم أتوم أو أدوم، وعندما شعر بالوحدة خلقت الألهة له أشيت أو اشتى زوجته.
وتلك القصة موجودة في معبد إثنا في سمنود، وبالتحليل الدقيق سنجد أن أتوم أو أدوم هو أدم، وزوجته إشيتي تعني التي تحيا وهى حواء، ومن هنا يتضح أن المصرى القديم يعتبر جده الأول أدوم ووضعه ككبير الآلهة ، ويسقط (إشيتى) من التاسوع ثم يظهر جب ونوت ويعتبرهما تجسد للأرض والسماء.
ويدخل بعد ذلك في الذرية بالأبناء الأربعة والصراع على حكم مصر أو بمعنى أصح مملكة الأمنتت الأولي، لقد عبد المصريون الآباء الأوائل، ونسجوا أسطورة سياسية بحته وغلفوها بإطار ديني مخترع من قبل الكهنة.
أوزيريس وأخيه ست
لذلك دائما يقال أن المصريين عبدوا إله واحد وأضافوا إليه آلهة، وهذه الآلهة قام بينهم صراع على حكم مصر متمثلا في أوزيريس وأخيه ست، ونجم عن هذا الصراع ظهور المسرحية، والتي يطلق عليها مسرحيات دينية ، وهنا نقف ونتعرف على الشكل الأدبي التمثيلي، للمسرح المصري، من خلال البرديات المترجمة في موسوعة الأساطير والرموز المصرية القديمة.
أولا: الصراع
والصراع هنا يعني وجود قوى متصارعة ، متمثلة في أوزيريس وست ، فكلاهما لهم اتباع وقد قامت حرب ضروس بينما لمدة 26 عام وقسمت مصر إلى وجهين البحري والقبلي، وانتهت بانتصار أوزيريس وحكم مصر.
ثانيا: المأساة
بعد هذا الانتصار يتعرض أوزيريس إلى محاولة الاغتيال الأولى من قبل أخيه ست، ويتم القبض عليه والمفروض يقتل، إلا أن أوزيريس عفى عنه وذبح ثور مكانه، ثم بعد ذلك يقتل ست أوزيريس في محاول القتل الثانية.
ثالثا: الأزمة (التأزم)
موت أوزيريس مثل فجيعة كبيرة إلى أتباعه وشعبه وهنا تظهر إيزيس على مسرح الأحداث، ويظهر دورها في إحياء أوزيريس بطريقة خرافية، ويعود للحياة إلى أن يقتل ويصبح إله لعلم الموتى.
رابعا: الانفراجة
أوزيريس العائد للحياة
تحمل إيزيس من زوجها العائد للحياة أوزيريس بالطفل (حورس) يحاول ست مطاردة ايزيس لقتل حورس الذي أصبح وريث أبيه ، ولكنها تهرب به إلى الأحراش إلى أن يكبر، وتبدأ الحرب بينه وبين ست على أثرها يفقد حورس عينه اليسرى، ويفقد ست خصيته (رمزية على انقطاع نسله) .
خامسا: الشكل البنائي للعمل الأدبي
أ – الحبكة وهى البناء الشكلي للعمل الأدبي التمثيلي، وهذا ما نلاحظة في ما مر علينا من ما تم إنقاذه من البرديات أو الصخور التي كتبت عليها، فهى بدايتها موضوع الخلق ونهايتها جكم مصر من قبل حورس.
ب – الزمن داخل الحبكة مفتوح بعدد السنين.
ج – المكان أماكن متعددة حدث بها الأحداث.
هـ – الشخصيات متعددة تظهر بأبعادها الثلاثة ولها بعد رابع أسطوري بجانب الكورس.
و – الحوار ثري.
س: الأحداث مترابطة.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: أوزوريس في مسرح مصر القديمة (2)
ونعرض جزء من حوار إيزيس تطبيقا على ما سبق، ونرى المكان والزمان والحوار التمثيلي المشبع بالمشاعر، ووصف الماضي والحاضر، وحالة الشخصية.
وصرخت قائلة: وا بؤساه ها هو ذا طفلي يهلك جوعا: وثدياي هواء، وإن فمه ليبدو فاترا طلبا للغذاء، وا طفلاه لقد نضب المعين ولقد خلت أني بتركي إياه أعينه على أن يعتمد على نفسه، ألا ما ابشعه من جرم أن يترك طفل لا حول له زمنا طويلا وما به من قدرة على استخدام الجرة وحده، ولقد خشيت أن يحضر أحد على صوتي.
أبي في الجحيم وأمي في مملكة الموتى، وأخى الأكبر في التابوت بعد أثخنه أعداؤه جراحا وقتله ذلك الذى يغلى قلبه حقدا على ويكيد لي في بيته، بمن من الرجال استغيث ومن منهم اجد في قلبه الحنان لي؟ أنى أفزع إلى سكان المستنقعات عساهم أن يخفوا (يأتوا مسرعين) إلى وشيكا.
إن الأدب المصري القديم اعتمد على مفهوم فن التمثيل، ونظريته نظرية تمثيلية، ولا يغيب عنا أن أرسطو كان تلميذ في المدارس المصرية، وبعد ما ممرنا على الأدب التمثيلي المصري وعرفنا كيف كون المصري القديم أسطورته التي هى مصدر مسرحه وأدبه التمثيلي.
نعلم أن مصر لها سبق كبير في المسرح وأدبه، ومن الخطأ أن نقيس الأدب أو المسرح المصري بمقاييس الدراما الأرسطية، أو نطلق على المسرح المصري كلمة دراما، بل نطلق عليه المسرح المصري لأنه هو من علم اليونانيين المسرح، وجميع القواعد التي وضعها أرسطو التلميذ في مدارس مصر كان المصريون على دراية بها ويطبقونها في أعمالهم.