كيف أصبحت أغنية: والله زمان يا سلاحي ، النشيد القومي المصري
كتب : أحمد السماحي
اليوم نحتفل بمرور 71 عاما على اندلاع ثورة 23 يوليو 1952، ومن الأغنيات الوطنية التى إرتبطت بالثورة إرتباطا وثيقا أنشودة والله زمان يا سلاحي، التى أصبحت النشيد الوطني لمصر لمدة 19 عاما وبالتحديد من عام 1960 وحتى 1979، هذه الأنشودة الخالدة التى كتبها عبقري مصر صلاح جاهين، ولحنها المبدع المتطور كمال الطويل توقفنا معكم عند خلال الأيام الماضية عن حدوتة ولادتها وكيف طلبت سيدة الغناء العربي أم كلثوم أن ترى كمال الطويل، بعد أن إستمعت إلى ألحانه بأصوات (سعاد مكاوي، محمد قنديل، فايدة كامل، عبدالحليم حافظ، نجاة)، وظروف كتابة وتلحين أغنية (والله زمان يا سلاحي).
كمال الطويل ووالله زمان يا سلاحي
وتوقفنا في الحلقة الماضية عندما اعترفت كوكب الشرق أم كلثوم بصعوبة الكوبليه الأخير من والله زمان يا سلاحي، واعتراف كمال الطويل أيضا بهذه الصعوبة حيث قال: (أعترف الآن أنني قلت كلمات الكوبليه الأخير بموسيقى صعبة ومرهقة لأي مطرب أو مطربة، حتى أم كلثوم بكل قدرتها سألتني رأيي بعدما انتهت من تأدية الأغنية، فقلت لها بحماسة ضخمة لا حدود لها: (عظيمة وعظيمة يا ست، كنت رائعة، خصوصا الكوبليه الأخير)، فردت بصوت هامس وخافت هذه المرة: (كنت حاموت يا كمال، دي متعبة أوي أوي)، فقلت لها وأنا صادق جدا: (يا سلام يا ست لكنك أديتيها كويس أوي، بشموخ، بعظمة) فنظرت إلي بطيبة وقالت : (أجهدتني يا كمال) قالتها بإحساس لا مثيل له على الإطلاق، احساس قوي.
إقرأ أيضا : تعرف على أغنية كمال الطويل التى لحنت وكتبت على صوت القنابل
يستكمل الموسيقار كمال الطويل في هذه الحلقة ذكرياته عن نشيد والله زمان يا سلاحي، فيقول: بعد إذاعة النشيد ردده الشارع المصري بقوة، ومن بعده الشارع العربي، ولم أشعر يومها أن هذا اللحن ملك لي، أو أنني أنا الذي لحنته، ولكني شعرت أن هذا النشيد انطلق من قلب الشعب المصري إلى عقل الشعب العربي كله، انه ليس لحني، ولكنه لحن كل مصري وكل عربي، لهذا رددته الملايين لأنهم أحسوا أنه انطلق منهم وإليهم.
والله زمان يا سلاحي والوحدة
عام 1958 وبعدما تمت الوحدة بين مصر وسوريا أقيمت مسابقة لاختيار موسيقى للسلام الوطني، وتقدم لهذه المسابقة 67 مؤلفا موسيقيا، اثنان للموسيقار محمد عبدالوهاب، تقدم الكثيرون، وأنا لم أكن قد تقدمت أساسا لهذه المسابقة، لأنني كنت وبإستمرار على يقين من أن الأعمال القومية الوطنية مثل السلام الوطني أو شعار دولة، لا يولد أو يأتي إلا من خلال معركة قومية، أو حدث وطني كبير يخرج منه عمل من هذا النوع ، مثله مثل (المارسيليز) النشيد الفرنسي الشهير الذي خرج من قلب الشعب الفرنسي خلال ثورته، وردده الجميع، عموما لم تكن بذهني حكاية السلام الوطني هذه، لقد دفعني إحساسي خلال حرب 1956 إلى تقديم والله زمان يا سلاحي، لأنني رأيت أنه لابد من أن تكون هناك مشاركة فنية.
يضيف كمال الطويل: ما حدث بعد ذلك هو الآتي: فوجئت في يوم من الأيام بالأستاذ محمد حسنين هيكل يتصل بي هاتفيا ويقول: (مبروك يا كمال!)، فقلت له: شكرا، ولكن خير مبروك على ماذا بالظبط؟! فقال : (مبروك على اختيار لحنك والله زمان يا سلاحي، من جانب اللجنة التى يرأسها جمال عبدالناصر لاختيار السلام الوطني لدولة الوحدة، وعلى فكرة مبروك مرة ثانية لأنك ستأخذ 5 ألاف جنية القيمة المادية للجائزة)، فقلت له بحيرة: (أستاذ هيكل، أسمح لي بأن أقول لك أنني لا أفهم ولا أستوعب الموقف جيدا؟)، فقال: (المسألة ببساطة أن اللجنة هذه كانت قد رصدت للفائز في المسابقة 5 ألاف جنيه، وقد اختير لحنك على الرغم من عدم تقدمك للمسابقة، لكن هذا لا يمنع من أنك فزت بالـ 5 ألاف جنية).
كمال الطويل والجائزة
انتهى الأمر عند هذا الحد، ثم بعد فترة اتصلوا بي طالبين الجزء الذي اختاره من اللحن موزعا ليتواءم مع العزف على الآلات النحاسية الخاصة بفرق الجيش الموسيقية، وفعلا انتهينا من المهمة وأعطيناهم المقدمة الموسيقية للنشيد موزعة، وانتظرت أن يتصل بي أحد ويقول ويقول لي تفضل خذ جائزتك، ولكن أحدا لم يتصل فلم أهتم بالأمر كثيرا، إلى أن كان يوم 23 يوليو 1962، يومها قدمت لحن (مطالب شعب).
بعد انتهاء الحفلة بنجاح وصافحنا الرئيس جمال عبدالناصر، وبعد السلام فوجئنا به يقف بعد السلام ويناديني قائلا: كمال أنت أخذت جائزة السلام الجمهوري والله زمان يا سلاحي ولا لأ؟! قلت له: (لم أخذها يا ريس ولكن خلاص بقى!) فرد بصوته القوي المميز: (خلاص إزاي!)، ونادى على كمال الدين حسين وقال له بحدة وغضب (لماذا لم تعطوه حقه حتى الآن؟!)، فقلت له مخففا الأجواء: (خلاص يا ريس الحمد الله فرجت عن طريق آخر، وأصبحنا تمام والحمد الله).
فقال بسماحة لا أنساها أبدا: لا لا ربنا يفتحها عليك أكثر وأكثر لكن هذا حقك، ولابد من أن تأخذه يا كمال، وكان وأخذت حقي.