كتب : أحمد السماحي
منذ أيام وقع النجم المثير للجدل محمد رمضان بطولة الجزء الثاني من مسلسل جعفر العمدة ، تأليف محمد سامي، ومهاب طارق، إخراج محمد سامي، مع المنتج محمد السعدي، وقد أشعل الخبر مواقع التواصل الاجتماعي، وانقسمت الآراء ما بين مؤيد ومعارض، فالبعض يرى أن المسلسل حقق نجاحا كاسحا في الشارع المصري والعربي، ومن حق أسرة المسلسل استثمار هذا النجاح بعمل جزء ثان، والبعض الآخر رأي أن نجاح المسلسل مزيفا ويندرج تحت مسمى عمل تجاري بحت لا يحتمل جزء ثان، لأنه كان مليئا بالسلبيات التى تعمل على هدم قيم المجتمع، وتنشر العنف، وتحرض الناس على الابتعاد عن القانون!
جعفر بعيد عن العادات والتقاليد
بعيدا عن هذا وذاك، فأسوأ ما ظهر فى جعفر العمدة عدم احترام الصغير للكبير، وهو مخالف للعادات والتقاليد التى تربينا عليها ومخالف لتعاليم الإسلام التي تدعو للاحترام، حيث شاهدنا (جعفر) يصفع أخوه الكبير (سيد) أمام العائلة بسبب ضرب (سيد) لزوجة جعفر، واعتماد المسلسل في معظم حلقاته على القوة البدنية والعنف، والعمل على ترسيخ مفهوم البقاء للأقوى بشكل متعمد مما يؤدى بالمجتمع إلى صور سلبية وعدوانية يتقمصها جيل الشباب والمراهقين، وللأسف يدفع ثمنها الشعب على شكل تحرش وإهانة الزوجات وعدوان سافر في خروج على القانون وضربه عرض الحائط.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: (جعفر العمدة).. دراما التشويق الرخيص!
كما أظهر المسلسل البطل جعفر العمدة بصورة إيجابية – على عكس الواقع المعاش – جعلت كثير من المشاهدين يتعاطفون معه، وهذا ما انعكس سلبيا على أرض الواقع، فأثناء عرض المسلسل بدأ الشباب المراهق خاصة في القرى والمناطق الشعبية ينزلون للشوارع وهم عراة الصدر، ويعيدون نفس مشاهد المعارك كما هى في تقليد أعمى، وطبعاً هذه المشاهد كان لها الأثر السلبى والتراكمات العدوانية بين فئات المجتمع، وذلك برغبة كل منهما أن يثبت أنه يقلد شخصية (جعفر) الفتوة الذي لايلجأ إلى القانون لحل مشكلاته، ولكنه يقوم بضرب وسحل وإهانة أى شخص بقوته دون مرجعية قانونية.
وهو الأمر الذى غاب عن مؤلف جعفر العمدة الذي يجنح نحو الخيال الواهي، فضلا عن إهانة المسلسل للمرأة وإظهارها بدور الجارية والمحظية التى تنتظر سيدها وتاج رأسها لتسعده بأنوثتها، حيث قدم المسلسل شخصية (جعفر) بأنه مزواج ومتعدد الزوجات، والكارثة أنه يضع الزوجات الأربعة فى بيت واحد مع توزيع الأدوار، والسعادة المطلقة التى ترفرف على الجميع دون أدني مبرر منطقي، وهذا طبعا غير متواجدا في الواقع، حيث نرى مشاهد مختلفة تماما مثل الغيره والخلافات الشديدة التى تصل أحيانا إلى اتفاق الزوجتين على ضرب الزوج!
كما ظهر جعفر العمدة كرجل يعمل بالربا ولكنه فى نفس الوقت رجل لا يقبل إلا الحق، وهنا يجمع المتناقضات فى شخص واحد وهو ليس بالأمر الطبيعي نفسيا ولا اجتماعيا، ولاحتى له مبرر سياسي يمكن أن يركن إليه في ظل ضغوط اقتصادية تعصف بالبلاد والعباد.
منع النقد السلبي لجعفر العمدة
النقطة التى يجب أن نوضحها والتى نعلنها على الملأ – ورزقنا على الله! – هى غياب النقد الموضوعي للمسلسل بأوامر صدرت من جهة ما لكافة رؤساء تحرير الصحف المصرية جميعا (القومية، والخاصة، وحتى الحزبية)، وكنت شاهدا على العديد من الحالات لبعض الزملاء والأساتذة الكبار التى منع نشر مقالاتهم وكتاباتهم النقدية للمسلسل، وليس هذا فقط فقد تم حذف الكلام الذي ينتقد أسلوب البطش من مقال لأحد الكتاب الكبار واستبداله بكلام إيجابي في حادثة لم تشهدها الصحافة المصرية على مر تاريخها الحديث والقديم.
وفي هذا الصدد نشرنا في (شهريار النجوم) مقال لكاتب كبير تم منعه في جريدة كبرى، لأنه تجرأ وقال فقط أن (حي السيدة زينب) ليس هو الحي الذي ظهرت فيه أحداث مسلسل جعفر العمدة وإنما جاء على غير الحقيقة التي تشهد بصفاء سريرة أبناء الحي العريق!
إقرأ أيضا : جعفر العمدة يهين المرأة و (ستهم، وتحت الوصاية، وحضرة العمدة) ينصفونها!
وبالتالي نجاح (جعفر العمدة) هو نجاح لنوعية من الجماهيري المغيبة فقط، وليس نجاحا نقديا قائما على أسس موضوعية من حيث الشكل والمضمون، بل هو نجاح ناقص لأن النقد هو الضلع الثالث في أي عمل فني، وهنا تحضرني مقولة كاتبنا ومفكرنا الكبير يوسف إدريس، التى قالها عن النقد حيث قال: (إن الحركة النقدية في كل بلاد العالم تقف موقف الغرابيل والمناخل من الإنتاج والمنتجين، وهو موقف حيوي وخطير، فلولا الغرابيل والمناخل في المطاحن لأكل الناس الخبز مختلطا بالطوب والزلط والتاتورة، ولأصيب الناس بالتسمم، وعاش آخرون في حالة غيبوبة!).
وبالفعل نحن نعيش حالة غيبوبة درامية، واستجداء للنجاح المصتنع أو بفعل متعمد من جانب الشركة المنتجة، وكأنه لأول مرة ينجح لنا مسلسل نجاحا جماهيريا كبيرا، فنسارع بعمل جزء ثان من جعفر العمدة، رغم أنه لا يوجد خط درامي واحد مفتوح كان ينبأ بوجود جزء ثان، وبالمناسبة لست هنا ضد عمل جزء ثان أو ثالث أو حتى عاشر، لكن لابد من وجود حتمية درامية، أو أن تكون الأحداث والأبطال ما زال لديهم شيئا يريدون إيصاله للجمهور في صورة رسائا إيجابية وهدف أسمى للدراما.
جعفر العمدة والجزء الثاني
السؤال: هل بطل جعفر العمدة في الجزء الثاني مثلا سيذهب للحج، ويتوب عن الزواج ويكتفي بزوجه واحدة، ويوزع ماله الذي جمعه من الربا على الفقراء والمحتاجين على أهل السيدة زينب التى يعيش فيها؟، أشك لأنه أنهى مسلسلة بقوله لأمه (زوجة واحدة لا تكفي)، ثم هل لسان (صفصف) العسل سيتوقف عن التلاسن والتهكم؟، وهل شوقي فتح الله سيتوب في السجن عن ذنوبه؟، أم أننا سندور في فلك جعفر العمدة، وزواجاته، وخلافاته مع (شوقي فتح الله) بعد خروجه من السجن؟!.. كلها أئلة منطقية تبحث عن إجابة حائرة!
حتمية جعفر العمدة الدرامية
يا جماعة الخير عمل جزء ثان من أي مسلسل لابد أن يكون له مقدمات وحتمية درامية تدفع بالأحدااث نحو الإثارة والتشويق، لكن استثمار نجاح جماهيري مزيف فقط لايكفي، فهذا إفلاس فني صارخ، وعلمتنا التجارب السابقة أن استثمار النجاح دائما لا يحقق نفس النجاح، والدليل ما حدث في رمضان الماضي حيث لم يحقق الجزء الثاني من مسلسل (رمضان كريم) نجاح يذكر في الشارع المصري، عكس الجزء الأول، كما سقط الجزء السادس من مسلسل (ليالي الحلمية) قبل سنوات، تأليف عمرو محمود ياسين، وأيمن بهجت قمر سقوطا مدويا، رغم أن المسلسل كان (برند) وواحدا من أشهر أعمالنا الدرامية على مدى تاريخها، وغيرها من الأعمال التى لم يحقق الجزء الثاني نجاح الجزء الأول.
أسامة أنور عكاشة حالة مختلفة
إذا كان البعض ينظر إلى أعمال (أسامة أنور عكاشة) ويقول: (اشمعنا ما تكلمتوش عنه)، نقول أن أي مسلسل من أعمال هذا المبدع الكبير كنا نعلم مسبقا ومع بداية مسلسل مثل (الشهد والدموع) أنه سيكون له جزء ثان، وكذلك (ليالي الحلمية، والمصراوية، وزيزينيا، وأبواب المدينة)، المسلسل الوحيد الذي فوجئنا بوجود جزء ثان كان (أبوالعلا البشري)، الذي جاء بعد مرور حوالي عشر سنوات، وكان وجود جزء ثان ضروريا للغاية لحدوث العديد من المتغيرات الاجتماعية التى حدثت في المجتمع المصري، التى كنا في شوق ولهفة لسماع رأي (السيد أبوالعلا البشري) فيها!
في النهاية لابد أن نوجه تحية كبيرة للمنتج الكبير صاحب الإنتاج المحترم الراقي جمال العدل، فعندما حقق مسلسله بـ 100 وش للمخرجة المبدعة كاملة أبوذكرى، نجاحا ساحقا منذ ثلاث سنوات، وطالب كثير من الجمهور بجزء ثان، لم يرضخ لهذه المطالب، لأنه كان يعلم أن الجمهور توحد مع الأبطال النصابين الذين يتمتعون بخفة ظل عالية، وبالتالي تقديم جزء ثان فيه مخاطرة كبيرة على النشء والأجيال الجديدة، فهو يعلم جيدا أن المشاهد في المنازل يكون في حالة استرخاء نفسى وعصبى وبدنى، وبالتالي يكون تأثير الدراما واستقرارها فى الذاكرة أكبر وأكثر استمرارا، لهذا ابتعد عن تقديم جزء ثان من المسلسل رغم نجاحه الساحق، ورغم أن العمل كان يتحمل جزء ثان، وثالث، فهو قائم على عمليات نصب تحدث يوميا، وجشع وطمع الناس لا ينتهي!
إقرأ أيضا : إسلام كمال يكتب: (متلازمة جعفر العمدة)!
أخيرا ونحن نتمنى النجاح والتوفيق لكل فريق عمل الجزء الثاني من مسلسل جعفر العمدة ويكون خيال المؤلف والمخرج محمد سامي متفوقا علينا جميعا ونستمتع بعمل راق.. مع أني شك في ذلك لعدم توفر الظروف الموضوعية التي من شأنها تحول أحداث المسلسل إلى واجهة طبيعية تقدم فنا يغري على النجاح القائم على أسس موضوعية تضعه في مصاف الأعمال الجيدة في تاريخ الدراما المصرية!.. ومن هنا أقول: كفوا عن العبث بالدراما المصرية التي أصبحت في زيل الدرامات العربية بفرط من سذاجة متعمدة تنال من القوى الناعمة في وقت نحتاج فيه إلى استنهاض الهمم والحث على القيم التي تصب في مجال التنمية والرقي بالمجتمع المصري الذي يعاني ظروفا اقتصادية تفرض سطوتها على رقاب البلاد والعباد!.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
كل التحية و التقدير لمقالك الرائع الشجاع عن ذلك العمل الفنى الذى حاول إحتلال عقولناو نسال الله لك و لنا السلامة