بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
مع بداية شهر رمضان المعظم كل عام يبدأ صراع بين المسلسلات ليفوز أحدهم بلقب الأفضل أو يصبح (الترند) بلغة العصر، و هذا الصراع هو ميراث سنوات سبقت كان فيه الموسم الرمضانى هو الموسم الوحيد للمسلسلات حتى أن أكبر القيادات الإعلامية قبل ثورة يناير اضطرت للتدخل بنفسها لحسم الخلاف بين كبار النجوم على مواعيد العرض في الشهر الكريم، و ظل الصراع كما هو حتى بعد ظهور الفضائيات، ولكن في السنوات الأخيرة و مع ظهور المنصات وانتشارها لم يعد (رمضان) فقط هو الموسم الرائج، فوجود المنصات وضرورة أن تمتلئ طوال الوقت بالأعمال الجديدة التي تشد الجمهور كسر تلك القاعدة، وبدأت مسلسلات تظهر على المنصات تحقق نجاحا ضخما يوازى نجاحات مسلسلات رمضان وربما أكثر، وساعدت تلك المنصات في ظهور نجوم جدد، و لكن من نعتقد أنهم (سوبر ستار) لم تجذبهم المنصات بعد وظلوا على المنوال القديم من الصراع الرمضاني.
و في حقيقة الأمر أن الصراع ليس بين الأعمال ولكن هو صراع بين النجوم، ليحقق كل منهم حلمه بأن يظل على القمة، وكأن هذه القمة لا تتسع لأكثر من نجم؟، ومن أجل هذا الصراع يحشد كل نجم أسلحته لمواجهة الغير، ومعظمهم يلجأ إلى (خلطة معروفة و مجربة للنجاح) فيكررون أنفسهم، و لكن أيا ما كانت الأسلحة،فالتغيير هو سنة الحياة – وهذه قاعدة لا يلتفت اليها كثيرون – فالذوق العام يتغير كل عدة سنوات – في الغالب كل عشر سنوات – أو مع الأحداث السياسية أو الاقتصادية الكبرى، ومع كل جيل جديد يظهر نجوم جدد سرعان ما يتربعون على القمة، ولكن رغما عنهم يتنازلون عنها بعد فترة بحكم حركة التاريخ و تغير الأذواق.
الغريب في الأمر أن بعض النجوم يسعون إلى نهايتهم وهم يظنون أنهم يحافظون على نجوميتهم، و تؤدى أسلحتهم إلى سقوطهم، فهؤلاء البعض يظن أن عليه تكرار ما نجح فيه لكى يحتفظ بمكانته، وبالتالى يفرض على العمل وجهة نظره وطريقته وأسلوبه الذى يتكرر حتى يمله الجمهور، و الأمثلة كثيرة – و لكن لن نذكر أسماء منعا للإحراج – و لهذا نسمع قصصا مخجلة عن تدخلهم في سير أحداث العمل ويفرضون على المؤلفين والمخرجين وجهات نظرهم، و يمضى المؤلف يعدل ويبدل حتى يرضى النجم ساحقا في طريقه من أجل هذا الرضا كل قواعد الدراما وحتى المنطق، بل سمعنا أنه وصل الأمر بأحد النجوم إلى إعادة كتابة بعض المشاهد أثناء التصوير ويفاجئ زملائه بالمشاهد الجديدة ويفرضها على الجميع – مؤلف و مخرج و ممثلين – بسطوة نجوميته!
لا يمكن بالطبع أن نغفل أن هناك نجوما ظلوا لفترات طويلة على القمة كاستثناء لتلك القاعدة – كالنجم عادل إمام ومن قبله النجم فريد شوقى – و لكنه استثناء يثبت القاعدة و لا ينفيها، فبقاء هؤلاء النجوم كان بسبب قدرتهم على تغيير جلودهم ونمط الشخصيات التي يقدمونها، لم يلاحظ نجوم (النمط الواحد) أن كلا من عادل إمام وفريد شوقى وغيرهما ممن عاشوا طويلا مروا بمراحل متنوعة، فعلى سبيل المثال لا الحصر: هل فريد شوقى في (الفتوة) هو نفسه في (و بالوالدين إحسانا) أو (البخيل)؟، هل عادل إمام في (عنتر شايل سيفه) هو نفسه عادل إمام (اللعب مع الكبار )؟، تخيلوا معى لو كان عادل إمام أصر على تعديل أى سيناريو – مثل نجوم اليوم – مما كتب وحيد حامد ليشابه بقية أعماله؟، أو تخيلوا معى لو أجبر شريف عرفة على تغيير اخراج مشهد النهاية في (طيور الظلام) حتى يظهر وحده في الكادر؟
لقد سمعنا ممن عملوا مع الاثنين أنهما يطيعا تعليمات المخرج ويلتزما بالسيناريو المكتوب، و أنه لو هناك خلاف فالحل في النقاش أو الاعتذار عن العمل، وكلنا نذكر الواقعة الشهيرة عندما تم عرض مسلسل (رأفت الهجان) على عادل إمام و اعترض على موت البطل في الحلقة الأولى وأصر المؤلف صالح مرسى والمخرج يحيي العلمى على وجهة نظرهما ولم يترددا في تغيير نجم النجوم، وإسناد الدور لمحمود عبد العزيز، ونجح المسلسل وأصبح أيقونة من أيقونات الفن دون الاعتماد على نجومية عادل إمام ، وكان النجاح مشهودا ليس في مصر فقط، فلقد رأيت بنفسى كيف كانت شوارع إحدى العواصم العربية تخلو تماما في وقت إذاعة المسلسل، وكسبنا عملا جيدا ونجما جديدا، وكسب المؤلف و المخرج – رحمهما الله – احترامهما لنفسيهما.
والحقيقة أن مشكلة تدخل النجم لا نعانى منها في منطقتنا العربية وحدها، بل هناك قصص تروى في بلاد الغرب عن مثل هذا التدخل، لعل من أشهرها ما تم ما بين اثنين من أعظم الفنانين، الأول هو الممثل والمخرج الإنجليزى الشهير الحائز على لقب سير (جون جيلجود) والثانى أسطورة القرن العشرين في الإخراج المسرحى (بيتر برووك )، فأثناء البروفة الأولى لعمل جمعهما اعترض (جيلجود) على طريقة تمثيل أحد المشاركين في عصبية واضحة ولم يرد (برووك) على الانفعال خاصة وأن (جيلجود) اعتذر عن تدخله سريعا، ولكن ظل ذلك الممثل في دوره ولم يطرده (برووك) ولم يصر (جيلجود) على وجهة نظره.
و في المقابل هناك روايات أخرى تروى عن نجوم مثل (بروس ويليس) كان يغير المشاهد والحوار في العمل الأول للمخرج (كيفن سميث)، و لم يقبل منه أن يوجهه، في حين انه كان على العكس في ثانى عمل لمخرج آخر هو (ترانتينو) والذى شارك في بطولته (جون ترافولتا)، فهل كانت شخصية المخرج واحترامه لنفسه هو السبب؟