رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ماجد كامل يكتب: مسرح (رومان).. و (دخان) إبداعاته المذهلة

بقلم: ماجد كامل

يقف ميخائيل رومان – والذي يمر هذا العام نصف قرن على رحيله – فى القلب من  كتيبة   كتّاب المسرح الأفذاذ  أمثال (نعمان عاشور، يوسف إدريس، ألفريد فرج، لطفي الخولي، فتحي رضوان، سعد الدين وهبة، صلاح عبد الصبور).. أصحاب النهضة المسرحية العملاقة التى شهدتها مصر عقب خمسينيات وستينيات القرن الماضى، حيث يُعد ميخائيل رومان واحداً من أبرز أعلام هذه الحركة المسرحية التي رصدت حياة الفرد والمجتمع على الأصعدة  الاجتماعية.. إلا أن مسرحيات (رومان) كانت الأكثر حدّةً بين ألوان طيف أعمال هؤلاء الكتاب العمالقة حيث يعد ميخائيل رومان نسيجا متفردا وسط تلك الكوكبة التي يحظى كل من أفرادها بحضور متميز وخصوصية لافتة.

وفرادة هذا الكاتب مستمدة من طبع فني حاد ومزاج شخصيات متوترة والتزام يجمع الرمزية الواقعية إلى جوارالنقد الاجتماعي السياسي.

جزء من الأعمال الكاملة لميخايل رومان

إبداعات كبرى

وقد أثرى ميخائيل رومان عالم المسرح بسبعة عشرة مسرحية من أهم إبداعات الأدب المسرحي وهى: (الدخان، الحصار، الوافد، الليلة نضحك، المأجور، عزيزي رجب، حامل الأثقال، المزاد، الخطاب، الزجاج، ليلة مصرع جيفارا العظيم، كوم الضبع، 28 سبتمبر الساعة الخامسة، غداً في الصيف القادم، إيزيس حبيبتي، الزفاف، هوليود الجديدة)، كما ترجم إلى العربية ثلاث مسرحيات، اثنتان منهما لـ (آرثر ميللر)، وهما: (موت بائع جوال، ذكرى يوم الاثنين)، ومسرحية (غرفة المعيشة) لــ (جراهام جرين).

كما ترجم رواية (سارتوس) لــ (وليم فوكنر)، ومسرحياته هذه منها المسرحيات الطويلة مثل (إيزيس حبيبتي، والدخان)، والمتوسطة مثل (الليلة نضحك،ليلة مصرع جيفارا)، والقصيرة كمسرحية (الوافد).

ولد ميخائيل رومان عام 1922 في أسيوط، وتخرج في كلية العلوم – جامعة القاهرة، نشأ يساريا وإن لم يعرف عنه الالتزام الحزبي الذي لا يلائم شخصيته الأقرب إلى الانطواء، ولم يكن يسمح لمعارفه بالاقتراب من خصوصياته الاجتماعية، واحتفظ  بعدد محدود من الأصدقاء، وفى عام 1973فوجىء جمهور قرائه بوفاته عن عمر يناهز الواحد والخمسين عاما.

وتحفل تجربته الإبداعية بأوجه عديده من فنون المسرح، فقد أجاد ببراعة شديده فنون المسرح، فقدم المسرح الواقعى وهناك المسرح التقليدي وخاصة في تيار الواقعية الرمزية، كما قدم (الملحمي) و(الوثائقي)، وملامح من مسرح (اللامعقول) والمسرح البريختي، والذي يتلاشى فيه الجدار  الرابع للمسرح وتتوحد خشبه المسرح مع جمهورالصالة أو مايسمى بتيار (المسرح داخل المسرح).

ليلة مصرع جيفارا العظيم

البطل الفرد

ويمثل البطل الفرد عنصراً أساسياً من أهم عناصر البنية الدرامية عند ميخائيل رومان، إذ ينتمي إلى الطبقة الوسطى، ويجسِّد شخصية المثقَّف في صراعه مع القهر، ويمتاز بطله هذا بحساسية مرهفة وطباع رقيقة، ويتسم بسرعة الانفعال ما يدفعه إلى اتخاذ مواقف متطرفة وحادة، فهو دائماً يتخذ مواقف ساخطة وغاضبة ضد كل أشكال القهر والاضطهاد فى مجتمعه.

ونرى هذا البطل الفرد في كافة أعمال رومان،  الذي يظهر باسم (حمدي) كما في مسرحية (الدخان)، ونفس الاسم فى مسرحية (إيزيس حبيبتي)، كما يظهر في مسرحية (الليلة نضحك) باسم المضحك، وباسم (الفتى) في مسرحية (ليلة مصرع جيفارا العظيم)، ويقدم لنا ميخائيل رومان وصفاً خارجياً لبطله (حمدي)، ففي مسرحية (الدخان) هو شاب في الثلاثين من العمر، طويل، نحيف، ضامر الوجه، ذو ملامح دقيقة، ومن الناحية التعليمية يحمل (حمدي) إجازة في الفلسفة في (الدخان)، ودبلوماً في الإحصاء في (إيزيس حبيبتي)، إلا إنه في المسرحيات الباقية لا ترد إشارات لما يحمله من شهادات علمية، لكن دائماً يبدو عنده (حمدي) على قدر جيد من الوعي والاطلاع الثقافي، ولربَّما كانت ثقافته – كما يرى المؤلف – هى المدخل إلى حيث تبدو النهايات فى مسرح رومان تبشيرية واعدة بتحقيق مجتمع أفضل تسوده العدالة والحرية والديمقراطية.

الوافد

الصراع الدرامي

ويدور الصراع الدرامي في معظم أعمال مسرح رومان حول بطل يحيا فى مجتمع ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي يقف وحيداً في أحد طرفيه، فيما تقف قوى القهر باختلاف أشكالها في الطرف الآخر، والاستثناء الوحيد ربَّما يكون في مسرحية (الليلة نضحك) حيث تقف إلى جانب البطل طبقة الفلاحين بكاملها، وتأخذ قوى القهر هذه أشكالاً وصوراً مختلفة، وأحياناً تكون قوى ممثلة بمفاهيم وتقاليد وعادات اجتماعية، أو نمط استهلاكي يستلب حرية الإنسان وإرادته ووعيه، والصراع عادة في مسرح رومان إمَّا أن يأخذ شكل المواجهة المباشرة بكل عنفها، وإمَّا أن يأخذ شكل مواجهة رمزية، كما في مشهد المزاد في مسرحية (ليلة مصرع جيفارا العظيم)، أو في المحاكاة التهكمية الساخرة في مسرحية (الخطاب)، أو في الاستعراض التشكيلي الراقي في مسرحية (الليلة نضحك)، وإلى جانب هذا الصراع الخارجي كنا نجد في كثير من الأحيان صراعاً داخلياً، وأحياناً تكون له وظيفة درامية هامة ويساهم في خدمة الرؤية الفكرية وإيضاحها كالصراع الذي يدور داخل شخصية البطل  في مسرحيتى (الدخان، والخطاب).

ويحقق الحوار في مسرح ميخائيل رومان وظيفته الدرامية، ونادراً ما يشهد هذا الحوار نقاط ضعف وترهل، ولعل الاستثناء الوحيد من هذا الحكم هو مسرحية (ليلة مصرع جيفارا العظيم)، التي مال الحوار فيها إلى المباشرة الخطابية. 

في الطريق ..
ترجمة

مسرح حر

يبحث رومان عن مسرح حر  يقوم بالتغيير وينهض بالمجتمع ويسير به إلى الأمام، ويبرر البعض تلك الحدة وذلك الغضب العارم في موقف رومان تجاه القهر والاستبداد بأنه ينظر إلى الحرية كمعادل للوجود الإنساني فبتحققها تتحقق كرامة الإنسان وإنسانيته، ولذلك نجده يعالج الواقع الاجتماعي والسياسي الذي ساد في فترة الستينات ويركز في مسرحه بشكل أساسي على قضية الحرية بمختلف أشكالها سواء حرية الرأي والتعبير والحرية الاجتماعية والوطنية، وظهر ذلك في مسرحياته التي ترتكز المواقف الحدية المتصاعدة التي يتعرض لها شخوص مسرحياته،  حيث يقوم بمناقشة  تأثير القهر بمختلف أنواعه على هذه الشخصيات ويعكس مدى قدرتها على المقاومة والدفاع المستميت عن حريتها ضد من يحاول سلبها.

الدخان

ويعلو صوت (حمدي) وهو اسم الشخصية الرئيسية في أعمال رومان رافضا كل أنواع القهر بداية من مسرحيته الأولى (الدخان) التي أثارت ضجة عنيفة عند عرضها ،وقام بإخراجها للمسرح (كمال ياسين)، وقام بالبطولة الفنان (عبد الله غيث) وكتبها رومان وهو في سن الأربعين، وقد استقبلت بكثير من الصخب سواء فى دوائر الكتاب والنقاد أو على المستوى الجماهيري، وقد تأثر رومان في أعماله  بعدد من المسرحيين الغربيين منهم (بريخت و آرتو وبرانديللو وآرثر ميللر و يونيسكو)، وغيرهم، فإقباله على الترجمة جعله يتأثر  بهؤلاء الكتاب وأعمالهم العالمية وبالمذاهب الفنية المختلفة، وقد تنوعت أعمال ميخائيل رومان بين الواقعية الرمزية فتكتسي شخصياته لحما ودما وهموما ومشاعر واقعية وتدخل في صراعات مع الذات والآخرين على أسس ومبررات ذات طابع واقعي، كما في مسرحية (الدخان).

عربة اسمها الرغبة .. ترجمة

وهناك مسرحيات تنتمي للتعبيرية  أو التجريدية وفيها يفقد الأبطال أسماءهم وملامحهم الواقعية وتتداخل الحقيقة والوهم. ويختلف الكثير من النقاد حول تصنيف أعمال ميخائيل رومان ووضعها داخل إطار أحد الأساليب التي تتناسب وهذه الأعمال، ولكن ميخائيل رومان لم يلزم نفسه بشكل أو مذهب مسرحي بعينه وإنما يتضح تأثره بكل المذاهب المسرحية في اختياره لرؤية خاصة تتناسب مع أعماله وتمكنه من نقل فكرته للمتلقي بأكبر قدر من الحدة والنفاذ والإثارة، فليس هناك  ما يجمع بين مسرحياته سوى موضوع الحرية بمختلف معانيها وتجلياتها فرديا واجتماعيا ووطنيا.

وأخذ رومان من تلك المذاهب القالب فقط ليضع به أفكاره، فنجد المسرحيات الواقعية  مثل (الدخان 1962، والزجاج 1968، وإيزيس حبيبتي 1971) التي بنى رومان شخصياتها نابضة بالحياة وبسمات خارجية محددة وعمق نفسي مع تطلعات ورؤى وأحلام ووعي فكري بما يحيط بهم، أما في مسرحية (الوافد 1966، والخطاب 1967) فتظهر ملامح التعبيرية والتجريدية على صعيد المضمون والشكل معا وهما يمثلان محاكاة تهكمية ساخرة لموضوع مأساوي وهو ما كان يفعله كتاب العبث في أعمالهم، وفي مسرحيتي (الليلة نضحك 1966 وليلة مصرع جيفارا العظيم 1972) استخدم رومان تقنيات مسرح (بيرانديللو وبريخت).

أما عن البطل عند رومان، فلم يقدر لشخصية فنية في أدبنا المعاصر كله أن تعيش حياة بالحجم الذي عاشته شخصية (حمدي) ميخائيل رومان، إنها الشخصية الوحيدة التي ظلت تلح على وجدان مبدعها ثمانية أعوام حيث كانت الشخصية المحورية لعدد من أعماله، منها (الدخان 1962 – الوافد 1965 – المزاد 1966 – المعار والمأجور 1966 – الزجاج 1967 – كوم الضبع 1969) وغيرها، وقد أتاح رومان لبطل أعماله أن يتحدث ويعيش في غالبية قضايا وجودنا الإنساني والاجتماعي وأن يختلف حولها وأن ينفعل بها في صورة مباشرة أو غير مباشرة مثل (الحرية والطغيان، والنزعة الفردية وسيطرة الجماعة، المسئولية والالتزام، الأخلاق ، والعمل والحب، النظام والفوضى والحق المطلق في الوجود والحق  في التعبير ومواجهة المجهول والاغتراب الاجتماعي).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.