بقلم : محمود حسونة
مشاهدة مسلسل تليفزيوني من عدمه، أصبح قراراً صعباً، بعد أن تعددت المنصات وكثرت الشاشات، وهو ما فرض كثرة الانتاج، لتلبية احتياجات سوق العرض الدرامي، والنتيجة أننا قد نقع في فخ الابتذال والتسطيح والتفاهة التي اتسمت بها الكثير من الأعمال الدرامية التي تعرضها هذه المنصة أو تلك، وقد تجد نفسك أمام مسلسل منقول حرفياً عن عمل أجنبي ويحمل مضموناً فارغاً وقيماً لا تهدم أفراداً ولكنها تهدم مجتمعات مثل مسلسل (قواعد الطلاق الـ 45)، وذلك بعد أن أصبحت الدراما من أدوات لعبة الأمم، التي تستخدمها بعض الدول لفرض قيمها وقناعاتها على الآخرين أملاً في أن تسود قيمهم في العالم ويتحول الناس إلى كائنات تقودها غرائزها ونزواتها حتى يسهل التحكم فيهم واقتيادهم فكرياً وسلوكياً.
لذا، عندما ترى عملاً درامياً مصرياً أو عربياً يثير جدلاً بين الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، وكنت قد اتخذت قراراً بعدم مشاهدته خشية أن يكون مثل غيره الذي ندمت على تضييع وقتك في مشاهدته، قد يدفعك فضولك لنقض قرارك السابق ومشاهدته، وهو ما حدث مع مسلسل (وش وضهر) الذي تم عرضه مؤخراً على منصة (شاهد).
المسلسل اختلف الناس بشأنه على مواقع التواصل، والخلاف أحياناً يكون صحياً ويؤكد تعدد أذواق الناس حسب ثقافاتهم وأفكارهم وخلفياتهم الاجتماعية، فالبعض رآه يدس السم في العسل، والبعض رآه مختلفاً وجديداً في القضية التي يناقشها وملامح أبطاله والبيئة التي ينتمي إليها، وكلاهما محق في وجهة نظره.
لا يمكن انكار أن أغلب الناس لهم وش وضهر، أي يظهرون غير ما يبطنون فقط، ولكن لدى البعض 100 وش، يتلونون حسب المواقف، ويجيدون إخفاء حقائقهم عن الآخرين. وميزة (وش وضهر) الأساسية، أنه مسلسل مصري حقيقي، ويناقش قضية إنسانية، من خلال شخصيات تعيش بيننا، نلتقيها كل يوم في مواقع العمل وأماكن السكن والمواصلات وفي المطاعم والكافيهات وبين الأقارب، ويناقش قضية تشغلنا فكرياً ولا نجرؤ على مصارحة أهلها، وتمنعنا أخلاقنا وقيمنا من أن نواجه أصحاب الوجوه المتعددة ونتمنى انكشاف أمرهم بعيداً عنا، وهو ما يعني أننا ذاتنا لنا وش يكشفه ولنا ضهر نخفيه.
الظروف الاجتماعية تدفعنا أحياناً لإخفاء بعض حقائقنا متخوفين من أن تنال من مكانتنا أمام الآخرين، وهو ما دفع أبطال المسلسل لإخفاء الجانب المخجل من شخصياتهم، فالشاب الذي كان يحلم أن يكون طبيباً وسرق حلمه منه مراقب في لجنة امتحانه بالثانوية العامة ظلماً وقهراً، ودفعته ظروفه المادية لعدم استكمال تعليمه، ليعمل في عيادة طبيب معروف، ومنها ينتقل للعمل في مخازن أدوية ويقضي وقته متفحصاً النشرات الطبية لمختلف أنواع الأدوية ومستوعباً لموادها الفعالة حتى يعلم عن الطب والدواء ما يجهله بعض الأطباء؛ زوجته تهينه دائماً وتتعالى عليه باعتبارها حاصلة على شهادة جامعية، ويظل حلمه في العمل طبيباً يراوده وهو لا يحمل سوى الشهادة الاعدادية، وتلقي الصدفة إليه ببعض المال فيقرر الهروب من مجتمعه والذهاب من القاهرة إلى طنطا لتحقيق حلمه وافتتاح عيادة والعمل طبيباً، ورغم تعافي الكثيرين على يديه وتحقيقه شهرة كبيرة في المنطقة التي يمارس فيها الطب بمدينة طنطا، إلا أنه يظل طبيباً مزيفاً ومرعوباً حتى يفضح نفسه بنفسه، ويتم القبض عليه لتكون عقوبته خفيفة، لذا اتهم البعض المسلسل بأنه يدس السم في العسل، وهو الذي جسده بعبقرية (إياد نصار) وكون خلاله مع (ريهام عبدالغفور) ثنائياً مبدعاً شكلاً ومضموناً.
(ضحى) فتاة تعمل في وظيفة متواضعة، تشجعها زميلتها وصديقتها (هبة) للذهاب معها للعمل راقصة في الأفراح، وهما المحجبتان اللتان تدعيان أنهما تعملان في مجال التمريض، ولأن الظروف هى التي أجبرت كلتاهما للعمل كراقصة، تنتهز (ضحى/ ريهام عبدالغفور) أول فرصة للهروب، وتذهب للعمل ممرضة عند الطبيب المزيف وهى لا تعلم عن التمريض شيئاً، وزميلتها (هبة/ ثراء جبيل) تصر على مواصلة العمل راقصة لتظل بجوار الموسيقي (عبده وردة/ إسلام ابراهيم) الذي وقعت في غرامه وسمحت له بعلاقة غير مشروعة معها، وتنتهي علاقتهما بالزواج بعد شد وجذب، وهو ما اعتبره البعض أيضاً من جوانب دس السم في العسل مستغربين أن يتزوجها وهى راقصة وبعد أن أقام معها علاقة، متغافلين عن أن أمه كانت راقصة وعاشت نفس الحالة مع والده المتوفي.
(أبو البراء) نموذج مهم جداً للشخصية الإخوانية التي تتباهى بالعطاء وتفرض وصايتها على من تضطرهم ظروفهم للحصول على عطاياه، ويحاول إظهار أنه رجل بر ولكنه رجل مظاهر متعدد الزوجات وعاشق لضحى.
نماذج مختلفة لشخصيات تظهر ما لاتبطن قدمتها المخرجة (مريم أبو عوف) بصورة تليفزيونية جديدة من مدينة طنطا لتكون أول مدينة في الوجه البحري تخرج إليها كاميرات الدراما المصرية وينتقل إليها الفنانون يبدعون ويتألقون ويقدمون عملاً مصرياً متميزا، يجسدون فيه نماذج إنسانية موجودة في كل بقاع الدنيا، أبدع في كتابته (أحمد بدوي وشادي عبدالله) عن ورشة لـ (مريم نعوم)، ونجح أبطاله (إياد نصار وريهام عبدالغفور وثراء جبيل وإسلام ابراهيم) تعبيراً عن شخصياته الدرامية طموحاً وخوفاً ووجعاً وقهراً سواء بالملابس أو تعبيرات الوجه أو لغة الجسد.
مسلسل قد ينتقده البعض ولكن من المؤكد تابعه مشاهدوه حتى المشهد الأخير واستمتعوا باختلافه في الطرح وبمواقع التصوير الجديدة وبرؤية مخرجته واهتمامها بأصغر التفاصيل وبأداء أبطاله.