بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
لم يخطر ببال ليلي مراد أنها ستكون يوما ما صديقة للملك فاروق!
كانت البداية ذات شهر من شهور الصيف في الأسكندرية وكانت ليلى مراد في عز تألقها الفني فهى سيدة الشاشة المصرية بلا منازع بعد فيلم (ليلى)، وكانت تنزل في أحد أشهر فنادق الأسكندرية والذي يطل على البحر مستمتعة بنجاحها وتألقها حين دق الباب عليها ذات مساء مدير الفندق اليوناني الأصل لينحني أمامها في احترام شديد ويخبرها أن رجلين من السراي الملكية يريدان رؤيتها.
كانت ليلى تعرف من هو (فاروق) في زمن الحرب لكن الفرحة اجتاحتها وهى تبدل ملابسها استعداد للقاء رجلي السراي الملكية، هبطت ليلى إلى بهو الفندق في هدوء وبطء لتلتقى بالدكتور يوسف رشاد وبوللي، وكان الاثنان يطلبان منا باسم صاحب الجلالة إحياء حفل في قصر رأس التين بعد بضعة أيام وحبت ليلى وطلبت تحديد الموعد حتى تستطيع أن تتفق مع الفرقة الموسيقية وكانت المفاجأة أنهما قالا وفي صوت واحد تقريبا: بلاش فرقة!
مولانا عاوز يسمعك لوحدك!!
لكنها لم تشعر بأدني خوف فها هو القدر وكان عليها الانتظار حتى يأتيها تليفون القصر..
قال المتحدث: الحفلة النهاردة يا مدموازيل ليلى.
وردت ليلى: طيب .. أجي ازاي؟
وكان الجواب: احنا حنيجي ناخدك الساعة ثمانية وفي الموعد المحدد تماما كانت ليلى قدر ارتدت أغلى ما تملك من ملابس ومجهورات.. كانت في قمة جمالها وهي تركب إحدى سيارات القصور الملكية في طريقها إلى قصر رأس التين.. وكان الجميع هناك في انتظارها..
خطت ليلى مراد داخلة وكل همها أن ترى الملك والملكة.. لم تشد انتباهها اللوحات أو قطع الأثاث أو الأعمدة أي مظهر من مظاهر الأبهة، وقادها بعض أفراد الحاشية عبر العديد من الممرات وفوق العديد من السجاجيد لتجد نفسها أمام الأميرة (فاطمة طوسون) التي شدت انتباهها بجمالها.. لكن الذي شغلها وشد اهتمامها كان (أحمد حسنين باشا) الذي استطاع خلال دقائق أن يرفع الارتباط ويبرر الحرج بحديثه البسيط الذي دل على ثقافته واتزانه وثقافته الموسيقية، عندما طلب منها أن تغني ودون موسيقى اغنية (ياريتني انسى الحب يا ريت).
وغنت ليلى ومع الغناء استطاعت أن تعود إلى طبيعتها ليترد صوتها داخل جدران القصر قويا.. وجميلا.
وعندما انتهت الأغنية وتردد التصفيق الرقيق لينسب احترام البروتوكلات دعاها (فاروق) لتجلس إلى جواره.. وما أن بدأ الحديث يدور بينها وبينه حتى لم يعد الملك ملك بل كان مجرد لقب.. سألها الملك إن كانت قد جمعت ثروة من الغناء والسينما وراح يحثها على أن تهتهم بثروتها.
في تلك الليلة تذكر (ليلى مراد) أن فاروق طلب منها أن تغني دورا قديما فغنته وغنت كل ما طلب بعد أن زالت عنها كل رهبة.. وظلت ليلى تغني حتى مطلع الصباح.. عادت ليلى إلى غرفتها في الفندق وهى لا تصدق ما حدث كان حقيقة فظنته كان حلما أو خيالا أو مجرد وهم!
ومع المساء جاءتها صديقة عمرها (نوال) لتجلس على حافة الفراش إلى جوارها تسمع منها كل حدث ليلة الأمس وكيف مر بها.. وكيف عاشته؟
وحكت لها (ليلى) كل شيء وهى مازالت غير مصدقة وكانها كانت تحلم.. وحكت لها عن أحمد حسنين وبساطته وحواره الأحمدي وثقافته.. وظلت علاقتة حميمية معها فبعد أن تعود إلى غرفتها بالفندق.. يكلمها وهى تسمع مستيقظة أو نائمة وهو يحكي ويحكي ويتكلم هكذا في كل يوم..
وفجأة انقطع نور الكهرباء في غرفتها.. ثم عاد.. ثم سمعت صوت صاحب الجلالة يناديها من الشرفة أسفل منها:
أنا يا ليلى .. تعالي.. انكمشت (نوال) خائفة.. ونزلت ليلى لتبدأ سهرة جديدة.. غنت همسا لفاروق على أنغام البحر وكان حوله (يوسف رشاد) وحرمه وباقي الشلة.. ومنهم كان أحمد حسنين في كل لقاء.
وغنت في تلك الليلة بصوت خافت وانساب صوتها في ظلال الليل مع صوت أمواج البحر.. غنت ليلى كما غنت في ليال كثيرة أخرى، وكان لقائها بالملك يوميا تقريبا بدون أي رهبة أو ارتباك.. كان برنامجا يوميا.. كانت تسهر مع الملك وشلته حتى مشارف الفجر، وما أن تعود إلى غرفتها حتى يبدأ تليفون (أحمد حسنين) ليحدها نها حتى تطل الشمس على الأسكندرية كلها.. كان أحمد حسنين قد أصبح منافسا لفاروق بشكل خطير.. ولعل هذا ما أدركته ليلى مراد بعد الحرب.
وبعد قيام الثورة ورحيل فاروق لماذا غابت ليلى مراد ولو جزئيا عن الغناء والسينما بعد كل ما عرفوه عنها وعن علاقتها بالسراي ورجال القصر والحاشية حتى اقتحتم حياتها ذلك الشاب المقامر (أنور وجدي) ليبدأ معها مشوارا جديدا لنقرأ رواية كتبها للسينما وكان يريد منها أن تعاونه في اخراجها هى (ليلى بنت الفقراء)، لكن تلك حكاية أخرى تفوق على حكايتها مع الملك والقصر.. عاشتها ليلى بكل وجدانها تجرعت حلوها وذاقت مرارتها لتنتهي بالطلاق الغريب والمفاجئ وهى حكاية تستحق أن نحكيها لنعرف كيف لعبت ليلى مراد مع الزمان والنجاح؟، وكيف لعب معها حتى دخلت في ظلام الانطواء والخوف؟، وكأن الزمان يدور بنا جميعا لنتعلم منه شيئا!!