علي إسماعيل .. لحن هزائم وانتصارات مصر، ورحل وهو يعمل في (كباريه) !
* لحن 270 أغنية، ووضع الموسيقى التصويرية لحوالي 100 فيلما و22 مسرحية، ووزع 120 لحنا لكبار المطربين
* كان من أوائل ألحانه أغنية للمطرب بليغ حمدي بعنوان (يا قمر كلنا سوا)
* بدأ نجم (علي إسماعيل) يلمع في بداية الخمسينات بتشجيع من الموسيقار (محمد حسن الشجاعي
* (البنات والصيف) أول الأفلام التى وضع لها الموسيقى التصويرية.
* رشح الفنان الكبير زكي عثمان تلميذه علي إسماعيل لرئاسة الفرقة الموسيقية لفرقة رضا للفنون الشعبية
كتب : أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام وبالتحديد يوم 16 يونيو الجاري ذكرى رحيل الموسيقار المجدد المتطور (علي إسماعيل) الذي رحل وهو في مرحلة نضجه الفني والإنساني إذ رحل وهو لم يتم الواحد والخمسين ربيعا، ولخص حياته التى لم تدم طويلا بهذه الكلمات التى ذكرها في أحد حوارته الصحفية: (حياتي قصة يطول شرحها، فيها كفاح أعتز به ومبادئ إلتزمت بها وأهداف رسمتها، ولكنني لم أحقق بعد كل ما كنت أتمناه، أنا موسيقى محترف أعيش من الموسيقى التى هى شرفي وكرامتي، ولذا كنت ولا أزال أرفض أن أعرض شرفي وكرامتي للبيع أو الإيجار، لأن المال الوفير يعود الفنان على الكسل، لهذا لم أحاول أن أعمل في إذاعة غير إذاعة بلدي، أو أقدم إنتاجا إلا إذا كان يحمل عبارة صنع في مصر).
نشأة فنية
نشأ الموسيقار (علي إسماعيل) في بيئة فنية فوالده هو الموسيقي المخضرم (إسماعيل أفندي خليفة) زميل الرواد الأوائل الذين تعلموا الموسيقى في طفولتهم بالملجأ العباسي بطنطا، ثم تدرجوا بعصامية خلاقة وتبوأوا مراكز رئيسية في فن الموسيقى بمصر، وكانوا جنودا فى نشر الموسيقى عزفا وإنتاجا وتعليما، وفي مقدمة هؤلاء الرواد (عبدالحميد عبدالرحمن) قائد موسيقات الجيش، و(عبدالحليم علي) مفتشي الموسيقى بالتربية والتعليم، و(محمد حسن الشجاعي) مستشار الموسيقى والغناء بالإذاعة، و(أحمد عبيد) قائد أوركسترا القاهرة السيمفوني وصاحب اليد الطولى في تمصيره.
أراد (إسماعيل أفندي خليفة) مدرس الموسيقى بملجأ روض الفرج أن يبعد أنجاله عن عالم الفن، فألحق (علي إسماعيل) بالمدرسة الصناعية البحرية بالسويس، وألحق (حسن وجمال) بالمدارس الابتدائية بالقاهرة، ولكن جرثومة الفن دفعت بالأولاد الثلاثة إلى عالمه.
موسيقى الجيش
تطوع (علي إسماعيل) ومعه شقيقه (حسن) في الجيش المصري بإدارة موسيقات الجيش وهناك درس الاثنان العزف على آلة (الساكسفون) وآلة (الكلارينت)، أما (جمال) فقد سار في التعليم العام العام ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وأصبح فيما بعد الفنان الشهير (جمال إسماعيل).
ولما افتتح المعهد العالي للموسيقى المسرحية التحق (علي إسماعيل) بقسم الآلات، وكانت الدراسة مسائية فاستطاع (علي) أن يوفق بين عمله كموسيقي مجند بالجيش صباحا، وبين تلمذته بالمعهد بعد الظهر، واختار له صديق والده الموسيقار (محمد حسن الشجاعي) أن يدرس العزف على آلة (الفاجوت)، وهناك في المعهد توطدت الصداقة الصداقة بين (علي) وبين زميله في قسم الآلات (عبدالحليم شبانه)، وزميله في قسم الأصوات (كمال الطويل) وكانت لهم أحلام وردية في مستقبل أيامهم.
مع رتيبة وأنصاف رشدي
تخرج (علي إسماعيل) وعين مدرسا للموسيقى بمدارس التربية والتعليم، وأثناء ذلك التحق عازفا على آلتي (الساكسفون والكلارينت) بفرق الملاهي، ثم أصبح رئيسا لفرقة الجاز بفرقة الأختين (رتيبة وأنصاف رشدي)، وهنا تفتحت موهبة (علي إسماعيل) في التلحين للأغاني الخفيفة والراقصة.
سعاد وجدي أو نبيلة قنديل
عند رئاسته لفرقة موسيقى كازينو (شهر زاد) في نهاية الأربعينات لحن بعض المونولوجات الانتقادية اشتهر منها (ماله يا ناس، ذهب مع الريح)، وكانت تلقي هذه المونولوجات الضاحكة زميلته في الفرقة المونولوجست (سعاد وجدي) التى تزوجها فيما بعد وعرفناها كشاعرة باسم (نبيلة قنديل)، واستمعت الفنانة (ثريا حلمي) إلى ما لحنه لزميلتها (سعاد وجدي) فطلبت من (علي إسماعيل) أن يلحن لها، فبدأ معها بمونولوج (مين علمك هذا) لتتوالى ألحانه بمونولجات (أخاف وأكش، وعيب اعمل معروف، ودكتور جيكل، وحتى أنت يا بروتس) وغيرها.
الشجاعي، والطويل
بدأ نجم (علي إسماعيل) يلمع في بداية الخمسينات بتشجيع من الموسيقار (محمد حسن الشجاعي) مستشار الموسيقى والغناء بالإذاعة، والذي كان متحمسا له ويقول: (إني أرى في علي إسماعيل شبابي)، وأعطاه (الشجاعي) نصف ساعة في أركان الإذاعة، وكان رافضا ليكون مسئولا عن أحد الأركان لكن صديقه (كمال الطويل) أقنعه بتولي إدارة هذا الركن، الذي أطلق عليه ركن الأغنية الخفيفة.
وفي هذه الفترة لحن (علي إسماعيل) لأربع أصوات هي (عبدالحليم حافظ، سعاد مكاوي، عصمت عبدالعليم، بليغ حمدي)، فغنت سعاد مكاوي له أغنية (القطن)، وغنى عبدالحليم حافظ (يا مغرمين)، وغنى بليغ حمدي (يا قمر كلنا سوا)، وغنت له عصمت عبدالعليم (الأهرام)، وغنى له الثلاثي الطروب (اصحى يا ورد)، ونجحت الأغاني فيما عدا أغنية (بليغ حمدي) الذي اتجه للتلحين.
كان علي إسماعيل أول ملحن يلحن خمس أغنيات تغنى في 12 دقيقة، وكسر به قاعدة الأغاني الطويلة، بحيث أطلق على هذا المنهج يومئذ مدرسة ألحان السندوتشات، وبهذا النجاح تحول الفتى الضخم الجسم من عازف فملحن مغمور إلى ملحن مشهور وصاحب نهج لحني أطلق عليه (اللون الخفيف)، فتهافتت الأصوات على ألحانه لمؤديات برعن في أداء اللون الخفيف مثل (سعاد حسين، محمود شكوكو، فيروز، سعاد مكاوي، الثلاثي الطرب، والثلاثي المرح)، فضلا عن أصوات مهمة مثل (فايدة كامل، مديحة عبدالحليم، شادية، وردة) وغيرهم.
البنات والصيف
كان لـ (علي إسماعيل) نشاط كبير في مجال الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية، وقد تابع رسالة أستاذه (فؤاد الظاهري) في استخدام التيمات الشعبية والأغاني الفولكلورية في كتابة الموسيقى التصويرية لهذه الأفلام، وكانت البداية عام 1960 بفيلم (البنات والصيف)، وتوالت الأفلام التى وصل عددها إلى حوالي 100 فيلم منها (الشموع السوداء، ألمظ وعبده الحامولي، أجازة نصف السنة، أميرة العرب، شفيقة القبطية، زقاق المدق، الأيدي الناعمة، عروس النيل، الحقيقة العارية، إمرأة علي الهامش، بين القصرين، أدهم الشرقاوي، الراهبة، صغيرة على الحب، معبودة الجماهير، أبي فوق الشجرة، الناس اللي جوه، السيرك، الاختيار، ثرثرة فوق النيل، العصفور، حكايتي مع الزمن) وغيرها.
ولخص فكره الموسيقى في أحد حوارته قائلا: إن فكر مؤلف الموسيقى التصويرية هو الوحيد الذي يلعب كل أدوار الفيلم، فهو مثلا يقوم بدور فاتن حمامه، ومحمود المليجي وغيرهم، لأنه مطالب بوضع الجملة الموسيقية التى تصاحب الممثل أو الممثلة بحيث تعبر عن كل الانطباعات، فإذا كانت الممثلة تؤدي مشهدا حزينا أو مفرحا أو مفزعا فعلى الجملة الموسيقية أن تصور هذه الانفعالات والتعبيرات.
فرقة رضا
عندما فكر أولاد رضا (علي ومحمود) في تكوين فرقتهم للفنون الشعبية، رشح الفنان الكبير زكي عثمان تلميذه علي إسماعيل لرئاسة الفرقة الموسيقية لفرقة رضا للفنون الشعبية، وبالتالي لتأليف موسيقى رقصاتها وتلحين تابلوهاتها، ونجح نجاحا ملموسا في هذا العمل وأصبح رائدا في هذا المضمار بالنسبة لغيره من مؤلفي الموسيقى، خاصة في اقتباسات موسيقى وألحان الأغاني الشعبية والأغاني الفلكلورية وصياغتها صياغة جديدة واستخدامها في موسيقى الرقصات الشعبية والغنائيات الخفيفة ومن أشهرها (العتبة جزاز، والطرح يا بنات، وكيده العزال) وغيرها.
لحن الهزائم والانتصارات
يحسب للموسيقار المجدد (علي إسماعيل) أنه لحن لكل هزائم وانتصارات مصر، فقدم ألحان وطنية عديدة خالدة حتى اليوم كان أولها الصرخة المدوية التى مازالت تدوي حتى اليوم وهى (دع سمائي) ، هذه الصرخة التى أنشدتها فايدة كامل عام 1956، بعدها وفي حرب يونيو 1967 وزع نشيد (فدائي .. فدائي) من تلحين بليغ حمي، الذي قام بغنائه عبدالحليم حافظ، وفي حرب أكتوبر عام 1973 لحن النشيد الرائع الذي قدمه في فيلم (العصفور) الذي انطلق في الأيام الأولى حرب أكتوبر وهو (رايحين شايلين في إيدنا سلاح)، كما لحن لورده أغنية (سمرا يا أم العيون العربية)، ومابين هذه الأغاني، أغنيات وطنية عديدة آخرى.
أرقام في حياة علي إسماعيل
في حوار معه في مجلة الإذاعة والتليفزيون في شهر يوليو عام 1973 صرح أنه تم اعتماده في الإذاعة كملحن عام 1952، ووضع الموسيقي التصويرية لحوالي 100 فيلم سينمائي، ولحن 22 مسرحية، ووضع ألحان 270 لحن، فاز منها بـ 4 جوائز، منهما جائزتين عالميتين، وحصل إحداهما على الجائزة الثانية من مهرجان الشباب العالمي، وزع 120 لحنا لكبار المطربيين والمطربات، كتب 22 برنامجا لفرقة رضا، وحصل على وسام الدولة للفنون والأداب من الطبقة الأولى.
الرحيل أثناء عمله في كباريه
في مساء يوم 16 يونيو عام 1974 كان (علي إسماعيل) يجري بروفة في مسرح ليسية الحرية لموسيقى مسرحية (كباريه) للمخرج جلال الشرقاوي، وهو في قمة انفعاله وقع مغشيا عليه ونقل إلى مستشفى الجمعية الخيرية الاسلامية بالعجوزة، وفارق الحياة في قمة مجده وشبابه.