كتب : محمد حبوشة
يصعد النجوم سلم الشهرة بمعاناة أو ضربة حظ.. يتنفسون الصعداء، ويرفلون في النعيم.. لكن كل هذا مجرد استراحة قصيرة، ليخوضوا المعركة الحقيقية التي يتحولون فيها إلى لاعبي سيرك للأبد، عليهم السير على حبل مشدود بحذر ومرونة وثبات، وإلا سيكون السقوط المروع، والخروج من لعبة النجاح.. النجوم على القمة دائما (في مهب الريح) تتقاطع مصائرهم مع السلطة والنفوذ والسياسة وأصحاب الثروات، وهنا مكمن المخاطر والعثرات والأزمات.. وهذه قصص نجوم وأبطال (في مهب الريح) في عصر (السوشيال ميديا) بإرادتهم أو رغما عنهم.
لو تم الدفع له لكي يقدم عملا فاشلا، لما نجح محمد رمضان في الوصول إلى هذا المستوى من الفشل الذريع، في الأداء الذي نراه في (المشوار)، فقد فشل للعام الرابع على التوالي في تقديم شخصية يتفاعل معها الجمهور أو حتى يتعاطف معها، وليست المشكلة فقط في الحبكة الدرامية، التي أرادت أن يكون في (المشوار) المظلوم والشجاع ونصير الغلابة والعاشق والمطارد وصاحب قلب الأسد فحسب، ولكن جاء أداء (رمضان) هزيلا أخرجه من المنافسة تماما، حتى ولو استعان بمخرج كبير مثل (محمد ياسين) الذي انسحب ثم عاد من جديد على رأس الإشراف على الإخراج بعد الاستعانة بأربعة مخرجين آخرين، وكأنه يقدم ملحمة درامية مع أن القصة تحكي مجرد سيرة لص وتاجر للآثار ليرسخ للسرقة هذه المرة، مع ظني أنه يعود لسابق عهده بعد الحلقة العشرين على سبيل الانتقام من أعدائه الوهميين.
ومن خلال مشاهدتي لـ (15 حلقة) أستطيع القول بأن (محمد رمضان) أراد أن يكون كل شيء في مسلسل (المشوار)، يصنع له عمل بحسب الطلب، تفصيل للبطل الوحيد ، فكانت النتيجة أن العمل كله فشل، ليست هنالك حبكة درامية، فقط هناك أحداث متفرقة كل منها تصنع بطولة لشخصية البطل، دون رابط قوي بين الأحداث بل تشويق أو ترقب، فكل الشخصيات في المسلسل بما فيهم (دينا الشربيني) خارج إطار التفاعل الجماهيري، العمل عبارة عن توليفة من الأحداث كان يمكن أن تقدم عملا يبدو ناجحا على مستوى الأداء، لكن فساد الفكرة القائمة على السرقة وتجارة الآثار نالت من مصداقيته، شخصيات كثيرة مساحتها كبيرة بدون أدنى تأثير (الجد) في العمل هو الشخصية الوحيدة (ماهر) التي حاولت أن تحافظ على وهجها وخطها وسط ضياع للشخصيات الأخرى.
حينما يتم طرح مسلسل (المشوار) بتوليفة وحبكة درامية تبدو فاسدة، يجب طرحه من باب أسباب فشل عمل، توافرت له جميع أسباب النجاح وكانت النتيجة الفشل، وفي رأيي أن القصة التي أخذت خطوطها الدرامية بعيدا عن حبكات تخدم الفكرة الرئيسية هى من أهم أسباب الفشل إضافة إلى أداء رمضان الباهت، دون منافسة حقيقية من المشاركين، رغم أنه فنان معروف في الدراما التلفزيونية منذ أكثر من 8 أعوام، ولديه عادات يحرص عليها في كل مسلسل لدرجة أنها أصبحت مكررة ومحفوظة إلا أنه قرر مؤقتا التخلى عن هذه العادات والأحداث في مسلسله الحالي (المشوار) ولو قليلا على طريق الجدية المزيفة.
صحيح أنه لأول مرة منذ سنوات لم يمت والد محمد رمضان في مسلسلاته، فالمتعارف عليه في المسلسلات السابقة، أنه يظهر بشخصيتين الابن والأب، الأب يموت في الحلقة الرابعة أو الخامسة ويكمل الابن مشواره أو يحاول الانتقام له، وفي مسلسل المشوار هذا العام رمضان يظهر بدون والد في الأحداث، وعلى غير العادة في مسلسلات رمضان السابقة، ولم يسجن محمد رمضان سوى يوم واحد في القسم للاشتباه، ولكنه لم يسجن في قضية كبيرة أو لفقت ضده قضية من أعدائه ستدفعه للانتقام من أعدائه بعد خروجه من السجن.
أيضا في (المشوار) محمد رمضان لم يحب فتاة أرستقراطية أو غنية، فهو متزوج من فتاة فقيرة مثله، يحلمان بحلم الثراء ويخوضان رحلة طويلة لتحقيقه، وهذه التفصيلة مختلفة عن مسلسلاته السابقة، فقد كان في أغلب مسلسلاته يهضم حقه ويأخذ منه بالقوة، ويحبك خطة طويلة من أجل استراده، والانتقام ممن ظلموه، لكن في (المشوار) محمد رمضان مجرد لص ومطارد والجميع يبحث عنه من أجل الشنطة التي في يديه، وهو هنا يسير على درب الزعيم (عادل إمام) في فيلم المشبوه، ومعروف أن عادل إمام، النجم الزعيم، يحتل مكانة كبيرة فى قلوبنا وتاريخنا الفنى.. كأحد صناع البهجة المستنيرين، اشتبك بأعماله مع قضايا بسيطة ومؤرقة شكلت فى مجملها حياة.. هى حياتنا، اقتربت من أوجاعنا لمستها، طيبت بخاطر أنفسنا، وهو ما ظهر بجلاء فى مجموعة من أعماله خاصة فى الربع قرن الأخير.
ولأن فيلم (المشبوه) منقول نقل مسطرة، فمخرجه سرقه من فيلم أجنبى، فقد قام (محمد رمضان) بقلب فكرة الفيلم على مستوى الحركة والأداء الاقتباس،
وأحيانا يكون مثل هذا العمل يكون معمول بحرفية وأحيانا فعلا يكون نوعا من الفجر والسرقة، ولتحديد نوع ودرجة الاقتباس لابد لنا من التفرقة بين كذا عنصر من عناصر الفيلم، مثل نوع الفيلم والتيمة والموقف الدرامي والحبكة، نوع الفيلم ببساطة هوالشكل الخارجي للفيلم والغرض السطحي منه، مثل الكوميديا أو الرعب أو الدراما، وثاني عنصر هو التيمة أو السمة، والتيمة هى الفكرة المسيطرة على العمل، مثل الانتقام أو الصداقة أو التسامح أو التيمة الأشهر طبعًا: الحب، وربما تكون الأنواع والتيمات عالمية ومتفق عليها، وحتى لو تشابه عملين فى النوع والتيمة، فهذا لايعد نوعا من الاقتباس، وذلك لأن أول درجة من درجات الاقتباس تبدأ من تشابه الموقف الدرامي، ولعل الموقف الدارمي هو الوضع الذي يرى فيه بطل العمل على غرار (المشوار) نفسه فيه والذي يجبره على التصرف بشكل معين وينتج عنه أحداث العمل.
لقد وقع (محمد رمضان) في المحظور حين حاول أن يقلد الزعيم عادل إمام، لكنه نسي أن (إمام) غول في التمثيل حيث أنتج قبل أكثر من ربع قرن أعمالا مشهودة جعلت منه ممثلا كبيرا مبهر بأدائه الهادئ والمعبر فى شخصيات عديدة عبر أداء نعهده فى كثير من أدواره، حيث يمسك بشخصية قد تبدو بسيطة بحكم كيانها الاجتماعى، ويجعل منها شخصية ناضجة وطازجة وواعية فى فكرها الاجتماعى، على عكس (رمضان) الذي يبدو أداءه انفعاليا مبالغ فيه إلى حد كبير، وحتى في صمته المزيف الذي انتهجه هذه المرة الذي يكمن ورائه في العادة بركان غضب يفجره في فيما بعد من خلال مشاهد تميل إلى الأكشن القائم على العنف والبلطجة، وهذا ما أتوقعه خلال الحلقات القادمة من المشوار الفاشل دراميا.
وإذا ما عقدنا مقارنة بين (محمد رمضان) و(عادل إمام) ولو أنها تبدو ظالمة في جوهرها، فإن فى تلك الأعمال نجد أن اللغة عند عادل إمام تبدو مختلفة على مستوى صورة بصرية تخاطب الفكر، وتجعلك تعيد قراءة واقعك من جديد وتنهض من ثباتك تلهب مشاعرك وتغزل إحساسك بعيدا عن لغة الخطابة، التى اندرج تحتها (محمد رمضان) في (المشوار)، متأثرا ومستسلما ومنبهرا بما يعرض عليه من أفكار وسيناريوهات، ومن خلال مجموعة من المشاهد الأولية ذات الدلالة استطاع المخرج (محمد ياسين) أن يرسم صورة إنسانية جديدة ومبتكرة لـ (ماهر) الذي يتخلى عن رغبته في الانتقام الشخصي والثأر لكرامته، في سبيل الحفاظ على أسرته، وهنا نجح (ياسين) في تقديم رؤية بصرية جذابة لمعركة الحسم النهائية، التي تدور في الصباح الباكر، في مصنع الملح، ووسط أجواء شتائية باردة إلا من سخونة البارود وأصوات طلقات الرصاص القاتلة عبر المطاردة.
وبالرغم من أن (محمد ياسين) كان حريصا، حتى اللحظات الأخيرة، على الحفاظ على صورة (ماهر) الإنسانية إلا أن طبيعة (محمد رمضان) أبت أن تسير على درب الأداء الجيد، الأمر الذي جعله ينسحب من إخراج العمل ربما جراء استهتار (رمضان ودينا الشربيني)، ومن ثم لا تعتبر عودته بمثابة رأب الصدع الذي حدث في المسلسل، فمعروف أن (محمد رمضان) طبيعته تغلبه في أداء متشنج يغلب عليه التمرد على السيناريو والمخرج، كما حدث في أعماله (نسر الصعيد، زلزال موسى) خلال السنوات الثلاثة السابقة فيما يبدو لي أنه يكتب سيناريو فشله هذا العام على جناح الغرور والتكبر على مهنة التمثيل رغم جنيه ثمارا جيدة من قبل.
كان يحدوني الأمل عندما يكون هنالك عمل من إخراج الأستاذ (محمد ياسين) لابد أن أشاهده فهو واحد من أهم صناع الجمال، وعندم عرفت إن لقاءا بينه وبين محمد رمضان لابد أن يلزمه الترقب، وتحاول أن تعرف هل سيستطيع محمد ياسين أنه يحول محمد رمضان لممثل خارج حدود منطقته الشهيرة؟، وهل رمضان نفسه ابتدى مرحلة جديدة بتغيير مسار أعماله؟، هذه الأسئلة وغيرها ربما تدفعك لأن تتفرج حتى من باب الفضول على الأقل، خاصة أن (المشوار) بداية من فكرة التتر لعبد الرحمن محمد يحدثك إن هناك شيئا مهما ومختلفا، فالصورة التي صنعها (عبد السلام موسى) في الحلقات الأولى وحتى الثالثة تثبت إقدامه بعد فيلم (أبو صدام، ومسلسل أفراح القبة)، بل تقول إننا لدينا مدير تصوير صغير السن كبير الموهبه، فالكادرات الموجودة في المساحات الواسعه وبياض الملح، والإضاءة المدروسه في ممرات مخازن القطر فيها نوع من الاحترافية تعكس إن مواهب شبابنا كبيرة وعظيمة.
أيضا كان يبدو أن (دينا الشربيني ومحمد رمضان دويتو متجانس جدا) في تلك الحلقاتفي أفضل حالاتها رغم أنها (دينا) ليست من نجومي المفضلين، لكن مجهودها واضح جدا، وهذا بالطبع يرجع لإدارة المخرج الكبير (محمد ياسين)، فقد بدا لي أنها تختلف عندما تكون مع مخرج يستخرج منها تمثيل وليس شكلا، كما أن محمد رمضان تحت إدارة مخرج لا يسمح بالتدخلات مختلف ولمحة البلطجة التي يصر عليها كانت غايئه، حتى نطقه للكلام تغير تماما في بداية الحلقات الأولى، لكن سرعان ما بدت تدخلاته في مشاهد حديقة الحيوانات التي جاءت الإضاءة فيها سيئة للغاية ،وهى بالتأكيد شوهت الشكل العام للمسلسل وأدخلته في غياهب جب الإثارة المفتعلة.
المسلسل كان فرصة عظيمة ضاعت بسبب النص المكتوب والسيناريو للأسف، مع كامل الاحترام لمحمد فريد، لكن رأيي الشخصي إنه ما يسمى بأعمال الرحلة تليق للسينما أكثر من الدراما، أو تحتاج إلي محطات كتير في المشوار ويبقى فيه حواديت لشخوص كل محطة بما إن عندنا مساحة 30 حلقة، لكن ذلك لم يحدث للأسف الشديد، فالخط في الكتابة إن الإبن مشترك معهم في الكذب ومعرفة المسروقات، كنت أفضل أنه لايعالج دراميا على هذه النحو، فضلا عن ما أصاب الحلقات من المط والتطويل حتى أننا وصلنا إلى حالة من الضيق والتذمر جراء هذا الافتعال في التطويل المتعمد، ولو كان المسلسل 15 حلقة ربما كان قد تفادى مشاكل كتيرة، لكن ظني أن (محمد رمضان) كعادته يفرض سلطته وتدخلاته، ورغم أنه ممثل جيدإلأ أن ذلك يظل مشروطا بأن يستسلم لتعليمات المخرج.
وعلى الرغم مما مضى من سلبيات يبقى كل من الفنانين (محمد علي رزق ، ندا موسى، سامي مغاوري، أحمد صفوت، سما إبراهيم) هم الأفضل، فكلهم يملكون شخصياتهم بشكل مظبوط، ومن ثم يصبحون هم من أهم العلامات الإيجابية في هذا المسلسل الذي يكتب سيناريو فشل (محمد رمضان) للعام الرابع على التوالي في المنافسة في كعكعة رمضان الدرامية.