رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حبر سري .. مذيعة تافهة تنعم في الجهل والسطحية !

أسما إبراهيم .. قدرة على السخافة والسطيحية التي لايمكن احتمالهما

كتب : محمد حبوشة

يفترض في المذيعة المحترمة والمهنية، أن تكون صاحبة خبرة وتدرجت في العمل الاعلامي ولديها التأهيل الكافي، ولاضير أن تكون (حلوة الطلة) وتعرف ما تقوم به جيدا، وكذلك خفيفة الظل وعفوية ولديها ثقة بالنفس واحترام للضيف والمشاهد، وصاحبة مخارج حروف سليمة ولهجة طبيعية، وابتسامة جميلة دون تكلف أو ابتذال، كما لابد أن تكون صاحبة ثقافة عالية وحضور وأريحية وتتمتع بقبول عالي وفطري، وأيضا ينبغي أن تكون ذات جمال طبيعي وليس اصطناعيا ولا مركبا، تجيد الحديث كما تجيد الاستماع، لا تقاطع الضيوف وتحسن التعامل مع الظروف الطارئة مع إجادة التصرف، وهذه الطبقة مع الأسف الشديد لا يوجد منها في هذه مصر إلا عدد لايتعدى أصابع اليد الواحدة ولا سواهن، وبالطبع فهذا حسب تقديري لا يكفي هذا للنهوض بالعمل الإعلامي على وجه صحيح، وعليه سيضعن في دائرة التيه وسط الزحام وسط مذيعات الغفلة والواسطة والمحسوبية، بفضل من ورائهن من راع رسمي يفرضها علينا بفلوسه.

ومن مذيعات الغفلة التي ظهرت خلال الشهور الثلاثة الأخيرة مذيعة تافهة تدعى (أسما إبراهيم) لاتعرف لها تاريخا ولا جغرافيا هبطت علينا في غفلة من الزمن، وبين عشية وضحاها أصبحت صاحبة برنامح فني بعنوان (حبر سري)على شاشة (القاهرة والناس)، تستضيف من خلاله أبرز نجوم الفن في مصر والعالم العربي وتجري حوارات ساذجة لاتليق بهؤلاء النجوم، فكيف يحتمل نجوم مثل (أصالة، هاني شاكر، نيكول سابا، أحمد السقا، نوال الزغبي، أحمد فهمي، حسن الرداد، سمية الخشاب) الخوض بوقاحة في حياتهم الشخصية إلا لأنها تدفع (عشرات أو مئات الآلاف من الدولار) لضيوفها (عبيد الفلوس)، فقد أصبحوا أسرى تفاهتها واستهتارها وجهلها، ولعله يبدو ملحوظا أنها من فرط جهلها تجري وراء الشائعات التي يكذبوها بأنفسهم على الهواء مباشرة بسيف الحياء، وهو ما أدى بالضرورة إلى أن تطفو على سطح اهتماماتنا مساحات شاسعة من الزبد تذهب بنا جفاء، فلا يمكث منا إلا جماجم فارغة عديمة النفع والفائدة، تستهلك رجيع الحضارات وسخيف التاريخ وشوارده على جناح بعض الفضائيات، والتي تجعل من حبات الأمور وسخافاتها قبابا سامقة تشرئب لها الأعناق وتتحرك لها الكاميرات والأقلام.

هاني شاكر يقع في المحظور لفجاجة الأسئلة
أصالة احتملت سخافتها .. لماذا .؟!

وإن المتابع لوصلات إعلامنا على شاكلة (أسما) وغيرها بشتى أنواعه، ليدرك القدر الذي وصلت إليه التفاهة في مجتمعاتنا، مؤسسات إعلامية ضخمة ذات موارد عالية، وأرقام معاملات خيالية، تشتغل على بث التفاهة والترويج لها على أوسع نطاق، والطامة أنها تلقى إقبالا كبيرا ونسبا عالية من المشاهدات والمتابعات، ومن فوقهم نجمات كبار يدخلن في نقاشات حامية الوطيس على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات، ما يدل على أن التفاهة أصبحت ثقافة عامة توجه وعينا الجماعي نحو مزيد من الانحطاط والانحدار، ما ساهم في تخرج نخبة تافهة تتصدر الحياة العامة، وتساهم في هدم قواعد الذوق السليم والتربية القيمية.

وهذا يذكرني بما قاله الروائي (ميلان كونديرا في روايته (حفلة التفاهة): (أدركنا منذ زمن طويل أنه لم يعد بالإمكان قلب هذا العالم، ولا تغييره إلى الأفضل، ولا إيقاف جريانه البائس إلى الأمام، لم يكن ثمة سوى مقاومة وحيدة ممكنة: ألا نأخذه على محمل الجد)، ففي تقديري أن ما هو أخطر من حروب الدبابات والطائرات هو حروب العقول والسيطرة عليها وتوجيه الجموع حيث يرغب الموجه، كما هى في تدفق المجاهيل النكرات الذين يعلمون من خلف حجاب على ترويج فكرة أو شائعة ما، وتعظيم شخص أو تحطيم شخص، جموع بعضها يتحرك بوعي وتدبير وتوجيه، وبعضها رغبة في الشهرة والشعبوية الفارغة، والنتيجة واحدة: الخراب والفوضى وتعميم الضحيج والصخب والتفاهة، والأخطر من ذلك جعل كل هذه السمات هى مواصفات الثقافة والإعلام الجديد ومجاراة بعض من لا تظن به التفاهة والخفة من العقلاء والكبراء لهذا الجنون.

بفعل أحد ما يملك بعض رجال الأعمال أو الشيوخ والأمراء المال الملوث، أو لعله الزمن، أور بما اللامبالاة أو اللاجدوى صارت التفاهة أسلوب عيش وطريقة حياة ونقلها بعضهم إلى الفن والأدب وامتلأت كتبنا ومحطاتنا التلفزيونية وإذاعاتنا بعباقرة وسفهاء على غرار (حبري سري) لأسما إبراهيم وغيرها، يروجون لثقافة التفاهة، ومثلما تراجعت قيم الجمال الحقيقية مقابل الجمال المصنوع تراجعت في كل مناحي الحياة ثقافة الجدية والعمق والأصالة، وبالتأكيد فإن أحد ما يروج للسطحية وينفخ في أوصالها لتكبر حتى تملأ المكان ولا ينفك عن بهرجتها لتجذب كل من تبهره الأضواء، وكأنما السطحية بضاعة تعرض في واجهة المحال التجارية يقع عليها الكثير من الضوء وفي جو من الحماية المطلقة من الشمس والمطر والغبار، تصبح السطحية بضاعة مبهرة لماعة حالها حال بهرجة برامج التلفزيون والمجلات الكريستالية وأغنيات كأنها معلقات مطلعها: (علي يا علي يا ابن عمي).

انفعلت نيكول سابا بسبب أسئلتها المحرجة، لكنها لم تنسحب
سمية الخشاب سعيدة بأسئلة أسما التافهة

صحيح أن التفاهة والسطحية كانت حاضرة في الأزمنة السابقة ولعبت دورها المعهود في حياة المجتمع، لكن اليوم هناك سطحية مدعومة ماديا وإعلاميا ويتم نقلها من مكان لآخر بسرعة البرق، وفي ظل ثورة المعلومات التي غيرت وجه العصر لا يمكن لفكرة أو لمعلومة جدية أو عميقة أو تافهة وسطحية ألا تعبر الحدود وتصل إلى أي بيت أو مكان مهما كان بعيدا أو نائيا، ولعل ترويج التفاهة سيزداد يوما بعد يوم لأن لا أحد بماله يقدم بديلا عميقا أو جديا وبين مئات المحطات التي تتخذ من الابتسامات البلاستيكية مدخلا للعبور إلى بيوتنا تقابلها مئات أخرى من محطات طق الحنك والرغي، من بينها جميعا نادرا ما نقع على حديث جذاب أو برنامج ممتع يدفعنا في اليوم التالي إلى تذكره بكثير من الرضا والامتنان، لكن أين هو ذلك الحديث وتلك البرامج، طالما كانت التفاهة عنوانا لبرامج مثل (حبر سري) وغيره من برامج الفكاهة السمجة التي تبثها (mbc مصر) ومنصة شاهد هى الأخرى.

بعد مشاهدتي لعدة حلقات من برنامج (حبر سري) – طبعا على مضض – اكتشفت أنني سأصاب بحالة من الكساح المعرفي في ظل حضور طاغي للتفاهة عبر برنامج ليس فكرته مبتكرة كي نبلع حديث مذيعته (السئيلة) ولا جمال طلتها ومخارج ألفاظها السيئة للغاية، ففقرات البرنامج هو كوكتيل من برامج سابقة وحالية لكل من (وفاء الكيلاني، وسمر يسري، وبسمة وهبة)، لكنه يأتي في تكرار ممل يبعث على الغثيان، خاصة أنها تتعامل بندية شديدة مع النجوم وكأنها من بين أهلهم أو لها باع طويل في الكتابة النقدية، لكن على رأي المثل الدراج (اطعم الفم تستحي العين)، هكذا تفعل المدعوة (أسما) في تبسيط الحوار وكأنها تجلس على مصطبة لأن وقت النجوم اشترته بفلوس راعيها الرسمي المجهول، ذل الذيك يطل برأسه من خلف ستار كالأفعي طوال حلقات البرنامج يخوض في الأعراض وينتهك المحرمات ويثير الفتنة بين النجوم.

ومن هنا تبدو لي في هذه الآونة أن قراءة كتاب (نظام التفاهة) بعنوانه الغريب والمستفز لمؤلفه (آلان دونو) لازمة وضرورية، رغم أنها محفوفة بمخاطر فخاخ طرح أسئلة مهمة وملحة تحضر مع كل فصل من فصوله، في وقت تواجه فيه الإنسانية جمعاء لحظة مفصلية على مستوى طرح سؤال جوهري عن مدى صواب أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية منها في القلب، والتي بدت كلها مهتزة في مواجهة وباء فرض نفسه بقوة على العالم بأسره، ووضع الحكومات أمام مرايا شفافة وكاشفة، لمأساة تفضيل المادة عن الإنسان، وآلان دونو، وهو أستاذ فلسفة بجامعة كيبك الكندية، أكاديمي وناشط معروف بتصديه إلى النظام الرأسمالي، يعتبر أننا نعيش (مرحلة غير مسبوقة)، أدت إلى (زوال المفاهيم العميقة، وحلول السطحية مكانها)، وهذا لا يحدث على مستوى الأفراد، بل على مستوى الدولة الحديثة ككل، إذ تدهورت المستويات الرفيعة للمفاهيم والقيم وحل مكانها نظام سطحي هش يعلي من شأن الرداءة، ولا يستنكر التفاهة، لأن كل هذا يخدم في النتيجة أغراض السوق.

بهذه الفكرة الرئيسة يواجه هذا المفكر قراءه، معتبرا أن ثمة لعبة تهيمن على كل نشاط إنساني، سواء في السياسة أو الإعلام أو التجارة، أو غير ذلك، إذ لا تجرى المجاهرة بقوانين هذه اللعبة أو الأطر العامة لها، بل تمارس فعليا حين تستبعد القيم من الاعتبار، ويهيمن مقياس الربح والخسارة، ويدير اللعبة أولئك الأشخاص الطامحون إلى النجاح السهل والسريع، وتكون لغتهم (اللغة الخشبية)، أي المحملة بالحقائق وتأكيدات المؤكد، إنه ذاك الخطاب الأجوف الصالح لكل زمان ومكان، وبالنسبة إلى السلطة، فإن الشخص التافه هو الفرد المعتاد الذي يستطيعون نقل تعليماتهم من خلاله، بما يسمح بترسيخ نظامهم، بالتالي يؤدي قانون المصالح هذا إلى تشوه الجسد الاجتماعي العام، وإلى انكفاء الفرد الجاد والحقيقي على نفسه، وانسحابه بالتدريج من المجتمع، لأنه محاط بأشخاص مثل (أسما إبراهيم) ينطبق عليهم قول نيتشه (يكدرون مياههم كي تبدو عميقة).

ويرى الفيلسوف آلان دونو وبشكل تاريخي وجمعي أن الفساد يلاعب نفسه بنفسه، ويصل في أي حال إلى نهايته الخاصة، إنه ليس دمارا هامشيا، شرا محدودا، علامة سطحية، ويستعين (دونو) بأرسطو لتوضيح فكرته عن الفساد، ففي كتاب أرسطو المعنون (حول الكون والفساد)، يوضح كيف (أن الفساد لا يحدث ببساطة بمجرد أن يتحول الشيء أو يبلى، بل إن الفساد يقع عندما يتغير الشيء بشكل عميق، حتى لا يعود من الممكن التعرف إلى طبيعته)، هنا يظهر عمل الفلسفة التي عليها أن تخرج بمفاهيم جديدة، تمكن من استيعاب ما أدى إليه الفساد من وجود كيانات جديدة، ومن ثم العمل على عرقلتها مرة أخرى.

أما الثقافة، فحدثت تحولات كبيرة لها، حين قلبت إلى مجرد صناعة للترفيه، واستعمار العقول من قبل الإعلان التجاري والبرامج التافهة وسيطرة نظام التمويل على الاقتصاد، ويبدو الخطر الذي يواجهه مثقف اليوم، بالغرب كما في بقية أنحاء العالم، يكمن في موقف عام شامل يسمى (المهنية)، لقد صارت هذه المهنية في الإعلام تقدم نفسها وكأنها التفاف ضمني بين منتجي المعرفة والخطاب من جهة، وملاك رأس المال من جهة أخرى، المهم أن كتاب (نظام التفاهة) يقودنا إلى التفكير بكل ما يحيط بنا: السياسة، والاقتصاد، والتجارة، والكتب، والتلفزيون، والعمل، والصحافة، والشبكات الاجتماعية، واللغة، واضمحلال الحرفة، وظهور المهنة، وسيطرة النظام الرأسمالي، وحرصه على تنظيم السوق، وضبطه على هواه.. فهل نستوعب درس (دونو) ونعيد الاعتبار لمهنة (الإعلام) التي أصبحت (مهنة من لا مهنة له) طالما يملك صاحب البرنامج أو (راعيها الرسمي) المال الوفير للدفع بـ (أسما) وغيرها على شاكلتها من مذيعات التفاهة والسطحية؟!، أم: هل علينا أن نعترف بأنه زمن الميديا حيث لا سلطة إلا لمن يحتكر التقنية ويصرف مضامينها وفق أجندته فقط لا غير؟!!.

نوال الزغبي تتعرض لموقف سخيف لا يعدو أن يكون شائعة
حسن الرداد مندهش لفرط السذاحة .. ولكن؟!
السطحية والافتعال كانت عنوان حلقة أحمد السقا
أحمد فهمي مندهش لوقاحة توريطه !

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.