بقلم : محمد حبوشة
يكمن الفارق بين الممثلين المحترفين والممثلين العاديين في التميز في طريقة الأداء، وعادةً ما يقوم أي ممثل ناجح بأداء شخصيات مختلفة تماما، لكن توجد بصمة خاصة لكل ممثل ناجح ومشهور تميزه عن غيره، والأمر المؤكد أن تشكيلك لأسلوبك قد يستغرق العديد من السنين، وهو ما يبدو جليا في حالة الفنان السوري الكبير(أيمن زيدان)
ضيفنا في باب (بروفايل) هذا الأسبوع (أيمن زيدان) احتاج إلى ممارسة التمثيل في أكثر من عمل ليصل إلى أسلوبه المميز، ومن ثم كون لهجته الخاصة به، طريقته المميزة في نطق الكلام، حتى أصبحت طريقته تلك بمثابة علامة تجارية خاصة، فضلا عن تكوينه تعبيرات وجه مميزة.
خاصةً إذا شاهدته في أعمال من التراجيديا الاجتماعية، والأكشن الخفيف، كما نراه في مسلسله الذي يعرض حاليا (العميل) على (شاهد)، والذي يتجلى فيه بأداء عذب يرقى إلى مستوى النجوم الكبار في السينما العالمية أمثال (مارلون براندو) في (الأب الروحي)، أو حتى في شخصياته الأخرى في مجال الكوميدي.
وحتى في مسلسلات البيئة الشامية يسجل (أيمن زيدان) حضورا مميزا في محاولاته التي تجمع ما بين شخصيته الحقيقية وطريقة الأداء المفضلة والتي تعكس أنه يتمرن باستمرار لتكون لديه طريقتك الخاصة.
النجم السوري الكبير (أيمن زيدان) يحمل بلا شك صفات الممثل الناجح الذي هو عادة ما يكون اجتماعيا محبا للناس من حوله، بشوشا تعلو وجهه ابتسامة مشرقة وجذابة دائما، فضلا أنه صاحب نبرة صوت مميزة وحضورا قويا في مختلف الأداور والشخصيات التي يجسدها.
فهو ممثل بارع في أن يمسك بخيوط كل المواضيع وأن يطوعها ليعبر عن وجهات نظره ويتحكم في مختلف المواقف ويسيطر على الحديث بدون أن يشعر الآخرون بالضيق أو الملل بما يملك في جعبته من النكات والمواقف الطريفة، وكذلك سرد القصص والمواقف التي حدثت له أو سمع عنها.
و(أيمن زيدان) فوق كل ذلك يضع كل تفكيره وجهده في محاولة محاكاة الشخصيات التي يصورها، بحيث يستخرج كل طاقتك في التمرن وتقمص الشخصيات التي يتماهي معها لدرجة أن تنسى أنك تنسى أن الممثل الذي أمامك هو (أيمن زيدان) نفسه.
جزء من الذاكرة السورية
شكل الفنان الكبير (أيمن زيدان) جزءا من الذاكرة الفنية السورية، بمئات الأدوار التلفزيونية والسينمائية كممثل وكمخرج، وكتب اسمه من بين عمالقة الفن ليس على المستوى المحلي في سوريا فقط، وإنما على مستوى المشهد العربي الثقافي والفني بشكل عام.
ومن هنا فإن الحديث عن الفنان السوري المبدع (أيمن زيدان) يطول، فهو رائع روعة أهل الشام الطيبين.. يأسرك بإنسانيته، بآرائه الجريئة الواضحة.. لم تغره ملكاته المهولة في التمثيل والإخراج بفرض قناعاته على الآخرين، بل تعداها لهامش أشيائه الخاصة مقنعا نفسه بتداعيات نجاح إنتاجه تاركا البقية يواصلون في ذات خطهم الذي انتهجوه عنواناً لمسيرتهم دون نبرات تضاد أو أدنى عبارات استهجان.
(أيمن زيدان – مع حفظ الألقاب – صنع اسما من ذهب في عالم الدراما والمسرح والسينما السورية والعربية، إلى أن أصبح علامة فارقة في عالم الفن العربي، لكن بقاء الحال من المحال، فالحرب التي جرت في بلاده جعلت منه إنسانا آخر، حزين على وطنه الذي تمزق، وعلى قريته (الرحيبة) حيث النسور وهو نسرها.
لكنه لم يستطع لسنوات أن يدخلها ولم يستطع زيارة قبر ابنه، ناهيك عن تدمير منزله الذي كان حلمه، تزامن ذلك مع جور الأصحاب في عالم مليء بالتناقضات والمصالح من قبل زملاء الكار، ومع هذا تحمل (أيمن زيدان)، لكن الفنان الحساس المرهف بالفن والإنسانية لم يعد يستطع ان يتحمل، فكتب مرات ومرات مناجيا ابنه (انه خائف عليه من الأصدقاء الذي كان جسرا لهم يوما إلى أن وصلوا على ما هم عليه اليوم من نجومية في عالم مليء بالأشواك).
بداية تعلقه بالفن
ولد (أيمن غالب زيدان)، في الأول من سبتمبر عام 1956 في قرية (الرحيبة) شمال شرق العاصمة السورية دمشق، والده غالب كان شرطيًا، وله سبع إخوةٍ وأخوات، وعاش أيمن في عائلة متوسطة الحال، وكان يعمل في العطل الصيفية بعد انتهاء السنة الدراسية، كما عمل مدرسًا في مدرسة ابتدائية خلال دراسته الجامعية.
وبداية تعلقه بالفن كانت مع عمله في أحد مسارح دمشق بعد أن انتقلت العائلة إلى هناك، فعشق المسرح والتمثيل، إلا أن عائلته رفضت خياره هذا، فالتحق بكلية الحقوق لمدة عام ثم بكلية التجارة، قبل أن يفتتح المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، فالتحق به (أيمن زيدان) وكان عمره 22 عامًا، لكنه امتلك موهبة مميزة منذ الصغر أثقلها بالدراسة ونماها بالممارسة والاطلاع ما أوصله للعب أدوار كبيرة في أعمال خالدة في أرشيف الفن السوري والعربي.
تتلمذ على يد أسعد فضة
تتلمذ (أيمن زيدان) على يد العديد من كبار الفنانين في سوريا مثل أسعد فضة، وتخرج عام 1981، لينخرط بمجال العمل الفني مباشرة من خلال المسرح سواء كممثل أو كمخرجٍ في كل من المسرحين القومي والجوال، ثم سافر أيضا إلى ألمانيا ليخضع لدورة تدريبية في الإخراج المسرحي في برلين.
وبعد عدة سنوات أصبح مديرا للمسرح الجوال، وأخرج زيدان للمسرح مسرحية (رحلة حنظلة) عام 1988، عن نص للكاتب (سعد الله ونوس)، أما أولى أعماله التلفزيونية كانت في مسلسل (نساء بلا أجنحة – 1983، حيث منحه المخرج مأمون البني فرصته الأولى، وشارك بعدها في الفيلم السوري (أحلام المدينة) للمخرج محمد ملص والذي حصل على جائزة مهرجان كان السينمائي عام 1984.
من أهم نقاط التحول في حياة (أيمن زيدان) الفنية كان مسلسل (نهاية رجل شجاع) عام 1993 المأخوذ عن روايةٍ للكاتب السوري (حنا مينا)، وإخراج (نجدت أنزور(، وفي هذا المسلسل أدى زيدان دور (مفيد الوحش) الإنسان البسيط الشهم، وحقق المسلسل انتشارًا واسعًا محليًا وعربيًا.
وجعل اسم (أيمن زيدان) يلمع في الوسط الفني، هذا النجاح مهد إلى شراكة فنية بينه وبين (نجدت أنزور) فقدما سويا مجموعة من الأعمال المهة في الدراما السورية، لكن إثنان من أكثر الأعمال التي شهرت اسم (أيمن زيدان) كممثل قادر على تأدية كافة الأدوار من الكوميدي إلى التراجيدي وهما المسلسل الكوميدي (يوميات مدير عام) الذي قدّم فيه دور الدكتور أحمد عبد الحق بجزئه الأول.
والذي يعد من أهم تجاربه الكوميدية مع المخرج (هشام شربتجي)، ومسلسل (الجوارح) مع نجدت أنزور وتعززت شهرته بعدها من خلال دور (أسامة) في هذا المسلسل، والذي مثل انطلاقة حقبة قوية من مسلسلات الفنتازيا التاريخية.
أبرز أعماله التليفزيونية
في التسعينات أيضا شارك في العديد من الأعمال وهي: مسلسل (احتمالات، هجرة القلوب إلى القلوب، الخشخاش، سكان الريح، الطوق، الدغري، صوت الفضاء الرنان)، وحتى نهاية التسعينات، قدم العديد من الأعمال التي نالت جميعها استحسان الجمهور وهي: مسلسل (إخوة التراب ج1، تل الرماد، أيام الغضب، الطويبي، يوم بيوم، جواد الليل، هوى بحري، أخوة التراب ج2، تاج من شوك، يوميات جميل وهناء).
وفي السينما قدم (أيمن زيدان) فيلم (الطحالب)، وفي عام 1999 رشح نفسه لمجلس الشعب السوري ونجح لدورة واحدة ولم يعيد ترشيحه حتى يستطيع التفرغ للفن، وبالفعل قدم في عام 2000 مسلسل (ليل المسافرين) عن رواية البؤساء لفيكتور هوجو.
خاض (أيمن زيدان) أول تجاربه في الإخراج التلفزيوني عام2001 ، وقدم أول تجاربه كمقدم برامج من خلال برنامج (وزنك ذهب) لمدة موسم واحد، وخلال سنوات الألفية الجديدة شارك في العديد من الأعمال السورية والعربية على مستوى الدراما التليفزيونية والسينما.
وهى: مسلسل (أنت عمري، بطل هذا الزمن، يوم بيوم، حنين، هولاكو، ألو جميل ألو هناء، زمان الصمت، طيور الشوك (مخرج العمل)، ملوك الطوائف، على طول الأيام، جوز الست، أنا وأربع بنات، الوزير وسعادة حرمه، رجل الإنقلابات، عيون ورماد، رصيف الذاكرة، قاع المدينة، نسيم الروح، الدوامة، صدق وعده) وفيلم (الرسالة الأخيرة) والفيلم التلفزيوني (صورة)، ومسرحيتي (سيدي الجنرال، وسيلينا).
مجموعة قصصية قصيرة
عام 2008 صدرت لـ (أيمن زيدان) مجموعة قصصية بعنوان (ليلة رمادية) تضم مجموعة من القصص القصيرة، وفي عام 2009 قدم برنامج (لقاء الأجيال – سوبر ديو) مع ابنه الأصغر (نوار) بنسخته الأولى والثانية، وهو برنامج من إنتاج تلفزيون أبو ظبي، أما عام 2010 فقد شارك في مسلسلات (تقاطع خطر، مطر إيلول، رايات الحق)، وأعاد عام 2011 مسلسل (يوميات مدير عام) إلى ذاكرة الجمهور من خلال جزءه الثاني مع المخرج زهير قنوع.
عام 2012 شارك في مسلسلات: (ما بتخلص حكايتنا، إمام الفقهاء، زمن البرغوت، حاميها حراميها)، والمسلسل العراقي (حفيظ)، ومسلسل (خيبر) واللذان عرضا على شاشات القنوات العربية في موسم رمضان 2013، وشارك أيمن زيدان في الجزء السادس من باب الحارة الذي عرض في رمضان 2014، وفي 2015 قدم مسلسلات: (الأب، وحرائر، ودامسكو).
وبعد غياب 3 سنوات عن المسرح عرض (أيمن زيدان) مسرحيته الجديدة (دائرة الطباشير القوقازية) مع المسرح القومي على مسرح الحمراء الدمشقي مخرجا لها، فضلا عن (مسافرو الحرب – 2017)، وفي 2018 أخرج فيلمين هما (أمينة ، وأجيال الشمس، ثم أخرج مسرحية (ثلاث حكايا) في عام 2019.
خاض كل التجارب الفنية
الفنان السوري (أيمن زيدان) أحد النجوم القلائل في العالم العربي ممن عرفوا بثقافتهم الواسعة، وهو نوع من الممثلين الحريصين على خوض كل التجارب التي تسهم في صناعة فنان برؤى مختلفة، لم يكتف بكونه (ممثل تليفزيوني)، أو (ممثل ومخرج سينمائي) أو حتى (ممثل ومخرج مسرحي).
بل خاض كل هذه التجارب وبنجاح، ومنها كتابة القصة، فبعد مجموعتيه القصصيتين اللتين صدرتا تباعاً وهما (أوجاع، وليلة رمادية)، وصدر للفنان والنجم (أيمن زيدان) عمل ثالث بعنوان إيحائي هو (تفاصيل) ليأخذنا عبرها إلى ما يشبه السيرة الذاتية التي يقطّرها منذ لحظة ولادته.
وبحسب الكاتب السوري (أحمد علي هلال)، حاول رسم ملامح أزمنة وأمكنة وشخوص كان لها الدور الأبرز في تأثيث ذاكرته، إذ الذاكرة هنا تعمل بتداع محسوب لتبث مشهدياتها وعبرعدة مشاهد يؤلف بها تفاصيل تلك الأمكنة والأزمنة المحلوم بها، والأكثر استدعاءً للحنين منذ لحظة الولادة إلى دوره مدرباً في المسرح الحر.
فضلاً عن تلك المهارات الضرورية التي كونت شخصيته الفنية انطلاقاً من إرهاصات وهواجس ظلت تعتمل في وجدانه منذ أن اختار أن يكون ممثلاً مسرحياً، ويقوم بعروضه الأولى في قريته الوادعة (الرحيبة).
وإذا كنا هنا أقرب إلى صورة الفنان (أيمن زيدان) في شبابه فنحن إزاء تلك التجليات المتدفقة والتي تعني سيرتان بآنا معاً: السيرة الذاتية والسيرة الموضوعية، واللتان ستفيضان من متخيلهما الواقعي إلى ما يعني تكوين شخصية ستكون لها فرادة وأسلوبية بعينهما، أي بما يتصادى من خلالهما في وعي الفنان/ الإنسان، وعلى الأرجح فإن تلك التفاصيل برشاقتها واختزالها.
هى كناية عن رحلة ستبدأ من الطفولة المبكرة إلى لحظة فارقة في حياة الفنان (أيمن زيدان)، بانكشاف تلك الأزمنة البعيدة القريبة، التي ألفت فيها ذاكرته محكيات سردية باذخة في تأليفها، وهى تتنكب الطقوس الاجتماعية وصولاً إلى نماذج الشخصيات التي اختارها بعناية:
منذ صعدنا معه في باص (أبو إلياس)، لتنكشف أمامنا الأمكنة والفضاءات الأخرى المحايثة، انكشافا سيأخذنا بالضرورة إلى ما يشبه فصول رواية سيرية مختزلة، يتعاضد فيها الواقع والمتخيل في صور سردية، بؤرها المشعة من العائلة إلى الأصدقاء وسواهم.
محكياته الاجتماعية المدهشة
وهذا – على حد قول هلال – ما يؤسس لدى المتلقي وهو يدلف إلى ذاكرة الشخوص، وهى مستلة من القاع الاجتماعي بمحكياته المدهشة، رؤيا سوف تجد كثافتها في حكاية الفراشات والضوء، والفرح المسروق، وقصص الحب العابرة لأزمنتها، قبل أن تتجسد في (كارمن) تلك المرأة ذات الوجه الطفولي التي كانت تصغر أيمن زيدان بعام واحد، والتي دخلت (المسرح الحر) للمشاركة في عرض مسرحي في المحافظات السورية.
ولعل أشهى ما يفيض عن ذاكرة الحنين هو تفاصيل الرحلة من (دمشق إلى الرحيبة)، وبكل أبعادها السيكولوجية، وكيف تنفتح عين الرائي والكاتب العليم إلى ما يمكن أن نفتتح به تلك المدونة التي تعرفنا من خلالها كيف طارد (شيطان التمثيل) الفنان (أيمن زيدان،) ليصبح هو المسرحي، انطلاقاً من محاولاته تأسيس فرقة مسرحية تغذي اهتمامه بالتمثيل.
فمنذ محاولاته الهروب من (ثانوية جودت الهاشمي)، بل في تلك المحاولات – أثناء الدراسة – لتتخلق شخصيته الأخرى، في تفاصيل سنعبر فيها مع أيمن زيدان إلى المشهديات الاجتماعية والاقتصادية والعاطفية، وانكسار دفء الأحلام، وبرهات الانتظار، بل نماذجه الاجتماعية التي صوّرها بعناية، أبطال على مسرح حكايته من لحم الواقع وفتنة المتخيل.
وفي تفاصيله يتطير (أيمن زيدان) إلى بلاغة الحالة، وبلاغة الفكرة في سياقها وصيرورتها ومسارها، لا سيما عبر ما يبثه مضمر حكاياته، من محاولات الوقوف على تاريخ ما لشخصيات بعينها لا سيما الثرية (للأسف أدمن أولئك البسطاء عاداتهم المقيتة في صياغة تاريخ مزيف، لكل الذين بدأت ملامح الثراء تتقحم حياتهم، من أصحاب مقالع الرخام أو تجار الطير الحر).
ثمة ذهاب إلى ما يعني الذاكرة الفردية والجمعية، لكن الأدل في التفاصيل، وذلك المعنى التي يؤلف رحلة (أيمن زيدان) (أكثر من ستون عاماً لم تمنحه سوى الخيبة ونتفاً من الفرح، وأخيراً كللها بما حدث معه)، وهكذا نذهب في قراءة عوالم (أيمن زيدان) بمكوناتها وعتباتها.
قراءة في شرط إنساني، على الأرجح يأخذنا إلى المزيد من التأويل بأفعال الفن ومرجعياته، وما يمكن لنا أن نشتق – من خلالها – غير بعد للصورة وظلالها المضيئة، أي صورة الفنان في طفولته وشبابه، لعلها الصورة المنشودة والأكثر تطلباً للحلم، ومكابدة تحققه، إذ إن الإنسان كائن حالم بالضرورة كما ينهي كلامه عنه أحمد علي هلال.
العجز وتلاشي الأمل
لا أحد يدري أين سيأفل نجم الفنانين السوريين ومنهم (أيمن زيدان)، وكم حجم السواد الذي سيلف أيامهم القادمة، وهم يعيشون مأساة ربما لم يعرف تاريخ الوطن العربي المعاصر مثيلاً لها، في حديث عابر لأيمن زيدان مع جريدة (الأخبار) أغسطس 2013 كشف أنّه مر من بيروت سريعاً قبل العودة إلى القاهرة.
مضيفاً: (في المطار انتظرت طويلاً نداء الطائرة المتوجهة إلى دمشق لكنني لم أسمعه، وصار هذا النداء هو أكثر ما افتقده اليوم)، ورغم الجراح، لم يتوان الممثل السوري عن الضحك، سائلاً: (ما الذي يمكنني فعله أمام هذا الهول)، متحدثاً عن شعور بـ (العجز وتلاشي الأمل).
وفي جملة موجعة يقول (أيمن زيدان): (نحن مجرّد مراقبين لخراب ببلادنا)، أما الأوضاع المهنية، فاعتبر أنها: (تنزلق كنتيجة منطقية لهذا التهالك، وهذا ما يجعلني أنطوي على نفسي بعيداً عن الناس وأفتح هذا الفضاء الافتراضي من أجل الفضفة ليس أكثر).
وفي نفس الحديث يقول (أيمن زيدان) عن مدينته التي تقصف، موضحاً: (أقضي الوقت في إحصاء أقربائي وأبناء إخوتي الذين قضوا في أحداث الرحيبة التي لم تنته بعد، وأتابع عن كثب حزن عائلتي البعيدة عن بلادها النازفة)، وفي ما يتعلّق بمرض زوجته، يقول: (دخلنا مرحلة العلاج الكيميائي وأنا أكرر تجربة نوّار ذاتها قبل أن أشفى منها).
وفيما يطفئ شمعته السابعة والخمسين – آنذاك – كان يعاني (أيمن زيدان) كما يقول على لسانه: (جرعات مفرطة من الخيبة تتآمر على الروح فيما الوطن ينسل بعيداً، ومن غربة مهنية غير منصفة، وارتدادات ذلك على حياتي الشخصية كلّها)، ويختم بأنه (ليس من الجبن إقراري بالهزيمة.. وليس من الحمق شعوري أنّ الأمس أفضل من اليوم واليوم، أفضل من الغد!).
حال الدراما السورية
ولقد لفت نظري مؤخرا تعليقه حول حال الدراما السورية اليوم قائلا: الدراما السورية ليست بخير وتعاني من ارتدادات الأزمة وهي بحاجة لتوقف، وخاصة دراما البيئة الشامية التي يراها بحاجة لإعادة تقييم والخروج من الدوائر المتشابهة التي تتحرك فيها.
ويضيف: أعتقد أن تضفير المادة التاريخية مع المادة البيئية بشكل متقن هو واحد من الحلول بمعنى أن نقدّم حقائق ووثائق وأن نقرأ تاريخا يتضافر مع القيم المطروحة، فما يقدّم في معظم الأعمال الشامية هو ما يشبه الفانتازيا البيئية الافتراضية وتتكئ على حكايا افتراضية متخيّلة تحكمها لتقديم مجموعة من القيم.
وأرى شخصيا – يقول (أيمن زيدان) – أنه آن الأوان لتخرج دراما البيئة من الإطار المتشابه الذي تتحرك فيه منذ سنوات لتقدم نفسها بمنطق آخر قد يكون فيه المعطى التاريخي حجر أساس يرصد التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لسوريا في مطلع القرن الماضي.
وعند سؤاله عن غيابه عن المسلسلات التاريخية والتي كان له حضور متميز في الكثير منها، يبتسم (أيمن زيدان): هذا السؤال يجب أن يوجّه للجهات الإنتاجية فالممثل بالمشروع التلفزيوني هو حلقة من سلسلة دائرة معقدّة ولذلك المال الفني الذي هو من يقرّر طبيعة هذه المشاريع، نحن طرف في صناعة مشروع ولكننا لسنا أصحاب المشروع، وتراجع أعمالها أو زيادتها مرهون برأس المال الإنتاجي فهو صاحب القرار وأرى أن هناك غيابا واضحا للدراما التاريخية.
وأنا شخصيا أميل لأن أكون متواجدا فيها لأن العلاقة بين الماضي واليوم والمستقبل علاقة تكاملية، فمن التاريخ نتعلم ومن تجاربنا الماضية نلقي الضوء على أشياء تشبه ما مررنا به الآن ولذلك طرح الدراما التاريخية مسألة أراها ضرورية.
جواز حصل عليها
جدير بالذكر أن (أيمن زيدان) حصل على عدة جوائر ومنها جائزة (مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي) عن فئة أفضل ممثل في الأفلام الروائية الطويلة عن دوره في فيلم (الأب) للمخرج السوري باسل الخطيب، كما حصل على جائزة أفضل ممثل عربي في (مسابقة نور الشريف للفيلم العربي) عن الفيلم نفسه، (جائزة السلام) في ختام فعاليات (مهرجان الفجر السينمائي في العاصمة الإيرانية طهران) ضمن مسابقة أفلام الشرق عن فيلمه أمينة.
من أشهر أقوال أيمن زيدان:
** عشت العديد من الخيبات خلال حياتي العاطفية.
** ما تقدمه الدراما السورية اليوم بمعظمه أكثر من رديء.
** الحرب أخذت بيتي وسكينتي التي كنت أسعى إليها.
وفي النهاية نقدم من جانبنا في بوابة (شهريار النجوم) تحية تقدير واحترام لأيمن زيدان، الفنان والإنسان والحكاء الذي يروي شهادات حية على موقعه الرسمي عن سوريا وطنه الذي يعشقه ويشعر بما عانته سوريا منذ بداية حربها.
قائلا: إنه وضع قد لا يتحمله شعب آخر، وإن مررت في شوارع دمشق تشم رائحة البارود، وإن قادتك قدماك عزيزي القارئ لتمر على نهر دجلة متأملا البيوت، والميادين، والمساجد حتى المسجد الأموي، والأسواق، تتنفس عبق تاريخ هذا الوطن الذي يكتب ويمثل عنه (أيمن زيدان).
هو يحاول أن ينقل للناس صورًا مؤلمة عن وطن لا يستحق كل هذه الآلام وهذه المعاناة التي عاشها شعبه، لكنه يتفاءل في كل مرة، حيث يقول لنا إن من يحب وطنه يبقى فيه يناضل من أجل أن تبقى جدرانه متماسكة.