الحفيدات المحظوظات
بقلم : د. سامية حبيب
ممثلات ومخرجات وكاتبات اليوم أو كما يحببن أن يوصفن النجمات ، هن بالمعنى الحرفي حفيدات حفيدات رائدات بدأن العمل بالفن منذ مطلع القرن العشرين، بين ظروف أقل ماتوصف به الصعوبات المادية فلم يعرفن المجوهرات والملابس الفخمة والسيارات الفارهة وإعلانات الملايين وغيرها مما يعد بالملايين من الجنيهات أو الدولارات. وتحملن الصعوبات الاجتماعية التي واجهنها مثل النكران العائلي أو الطلاق وغيرها حبا في الفن والمجد الذي جاء بعد سنوات طوال من الكفاح بالسفر عبر مدن وقرى مصر ، وزوال فرق وإنشاء غيرها .
فمنذ عام 1917 حين أنشأت المطربة منيرة المهدية فرقة مسرحية لتقديم الأوبرا والأوبريت وإلى تكوين الفرقة القومية عام 1939 ، شهد المسرح كفاح كبير من الفنانيين والفنانات لتأسيس هذا الفن في المجتمع المصري ، فلايسقط من ذاكرتنا أسماء (روزا اليوسف وفاطمة رشدي وزينب صدقي ودولت أبيض)، وغيرهن مغمورات مثل (فكتوريا موسى وعليه فوزي) وهن زوجات أصحاب (فرقة عكاشة ) عبدالله وذكي. وأغلبنهن كن الأعمدة الأولى التي قامت عليها السينما المصرية أيضا.
وتثبت الحقائق أن وجود أولائك الرائدات كان سببا في الحماس لكتابة النص المسرحي عند روادنا، فذكرت فاطمة رشدي في مذكراتها (جاءني عزيز عيد .. وهو يحمل رائعة شوقي مصرع كليوباترا وهو طائر من السعادة، وقال لي: إن شوقي بك أهداك الرواية، أول مسرحية شعرية كتبها خصيصا للمسرح، وأثمر ذلك إقدام كتاب شباب حينها لتقديم نصوص كتبت شعرا و نثرا مثل محمد تيمور وتوفيق الحكيم .
ولاغرابة أن أول نص مسرحي كتب بقلم نسائي حين أقبلت الممثلة الرائدة دولت أبيض على ذلك حين قدمت فرقة (اتحاد الفنانيين) عام 1934 مسرحية (دولت) تأليف وتمثيل دولت وإخراج عمر وصفي وكانت خطوة كبيرة حينها رغم فقد النص الأصلي مثل غيره في تلك الأونة، وتلك الواقعة تؤكد أن المسرحية كتبت لتقدم وكانت تلك الفرقة مكونة من ممثلين بأموالهم الخاصة ويقتسمون الأرباح وهي قليلة في ذلك الزمان.
وهناك محاولات مبكرة أيضا لكتابة النص المنشور الذي لم يتح له العرض فوق خشبات المسارح – وكان من المفاجآت العلمية التي قدمتها في دراستي للدكتوراة – وجود نصين حملا اسم الأديبة التي ذاع صيتها في الثلث الأول من القرن الماضي (مي زيادة)، حيث نشر لها بمجلة الهلال الرائدة نصين من المسرحيات القصيرة فصل واحد فقط ، وعلى أهمية هذا كان الأمر يؤكد اهتمام ووعي بنوع أدبي وفني لدى المثقفة سواء كاتبة أو ممثلة أو صاحبة فرقة . كان الدافع تأسيس وتطوير فن أصيل وليس مجرد مجد شخصي، فماذا فعلت حفيدات أولئك الرائدات ؟ وهل وعين بصدق كفاح الجدات، ليصل الأمر لهن بهذه السهولة فتقتني الواحدة منهن الملايين من الأموال والملابس والمجوهرات في حين رحلت أغلبهن فقيرا ت معدمات مثل الرائدة فاطمة رشدي.
في علم اللغة من علامات الكلمة المؤنثة إنهائها بحرف التاء المربوطة أو المفتوحة، مثل كلمة إمرأة أو سيدة في وصف النوع البشري. وكلمة (الكتابة) والتي تصف مايكتب بالحروف في اللغة العربية، تعد كلمة مؤنثة لخضوعها لهذه القاعدة اللغوية، لكن في حقيقة الأمر الواقع فإن الكلمة حين تذكر شفاهه أو مكتوبة فإنها تحيل في الوعي الجمعي إلى فعل يقوم به الرجال فتجدنا نذكر دائما أسماء كتاب وما أكثرهم في تاريخ الأدب باللغة العربية ونفخر بهم لكن السؤال لماذا لانذكر بنفس الفخر الكاتبات النساء وهن كثر وتذخر بكتابتهن أرفف المكتبات لكنهن منكورات من وعينا الجمعي فحين تذكر الرواية وهي نوع أدبي مؤنث أيضا فإننا نفخر بنجيب محفوظ ويوسف إدريس ولانذكر جاذبية صدقى ولا سكينة فؤاد ولارضوى عاشور.
وحين نتحدث عن الشعر نذكر أمير الشعراء وحافظ ثم حجازي وعبد الصبور ودنقل ولانذكر عائشة التيمورية ولانازك الملائكة ولا فاطمة قنديل وحين نتحدث عن المسرح لانذكر كاتبات ولانعرفهن، رغم أنني شخصيا ومنذ عشرين عاما بالتمام والكمال خضت مغامرة باختيار موضوع لم يدرس من قبل (صورة المجتمع في مسرحيات الكاتبات المصريات)، ولم أجد مرجع واحد يذكر اسم كاتبة مسرح رغم أنني وجدت نصوصا مطبوعة وبعضها قدم بالفعل على المسرح المصري دون اهتمام علمي بتسجيل ذلك في مراجع تاريخ المسرح، فكان المعروف أن فتحية العسال كاتبة مسلسلات للتليفزيون في حين كان لها أكثر من عشرة نصوص مطبوعة وقدم أغلبها على المسرح مثل (سجن النسا – المرجيحة – بلا أقنعة)، وعرفت دكتورة نوال السعداوي ككاتبة سياسية رغم أن لها نص هام بعنوان ( إيزيس ) واشتهر للدكتورة لطيفة الزيات روايتها (الباب المفتوح) – وذلك لتحولها لفيلم بطولة السيدة فاتن حمامة – ولم تعرف مسرحيتها (بيع وشرا).
وعرفت نهاد جاد كصحفية إلى أن تم تقديم مسرحيتها الهامة (ع الرصيف) التي حظيت بنجاح حين قدمت بمسرح جلال الشرقاوي بطولة سهير البابلي وحسن عابدين. في حين ظلت أسماء كاتبات أخريات هامات مثل ليلى عبد الباسط ونادية البنهاوي وناهد نجيب ووفاء وجدي وغيرهن في محيط المسرحيين فقط . وأسماء وفيه خيري وأمينة الصاوى ومنى نور الدين وكوثر هيكل ومنى الصاوي وبسر السيوي ثم جيل تالي مثل سماح الحريري وماجدة خير الله ومريم ناعوم ونجلاء الحديني . وماجمع بينهن جميعا ممارسة الكتابة للتليفزيون والسينما لكونهن في الأساس كاتبات .
الممثلة الكاتبة
بعد سنوات طوال من تجربة الممثلة الرائدة دولت أبيض جاءت الممثلة نادية رشاد وكتبت الفيلم التليفزيوني (أسفة أرفض الطلاق) الذي أخرجته أنعام محمد على وأحدث ضجه حين عرض لموضوعه الجديد وهو رفض زوجة طلاق زوجها لها غيابيا حسب هواه الشخصي وكأنها جارية لديه ، وحول نفس الفكرة أي مشكلات المرأة داخل المجتمع كتبت نادية رشاد (القانون لايعرف عائشة – جواز في السر) ثم جاءت ابنتها نجلاء الحديتي لتكمل مسيرتها مع مجايلتها مريم نعوم، حيث قدمتا إعداد استحوذ على اهتمام الجمهور في مسلسلي (ذات، وسجن النساء) وبهما مشكلات المرأة المركزالدرامي.
وهناك ممثلة أخرى كتبت للتليفزيون نحو ثمانية عشرعملا أكثرها مسلسلات هى سميرة محسن مثل (المرأة والقانون – من كل بيت حكاية ) وغيرها . ربما كانت أكثر ممثلة حازت شهرة حين كتبت هى إسعاد يونس ربما لأنها كتبت في الكوميديا المسلسل الشهير (بكيزة وزغلول) في جزئين ثم فيلم (ليلة القبض على بكيزة وزغلول).
وبعودة ظاهرة كتابة الممثلة في مسلسل (لؤلؤ) الذي كتبت قصته بطلته مي عمر يأتي السؤال : ماجديد هذا المسلسل وهل هي مهمومة به بقضايا عامة مجتمعية بحيث تلقي الضوء على هموم ومشكلات جمهور المشاهدين الذي أضحى مع انتشار التليفزيون والوسائط المرئية بالملايين، أم اقتصرت على قضايا جيلها من الشابات اللاتي يختلفن عن جيل الممثلات الكاتبات التى ذكرنهن في السطور السابقة ولكن بعد مشاهدة (لؤلؤ) لم نجد هذا ولاذاك .
بدأ من عنوان المسلسل وهو اسم شخصية البطلة تشعر بالغربة فالاسم نادر أن تحمله فتاة في مصر، وموجود في دول الخليج باللهجة العامية ينطق ويكتب (لولوا) أي (لؤلؤة) حيث يمثل صيد الؤلؤ من عمق مياه الخليج، أحد ثروات وتراث تلك البلاد ولذا يطلقونه على بناتهن بكل مايحمل من دلالة وقيمة .
ولاتجد في القصة أي جديد الزوجة الجميلة الشابة تعاني من غيره زوجها بسبب فارق العمر بينهما وبينما تقع هي في حب شاب وسيم وتتحايل على اللقاء به إلى ان يكتشف زوجها تلك العلاقة وتثور المشكلات، تسير أحداث المسلسل بين مصادفات ساذجة وحوار باهت وانفعلات مفتعلة، ويبدو أن الأهم كان استعراض ملابس وأحذية وسيارات البطلة وطلتها الرقيقة أما المضمون فذلك كلام قديم ذهب مع الرياح. وتلك مسؤولية كاتب السيناريو والحوار الممثل الموهوب محمد مهران لتتسأل لماذا يفعلان هذا؟ يا مي ويا مهران، هل كتاب القصة والسيناريو انتهوا؟، هل تحوي القصة أفكار فذة تكتمتها البطلة واتمنت زميلها عليها؟، هل كتبت مي قصص من قبل ولها باع طويل بها؟، لننصحها بالاستمرار في ذلك بدلا عن التمثيل؟، هل سأل مهران نفسه لماذا لم يكتب الممثل القارئ المثقف نور الشريف بنفسه وهو المعروف عنه اختيار وترشيح نصوص عربية وعالمية لكتاب السيناريو لقومون بكتابتها مثلما فعل في المسلسل البديع (رجل الأقدار) المأخوذ عن مسرحية (كل حي).
هل تعلم مي أن السندريلا التي شبهت نفسها بها في أحد حواراتها مؤخرا ، كانت تجلس أمام القدير كمال الشيخ و رأفت الميهي لتسألهما حول تفاصيل السيناريو فشاهدنا الفيلم الدرة (غروب وشروق)، وذكرت أنها تلميذة لصلاح جاهين في دراسة الأفكار تحويلها كما فى مسلسل (هو وهى) وأكيد لن نتتطرق لما ذكر في تتر مقدمة المسلسل تحت عنوان (الإشراف على الكتابة والإخراج) محمد سامي المخرج الموهوب فتلك حدود من الصعب على المتفرج والناقد معرفة حدودها.
شباب الفنانين احترموا أصول الفن ولا تحولها في لحظة غرور وسلطة لسلعة حسب هواكم ومزاجكم فلن يكون هذا في صالحكم على المدى البعيد الذي ربما كان أقرب إليكم مما تظنون.