أسرار من ساحة (صاحب المقام)
بقلم : محمد شمروخ
فعلها إذن أستاذ إبراهيم
لكن أرجع واقول يا ريتنى ما شفت الفيلم ولا فتحت عليه لاب توب ولا إنترنت، وكنت من قبل بعد فيلم “الضيف”، ومن قبله فيلم “مولانا” قررت أن أنحى من اهتماماتي متابعة الصديق الكبير إبراهيم عيسى ككاتب وسيناريست سينما، لأن من خرج من داره انقل مقداره.
وخلال الأفلام الثلاثة انتابنى شعور بأن إبراهيم عيسى واخدها عند فقد نجح كصحفي ونجح كرئيس تحرير ونجح كإعلامى فضائي لا يشق له سات، فى رحلة تطور سوبرمانية نيتشوية ختمت – حتى الآن – بأنه صار سيناريستا.
لكن بصراحة بكل صراحة مالقتش في الفرجة راحة
ليه يابن عمي؟!
لأننى اقتربت مهنيا من شخصية إبراهيم عيسي وعملت معه ولو لفترة قصيرة في تجربة أعتز بها إلا أن الحق حق يا صديقي والحق عندنا أن تبوح بما ضاق به صدرك فقد وجدتنى حانقا على الأستاذ إبراهيم لأن مجاله الذي عرفته فيه كان “ورق في ورق” ما بين المجلة والجريدة والكتاب فحتى لو بطلت موضة الورق فمتى كنا نحن يا صديقي من أرباب الموضة؟!
وأنا شخصيا دقة قديمة ومتمسك بالورق حتى الآن لأنك على الورق أنت وحدك المتحكم في أفكارك أما في الاستديوهات والبلاتوهات فهناك ألف ألف شريك ومتمكن ودخيل.
وخدها من الأستاذ المخرج الذي سيفرض عليك قراره لأنه في الأساس قرار المنتج حتى لو حاباك في مشهد فلن يفعل في الآخر، وكمان خد عنك الموزع والممثلين واحد واحد وواحدة واحدة وحتى الجمهور له تدخلاته.
لذلك رأيت إبراهيم عيسى في أفلامه الثلاثة لأول مرة “مملي علبه للضرورة” آه والنعمة.
بص يا أبا يحيى – كما كنت أحب أن أناديك – وللصراحة أفلامك تنجح بالإكراه ومدفوعة دفعا لجذب الجمهور، ولا يمكن أنسى إعلانات “مولانا” على الطرق الكبارى يوازيها ويوازنها جوقة من الآباء المرتلين من الإعلاميين والنقاد مع فرق الفسابكة والتواترة والانستجراميين، أما فيلم الضيف فياليتك ما كتبت ويا ليتهم ما مثلوا ولا أخرجوا.
وأما فيلم “صاحب المقام” فقد قيض الله لك دعاية مجانية باتهامات بالاقتباس من فيلم إسرائيلي أو رواية صديقنا الصحفى والروائي (يسرى أبو القاسم) والذي أعرفه جيدا وتوثقت علاقتى به في أثناء فترة عملى القصيرة في الدستور في مرحلة “شارع أحمد نسيم” بس لو كنت من يسري أبو القاسم لسارعت بنفي أي صلة بين روايته “مولانا الشيخ جواب” وبين فيلمكم المعظم فرغم أن هناك تقاطعات ملحوظة بين الرواية وقد تكون ضرورية لوحدة الموضوع تقريبا حول وجود الأضرحة والأولياء في حياتنا وإن انتصر أبو القاسم في روايته للواقع والعقل والعلم وليس الولى المزعوم.
ولكن ساترك المقارنة بين النص القاسمي والفيلم العيسوي للمتخصصين ثانيا.
ولسبب حبي للطرفين أولا: فلن أدخل هنا في تكتيكات العمل السينمائي لأنى لا أتناوله كناقد فنى والصراحة راحة ده مش كاري.
وعلى رأي الست زنوبة في كلمتها الشهيرة لسي السيد “إيش جاب لجاب يا صحن كباب”، فما أغناك عن النقاد وما أغناك بالنقاد فليس لى في الفولة ولا القدرة.
والفيلم يقتحم “مشيها اقتحام” مشكلة عويصة في المجتمع بين عالم المادة والحياة العملية التى تتسم بها مجتمعات رجال الأعمال الذين على استعداد لبيع كل شيء في سبيل اللهاث وراء جيب لا يشبع ونفس لا تقنع وحساب لا يجمع وبين عالم الأضرحة والشقلباظات الروحانية.
وآه يا عم إبراهيم من رجال الأعمال خاصة الأفيال الإفريقية والمواميث الطباشيرية والديناصورات الأرصطيكية، عالم مرعب مرعب مرعب كما أسمع عنه، أصل محسوبك كما تعلم مالوش في سكة العصور الجيولوجية.
المهم الجانب التانى هو الجانب الروحاني المختزل بسطحية أنزهك عنها ولا أرضاها عليك في ضريح منزو لشخص مجهول في الصحراء قالوا إنه ولي وتم هدمه بسبب مشروع استثماري، وكلنا فرحنا في المصائب التى لحقت برجل الأعمال بعد أن هد الضريح ربنا يهده وتحالفت كل الظروف لتنتقم من المستثمر التافه الذي أجاد فيه (آسر ياسين) لأنه عكس حقيقة هذه الشخصيات الهشة التى تتحكم في مصير البلد الاقتصادى ولنا في المقاول النصاب إياه مثلا لا يرد ولا يصد.
لكن ليس رجل الأعمال وحده هو التافه والنصاب والحلنجي ففى طائفة الضرايحبة أيضا نصابين لا يشق لهم غبار، ولا يغرنك ارتباطها بالصوفية فالحركة الضريحبة اقتحمت جلال ونقاء الصوفية التى لم ترتبط بها أبدا عند الأقطاب المؤسسين، فلم نر الثوري ولا السري ولا الحلاج ولا البسطامى ولا ابن عربي ولا الغزالي ولا أي من مشايخ الصوفية الحق، وهم يؤمون الأضرحة ولا المقابر ولو كانت للأنبياء والقديسين والصالحين، ولكن الأضرحة المنتشرة والمنتسبة لأولياء هم منها براء هى في أساسها شغل نصب في نصب ولا فيها لعنة ولا بورصة تقع ولا فيلا تولع ولا زوجة تدخل غيبوبة ولا فيها أساسا (يسرا) التى أقحمت إقحاما في الفيلم بدور مائع أقرب إلى الكوميديا الرمادية منه لإسباغ الغموض على الحدث لتعطي “ندعة روح”
من الآخر يا كاتبنا الرائع الضرايحية لا يزيدوا عن عصابات تدر عليهم أموال السذج من الفقراء والأغنياء للاحتيال والنصب العلنى وخدها من مقام سيدى المرسي أبو العباس شمالا إلى سيدي أبو الحسن الشاذلي جنوبا مرورا بمشاهد وأضرحة آل البيت الكرام الذين يمارس في ساحاتهم من الجرائم ماتزول منه الرواسي ويؤتى من الأفاعيل ما تخر منه الجبال وتدك دكا.
والذي يكتب هذه السطور واحد من عشاق هواء الغرفة الزينبية، ويشم ريح المسجد النبوى في رحبة نفيسة العلوم، وتهمي عيناه أمام مشهد سيدي وسيدك الحسين سيد شباب أهل الجنة.
لكن ما علاقة هؤلاء بالنصب الذي يتم باسمهم وإن كان فوق أضرحتهم ومشاهدهم؟!
وقديما قالها شاعر النيل:
“من لي بحظ النائمين بحفرة تتلى على أرجائها الصلوات
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم بألف ألف يرزق الأموات”
ولكن الألف ألف صارت مليارات، لكنها لا تذهب إلى الأموات وليست من نشاط اللصوص الغلابة من عصابات أضرحة الأولياء لكن النصب يتم باسم الأولياء وتجاوز محصلى نقود حفظ الاحذية وحرامية الجزم والنشالبن والمتسولين وحتى النصابين من أصحاب العباءات الخضراء وصناديق النذور، فقد دخلت على الخط دول عظمى تريد محاربة ما يسمى بالإسلام السلفي الوهابي بما يدعى بالإسلام الصوفي الروحاني وتنفق المليارات على هذا المشروع في الحرب التى أعلنتها أمريكا واتباعها من الدول “الحرة”.
فهل يجوز أن تكون هذه هي الفولة ولكن من بق الغولة؟!
أنا بأخرف ولا إيه؟!
أنا طولت شوية بس سأختم معك حالا، لكن ليس قبل أن أذكرك بقصة قصيرة عن مثل في التراث الشعبي نستخدمه جميعا ويعبر عن الحال والمآل.
فهل تعرف ما هي القصة وراء المثل القائل “احنا دافنينوا سوا”
أكيد عارف وأكيد فاهم من الذي تم دفنه!