عمنا وحيد حامد: “حنانيك يا قيصر”
بقلم : محمد شمروخ
عمنا وأستاذنا وتاج راسنا الكبير المبدع وحيد حامد قلبي عليك وأنت في الموقف محرج أمام سؤال وجهه إليه الأستاذ وائل الإبراشي في برنامجه الليلي على القناة الأولى حول مشهد النهاية في فيلم “الغول” من بطولة الزعيم عادل إمام وإخراج الراحل سمير سيف.
فقد سأله الإبراشي بصراحته الكريهة عن مشهد النهاية في الفيلم ومقارنته مع حادث اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات رحمة الله عليه من خلال تشابه واقعتى إلقاء الكراسي على مسرح الحادث.
ففي الحادث الأصلية وهو مشهد الاغتيال الذي رآه الملايين على الهواء مباشرة وتابعوا أخباره والتحقيقات الجارية فيه كما صورتها الصحف لحظة بلحظة ونقلت وقائعه بالدقة، ومن بينها واقعة إلقاء الحاضرين من الجالسين خلف المنصة مباشرة حيث كان المستهدفون برصاص القتلة يحلسون أسفل منهم ولم يكن بأيديهم شيء إلا أن يلقوا بالكراسي على الرئيس ومرافقيه في محاولة بائسة يائسة لحمايتهم من الرصاص المنهمر.
واقعة لا سبيل إلى إنكارها أو التشكيك فيها والأستاذ الكبير لم يشكك فيها لاسمح الله لأنه رآها كما رأيناها ووعيها كما وعيناها.
كذلك عرف أن آخر كلمة سمعت من السادات وهو يواجه الرصاص “مش معقول” كما أن مشهد الفيلم الأخير كان إلقاء كراسي من جانب الأمن المعين لشركة فهمي الكاشف رجل الأعمال الفاسد على قاتله الصحفي عادل عيسى بعد أن ضربه ضربة واحدة على جبهته كانت فيها الكفاية لقتله بعد أن نطق من هول المفاجأة “مش معقول”
“إيه هو اللي مش معقول يا أستاذنا الكبير؟!”
اللى مش معقول يا أستاذنا هو إن مشهد نهاية السادات التراجيدي الواقعي يتصادف أن يتكرر بالكلمة والحركة والدلالة في مشهد نهاية الكاشف الدرامى التمثيلي، وسيبك من الكراسي والمش معقول.. فيا أستاذنا العظيم الفيلم كله معمول مخصوص على فترة السادات التى وقف منها غالبية المثقفون على مختلف انتماءاتهم السياسية والأيدلوجية، موقفا رافضا ولا لك علي يمين يا مولانا فإن كثير منهم هللوا لقتل السادات بل وتمنوا هذه اللحظة وعبروا عنها إن صراحة وإن تورية بغض النظر عن انتماء قاتليه
فالشيوعيون مع تشكيلات اليسار كافة كانوا يكرهون السادات ويحلمون بنهايته والإخوان مهدوا لها ودعوا لها سرا عقب اعتقالات سبتمبر ١٩٨١، وكثير من الأطياف السياسية والدينية حذا حذوهم، ولكن الناصريين كانوا أكثر حرصا على رؤية تلك النهاية من الجميع والكل عارف الأسباب، لكن الإسلاميون هم الذين كتبوا النهاية.
واتفق الجميع على ضرورة التخلص من السادات ولو بالتمنى من فرط الكراهية، وكان رفض الانفتاح الاقتصادي والصلح مع إسرائيل وما نتج عن ذلك من فساد مالى وإداري واجتماعي ومقاطعة عربية وعزلة وتفريط وفي سيادة سيناء بعد عودتها و.. و.. و…
فالإخوة اليساريون وشركاؤهم من الناصريين الذين سيطروا على المناخ الثقافي في الشارع تقبلوا واقعة الاغتيال قبولا حسنا وهللوا لها، بل ومنهم من مدحها في قصائد وكتابات وتجليات وهم أبعد ما ما يكونوا عن فكر الإرهاب الذي كان دافعا لعملية اغتيال السادات، إلا أنهم لم يعترضوا على الفعل واعتبروا الإسلامبولي وشركاه منفذين لرغبة، وربما إرادة المعارضين للسادات الذي تم التخطيط لاغتياله مرارا من جانب تيارات سياسية وقيادات عربية كارهة لوجودة تحالفت سرا وعلنا مع معارضي السادات الذين لجئوا إليهم في عولصم بلادهم تماما كما لجأ الإخوان و”متعاطفيهم من اليساريين والليبراليين” إلى تركيا اليوم.
وفيلم الغول أنتج وعرض قبل مرور عامين على حادث الكراسي، يعنى كتبت كل مشاهده وتم التجهيز لها وصورت ورجعت واتخذت حيالها كل الإجراءات الروتينية من إنتاج وتوزيع وعرض في ظل أجواء كانت الأحداث فيها غضة .. يعنى الكراسي
كانت حاضرة في الوعي ولم تتسلل بعد إلى اللاوعي.
وفكك يا باشا من الكراسي فإن نموذج فهمي الكاشف نموذج سبعينى انفتاحي يجسد عصر أنور السادات، بل لايزال كثير من المشار إليهم آنفا لا يرون في تجربة السادات غيره وعملية فساد مصر خلال ٦ سنوات هي عمر الانفتاح الاقتصادي.. هي كل مهمة عصر أنور السادات الذي أفسد التاريخ المصري منذ عهد أوزوريس وإلى أن تقوم الساعة.
لا أناقش هنا صحة أو بطلان ذلك فليس الموقف هنا موقف تقييم التجربة الساداتية التى يمكن أن نجادل فيها في غير هذا المقال، لكن هنا أتحدث عن الادعاء بأن أمن شركة الكاشف دافع عنه بالكراسي، لأنه لم يجد غيرها لأن عصيان المصاصة ومسدسات الماء التى يتسلح بها أمن الشركات لا تصلح للدفاع عن حياة صاحب الامبراطورية الاستثمارية، ذلك لأنه أمر بمنتهى البساطة “مش معقول”.
يا سيدي إنا كنت في الخامسة عشر من عمري عندما قرأت في الصفحة الأخيرة في جريدة الأخبار مقالا يثير سؤال الإبراشي الذي أثاره أمام أستاذ الكل مؤلف وكاتب سيناريو الفيلم، حقا لا أذكر من هو كاتب أو كاتبة المقال الذي استنكر تشابه المشهدين وأشار إلى اعتراض الفنان الكبير فريد شوقى نفسه بصفته هو الذي يؤدى دور “أنور السادات” – قال يعنى فهمى الكاشف قال – وذكر الملك فريد شوقى لكاتب المقال؛ حسب ما كتب؛ أنه قال لهم: “عيب يا جماعة ما يصحش كده”، لكن لم يلتفت إليه أحد وتم تصوير المشهد وغلبت إرادة الزعيم رؤية الملك وربما لأن المخرج عايز كده والمخرج هو الكل في الكل.
لكن هناك السيناريست فهل كان عايز كده؟!
هل نسينا شيئا؟!
آه.. فالزعيم عادل إمام نجم كبير وكان في تلك الفترة قد بلغ الأوج في مشوار نجوميته ومعروف عنه كمثقف بعيدا عن كونه ممثلا موقفه من الانفتاح ومن السادات شخصيا بصفة أن الزعيم “يساري قديم” انخرط في مقتبل عمره بأحد التنظيمات السياسية اليسارية، وهو لا ينكر ذلك بل يفخر ويعتز.
كما أنه معروف بتدخلاته “سامحنى يا عمنا” في مجريات العمل الذي يقوم ببطولته خاصة مع رفقاء رحلة كفاحه التى حققت له أعلى مراتب النجومية التى نال بسببها الزعامة السينمائية وأكثر مدخلات صناعة هذه الزعامة، بل وعاملها الأول كان من إنتاج قريحة عمنا وتاج راسنا وحيد حامد.
بس وحياة مقام الأستاذ وحيد عندى ولعلك لمست مقدار غلاوتك عندى أنا أعجبت بإصرارك على إجابتك على مراوغات الأستاذ وائل، بل وأصدقك بأنك مستحيل تعمل على إعلاء عمل إرهابي مهما كان، لكن السينما عمل قبل أن يكون فنيا هى عمل تجارى وسياسي يمكن أن يخضع لاتجاهات السوق أو النظام لأغراض ما أنزهك عنها.
كما أن السيناريست ليس بالضرورة معبرا عن اتجاهاته ومعتقداته الشخصية أو الثقافية فأحيانا تخطر في الأذهان لقطة تشكل غصة في حلق صناع العمل أو أحدهم، لكنها قد تكون لازمة لزوما لاغنى عنه للدعاية وحتة كدة جريئة وذكية ولو عدنا ستحدث ضجة تعجب الجمهور، كما أن الرقابة لو كانت تريد حذفها وتغييرها لما منعها أحد ولكنها لم تفعل!.
ليه بقى؟!
وحياة أغلى حاجة عندك سامحنى يا كبيرنا، فأنت أكثر من يقدر إلحاح الفكرة ويمكن الكراسي كان لابد أن تلعب دور سواء كان هذا الدور معقول أو “مش معقول”.