بقلم : محمد حبوشة
يقولون إنه الموسم الأضعف منذ عشر سنوات في تاريخ الدراما السورية، وربما يرجعون الأسباب في ذلك إلى أنها لم تلامس واقع السوريين من فقر وقهر وموت وتشرد وفساد، وتشرح أوجاع السوريين بكل عمق وشفافية، فضلا عن سقوط نجوم كبار في حلبة المنافسة مثل (بسام كوسة وسلوم حداد وأسعد فضة) بمسلسلهم (سوق الحرير)، وتراجع مستوى الأداء إلى حد ما عند (باسل خياط) في (النحات)، وهو ما كان خارجا عن إرادته – للإنصاف – بسبب جائحة كورونا، وأيضا غياب نجوم كبار في رمضان 2020، مثل (تيم حسن وقصي خولي) لنفس سبب الجائحة، ومع ذلك فإني أرى العكس تماما، فعلى الرغم من الأسباب السابقة كلها مجتمعة إلا أن مستوى الموسم الدرامي السورى هذا العام يفوق كثيرا أعواما سابقة على مستوى الشكل والمضمون، ويكفي وجود مسلسلات غاية في جمالية الصورة ومصداقية الحدث، مثل ملحمة (حارس القدس)، و(ساحر عابد فهد) على قلة عدد حلقاته، ومسلسلي الإثارة والتشويق (مقابلة مع السيد آدم) ونظيره السوري اللبناني (أولاد آدم)، رغم التشابه بينهما في الاسم إلا أن المضمون يختلف تماما في كلا العملين.
وسوف أتوقف بقدر من التحليل والتأمل لمسلسل (أولاد آدم) الذي كتبه رامي كوسا، وأخرجه الليث حجو، وكان بطولة (مكسيم خليل، ماجي أبو غصن، قيس شيخ نجيب، أنس طيارة، دانييلا رحمة، رودني حداد، ندى أبو فرحات، طلال الجردي، مجدي مشموشي) وغيرهم من نجوم أجادوا على مستوى الأداء، ما جعل المسلسل يحظى بمتابعة كبيرة من جانب الجمهور العربي كله، وذلك من خلال حبكة درامية اجتماعية إنسانية سياسية مميزة، أبطالها أربعة من أمهر الممثلين العرب، أتقنوا أدوارهم بطريقة احترافية، فتمخض عمل ناجح اتسم بالعمق، ورسخ فكرة (كل أولاد آدم خطاؤون).
وبعيدا عن قصص الأبطال الأربعة يلقي المسلسل الضوء على ما يحدث داخل سجن النساء، وعلى الرغم من أن فكرة السجن مستهلكة خاصة من قبل الأفلام والمسلسلات المصرية، إلا أنها في مسلسل (أولاد آدم) كانت أقرب إلى الواقع، حيث إن هذه الشخصية المحورية في السجن تتحطم على يد امرأة أخرى تدعى (زينة)، وهى شقيقة (مايا) في المسلسل، تكره الظلم وتدافع عن كل النساء المظلومات، وتؤكد أن القوة هي سيدة الموقف في هذه الأمور، وما من ظالم إلا سيواجه بأظلم منه، تبدو كلها قضايا متشعبة لكنها مترابطة.
حبكة الدرامية مميزة
غير هذا يطرح المسلسل أيضا بعض القضايا السياسية والحياة اليومية للمسؤولين، وكيف تتم الصفقات، وملاحظتي الأولى على الحبكة الدرامية أن جميع هذه الأمور تشعرك للوهلة الأولى بأنك أمام كم هائل من القضايا المتشعبة، لكنك سرعان ما ترفع قبعتك للمؤلف (رامي كوسا والمخرج المتميز الليث حجو)، اللذين قدما مسلسلا دراميا اجتماعيا تراجيديا يعكس العلاقات الاجتماعية العربية الواقعية التي يعيشها المجتمع العربي، ويصف في الوقت ذاته بتشريح دقيق للغاية لمجتمعنا العربي الحالي وكمية الصراعات الكبيرة والحقيقية والواقعية التي تحدث، كل هذا داخل إطار درامي مميز ومشوق يعلوه أداء إبداعي.
ويمكنني القول بإن مسلسل (أولاد آدم) وضعنا كمشاهدين أمام مرآة اجتماعية نرى من خلالها ما نراه يوميا من مشكلات، وإن كان بتقنية إخراجية لا تعقيد فيها، حيث بدت المشاهد فنيا مسرعة نحو التتر أو البداية، وتفاحة آدم التي أخرجته من الجنة وتركته في جحيم الحياة، يبحث عن الأمن والاطمئنان، الذي بحثت عنه (مايا) الشخصية المتمرة بعفوية وتلقائية مميزة، وحتى القاضية (ديما) بجمود وجهها وإيقاع حركتها البطيئة وخصائصها الجذرية التي تلعب دورا مهما في المجتمع، وهمومها الاجتماعية والقانونية مع أخيها المدمن، والقضايا السياسية الأخرى التي تفتح الكثير من الأبواب المغلقة بهدوء ينجذب معه المشاهد لقضاياها، ومن خلال معالجة درامية تم تقسيمها إلى عدة مشكلات يعاني منها المجتمع اللبناني وفق الهوية السيوسيلوجية، ومعطياتها التي تم التركيز عليها لتقنع المشاهد في النهاية أن (كل أولاد آدم خطاؤون).
ارتباطات المجرم بالشرطي
ولعل (أولاد آدم) برع كعمل درامي في عرض قضايا مختلفة كتلك المتعلقة بالوجود السوري بمختلف شرائحه، والتغيير الاجتماعي الدرامي المبني على الجنس الاجتماعي الفعلي والنتائج المتأثرة بكل حدث كدخول ندى أبو فرحات أو (زينة) إلى السجن، وما يدور فيه من ارتباطات بين المجرم والشرطي، وفي دراماتيكية تشير كل منها إلى النتائج السلبية التي تقودها الشخصية، هذا مع إظهار الجوانب المختلفة لكل شخصية، مثل دور الإعلامي مكسيم خليل أو (غسان)، وفقدانه ابنه الذي جعله يكره المرأة ويستخدمها في تصوير ممنوع وفي انعكاس نفسي تم تناوله سابقا في أفلام كنوع من التكرار الحياتي في المجتمعات.
النص الدرامي الذي كتبه (رامي كوسا) يمثل التقريب بين البداية والنهاية، بوعي يسمح بخلق مسافات تفرض نفسها، وتتشكل منها التفاصيل الصغيرة كشجار السجينات، وفرض (عبلة) بقوة وتواطئ على أفراد الشرطة، وبمأساة تصل إلى ملامسة الفكرة الأساسية، خاصة علاقة (ديما بزينة) كأختين تركت كل منهما بصمة مختلفة، الأولى كراقصة وحرامية والثانية كسجينة انتهك حقوقها زوجها فقتلته، ودون أية مبالغة أو تكلف لعبت (ندى أبو فرحات) دروها بطريقة سلسلة أثبتت قدرتها على تقمص الدور السهل الممتنع بعيدا عن القدرة الدرامية أو الصدمة الفنية، التي جعلت من دورها وعواقبه الاجتماعية قادرة على خلق التعاطف وجدانيا معها، ومع المشكلات التي تتعرض لها من (عبلة) التي تشبه زوجها الذي قتلته من قبل ودخلت بسببه السجن لتقضي عقوبة المؤبد.
قدرة مكسيم على الارتجال
على مستوى براعة الأداء يأتي في مقدمة الصفوف الفنان السوري (مكسيم خليل) الذي جسد بعذوبة منقطعة النظير دور الإعلامي المشهور (غسان) زوج القاضية (ديما)، وقد أثبت في هذا الدور قدرة الممثل على الارتجال في مواقف معينة، كما يحـدث في المشاهـد الكوميـدية بالمسـرحيات الدينية ومسرحيات الفارس المستوحاة من التراث الشعبي، وكذلك عروض الميلودراما والبانتومايم وفي ملاهي الميوزك هول، وذلك وفقا لمنهج (ستانسـلافسـكي) الذي كان يستخدمه مع ممثليه للمساعدة على فهم دوافع وطبيعة وخلفية شخصية على غرار (غسان) الذي يقف أمام الشاشة ويطرح على المشاهدين قضايا اجتماعية مختلفة مثل قضية زواج القاصرات ويدعو إلى الوعي، وينشر الثقافة في حلقاته، وفي ذات الوقت يظهر بوجه آخر بحيث يبدو ذاك الرجل المحب لزوجته والداعم لها في كل خطواتها، إلا أنه في بعض الأماكن يخطئ في حقها، يكذب عليها ويخونها، يحاول استغلال ارتباطه بزوجته النافذة لتمرير نزواته وحقده على العالم، يعمل لمصلحته الخاصة ورغباته دون رادع أو وزاع من ضمير.
ولقد استخدم (مكسيم خليل) مدرستين في أدائه، أولا: المدرسة الحرفية الآلية، وهى التي تتجه إلى تناول المشكلة من الظاهر والتشديد على استخدام الجسم والصوت والإيماءة والنبرة والتقاليد والأساليب الحرفية، وثانيا المدرسة النفسية أو الإبداعية، تلك التي تتجه إلى تناول المشكلة من الداخل والتأكيد على عناصر من نوع الفهم والدافع والمخيلة والغرض والإنفعال، كما بدا لنا من خلال محاولاته الالتفاف على كل من حوله حتى زوجته التي أفشى بسر شقيقها لأعدائها حتى يصل إلى مبتغاه في إدارة البرامج، كذلك أدى دور رجل انتهازي يطبق عكس ما يقول على الشاشة، ويعيش بقناعة أن هذا المجتمع فاسد، ومبدأ (اللهم نفسي)، بحيث استطاع أن يحصل على قاعدة جماهيرية كبيرة، بل إنه تمكن من أن يكسب قلب المشاهد، رغم بعض الجرائم البشعة التي ارتكبها، ومنها أنه ظهرت شهامته عندما دافع عن فتاة قاصر أراد أهلها تزويجها بالقوة، حيث وقف في وجه زوج والدتها، لكنه في المقابل كان يواعد كثيرا من الفتيات ويمارس الجنس معهم وتصويرهم بطريقة مقززة، حتى وقعت تلك القاصر في براثن نزواته المنحرفة كضحية أخرى تنضم إلى العديد من ضحاياه.
دهشة قيس شيخ نجيب
ويأتي في المرتبة الثانية من حيث جودة الأداء – من وجهة نظري الشخصية – الممثل السوري قيس الشيخ نجيب، الذي أدى دور سعد، الحرامي على طريقة أن (الجسد من أجل إثارة الدهشة والإعجاب)، حتى ولو كان بعين واحدة فقط، فقد نجح على مستوى الحركة والصوت والإيقاع في تجسيد دور المغموس بهموم اليتيم وألفاظه الشعبية الغارقة في البؤس والشقاء، وسوء طالعه وخفة يده في السرقة، لكنه تميز بطيبة قلبه، يجول على دراجته النارية في خفة ورشاقة، يسرق جوالات، ومن ثم يبيعها، إنه طفل تربى في الشارع من دون أب أو أم، قست عليه الحياة كثيرا، ومع كل مايواجهه من مشاكل ومتاعب إلا إنه يحب مهنته السرقة، لكنه في الوقت ذاته لديه مواقف بطولية، خاصة عندما سرق رجل عجوز أمام المستشفي، وبمجرد علمه أن من سرقه فقير أو مسكين، ففي اليوم التالي قام بإرجاع الهاتف إلى صاحبه.
لكن عندما يقع على فريسة دسمة مثل (غسان زوج وزيرة العدل) فلايبدي معه أي نوع من التعاطف أو الرحمة، بل على العكس تماما قام بطلب كثيرا من المال مقابل إعادة الهاتف، ومع كل ذلك ظهر في بعض المشاهد أن المال لا يعنيه، وكيف أنه مستعد لإعطاء كثير من الفلوس لصبي يتسول على الطرقات، إنه مزيج من التناقض الذي جسده بعذوبة (قيس شيخ نجيب) بحيث توافر فيه الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، فعاش في الدور وتسلل تحت جلد الشخصية، وكان له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية ومنطقية الإحساس والقدرة على التحليل النفسي، زأثبت في النهاية أنه ممثل يمتاز بعقل و جسم نشيط، ففي هذا العقل والجسم النشيط تكمن القوة الديناميكية لتكوين الشخصية، وهكذا أخلص للدور الذي يؤديه ،وعاش في مجتمع الدور بإحساس صادق وحاول الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان، وعلى هذا الأساس يمكن تحديد قوة الممثل أو ضعفه أو ما يسمونه بالموهبة الفنية.
مرونة جسد دانييلا رحمة
أما الثالثة في الترتيب فهى (دانيلا رحمة)، فعلى قلة خبرتها في التمثيل إلا أنها أتقنت دور الراقصة التي تحولت إلى حرامية فيما بعد، وقد أعجبني جدا وصلتها الراقصة في الملهي الليلي الذي كانت تعمل به بداية الحلقات الأولى، حيث تمتعت بمرونة عالية وبجسد مطاوع يثبت جدارتها في التمثيل، ولعلها أدركت بحسها الفطري أنه يتحتم على الممثل/الممثلة استخدام أجسادهم لعرض مواقف عديدة ومتنوعة، ويمكنهم اكتساب هذه الخبرات بدراسة مقررات أو بالممارسة والتجربة، ويبدو لي أنها تدربت كثيرا على طريقة التنفس بطريقة صحيحة وعلى التنويع في إيقاع الصوت والنبرة، كما أنها أجادت تعلم التحدث بلهجات مختلفة، رغم أنها كانت تعاني في نطق اللغة العربية بحكم مولدها وعيشها في أستراليا إلى فترة قريبة، لكنها بحسها الفني العالي قامت بالتدرب على الإلقاء والغناء والاسترخاء، وهذا شيء مهم، غير أن معظم الممثلين يتدربون سنين عديدة لاكتساب القدرة على تطويع أصواتهم بشكل كبير يسمح لهم بالتحدث بصوت مرتفع أو منخفض أو بشكل حاد أو ناعم.
على العكس من هؤلاء جاء أداء (دانييلا) جيد للغاية وهى التي عرفت قدراتها الصوتية ومرونة جسدها طوال مدة ممارستها لموهبة التمثيل في (أولاد آدم)، ولعبت دور زوجة سعد بعد أن كانت تعمل كفنانة استعراضية (راقصة) ، تعرف عليها سعد ومن ثم أعجب بها، وبدأت قصتهما كراقصة وحرامي، ثم علمها كيف تسرق الجوالات، لكنها في الوقت ذاته كانت طيبة القلب، عفوية بطبعها، مرحة حيث أدخلت البهجة إلى حياته، ولقد أدى (قيس ودانييلا) دورهما كثنائي بكل إتقان، تخلل أداءهما بعض المرح والنكات الخفيفة، حتى إن (دانييلا) أبدعت في أداء الشخصية الفقيرة، نظراتها وحركاتها كانت أشبه بالشخصية اللامبالية، لكن في قلبها عذابات منذ أن ولدت إلى أن جاء سعد وأنقذها من براثن عذاباتها.
جمود وجه ماجي أبو غصن
أما الممثلة اللبنانية (ماغي أبو غصن)، فتحتل المرتبة الرابعة في الأداء، ولو أنها على مستوى لغة الجسد كانت بليدة جدا في إحساسها، لكنها في الوقت ذاته استطاعت أن تجسد شخصية تلك المرأة التي تتمتع بقوة في المجتمع ولديها مركز مرموق، ما يحملها مسؤوليات كبيرة ويجلب لها المصائب، أدت (ماغي) دور قاضية تحقيق تدعى (ديما)، وهي قاضية نزيهة وامرأة ناجحة، تحارب الفساد في الأحكام التي تطلقها، ثم أصبحت وزيرة عدل نظرا إلى نزاهتها وحسن معالجتها للقضايا، نجحت إلى حد ما في أن تكون طوال الوقت نصيرة المظلوم وشرسة على الظالم، لا تترك صاحب حق إلا وتقف إلى جانبه، لكن هذا الخير المطلق لا يمكن أن يكتمل، ولا بد للشر أن يظهر في بعض الأماكن.
وعلى الرغم من أن المسلسل أظهر كيف أن قاضية شريفة مثل ديما ليست بعيدة عن الخطيئة، حيث تصدم طفلا على الطريق وتخفي ذلك في بداية الحلقات، ثم تقع في فخ التستر على شقيقها المدمن قضائيا، بعدما ورط نفسه في أذية فتاة، لكنها لم تنجح إلى حد كبير – نظرا لافتقادها الحرارة والروح في الأداء – في إيجاد نوع من التوازن في صراع بين الخير المطلق ونزغات الشر التي تعتريها بين الفينة والأخرى، لكن في الوقت ذاته تعيش (ديما) دور امرأة مكسورة ومجروحة، تدور في هاجس الإنجاب ودوامة الدفاع عن الأحباء، الأمر الذي يلوي ذراعها أحيانا وتخسر بسببه
مبدأ (اللهم نفسي)، وربما حالفها الحظ في هكذا نوع من التجسيد الهاديء على جناح جمود الوجه وبطء الحركة وضعف الصوت.
طيارة والجردي ومشموشي
ولاننسي الإشادة بكل من(أنس طيارة) في التزام نبرة الهدوء والاتزان والمحافظة على القيم الإنسانية والفضيلة، وكلها جاءت بشكل عفوي يعكس شخصيته النقية، على العكس تمامنا من صديقه الشرير الأعظم (غسان)، وكذلك أداء (رودني حداد) في دور الضابط (نبيل) حيث أكسب الشخصية نوع من الصلف في التصرفات يقابله حس رومانسي رقيق في لقاءته بديما، وندى أبو فرحات في عدم شعور المشاهد معها بأي نوع التزيد في الأداء، بل اعتمدت طريقة ناعمة وهادئة رغم قتلها زوجها بأعصاب باردة، وجاء أداء طلال الجردي في دور الشرطي بحس كوميدي غاية في الجمال، ويبدو أنه أضاف من جانبه بعض الارتجالات على مستوى اللغة وطريقة الإلقاء بعفوية مقصودة تتفجر من داخلها الكوميديا بغير تعمد، فتكسب المواقف سخونة وفكاهة خاصة، أما مجدي مشموشي فقد برع في لعب دور رجل الأعمال الفاسد الذي يخلط عمليات المافيا بتجارة المخدرات، ومن ثم أثبت أن موهبة الممثل لا تكمن في الاحساس بل في ترجمة العلامات الخارجية للاحساس ترجمة أمينة دقيقة، كما يؤكد (ديدرو)، في قوله (إن الممثل ليس مرادفا للشخصية إنه يؤدي دورها ويحسن أداؤه بحيث تظنون أنه الشخصية ذاتها .. الإيهام من أجلكم انتم أما هو فيعلم تماما إنه و الشخصية اثنان لا واحد).. هكذا بدا لي مشموشي في تجسيد رجل الأعمال على نحو احترافي أضفي نوعا من المصداقية.
وكعادته يأخذنا الموسيقي المبدع (إياد الريماوي) إلى فتنة المشهد السمعي ببراعة موسيقية ناعمة تهمس في الحواس في رومانسية لا يحتاج معها المشاهد الى مزيد من الانفعالات، بل تدخله في دوامة العلاقات، كعلاقة (غسان مع ديما) وعلاقة (باسمة -مايا) مع اللص والحرامي المغموس بهموم اليتيم وألفاظه الشعبية العصية أحيانا على الفهم من فرط تراجيديتها، وسوء طالعه في حظ عاثر دوما، وخفة يده في السرقة، كلها عناصر ساعدت المشاهد في المتابعة، بل دفعته في أحيان كثيرة إلى التعلق بالحلقات في سلاسة ويقظة تطلبت بالضرورة نوعا من التواصل مع الشخصيات، وبناء علاقات معها لتقاربها من فئات المجتمع.
ويبقى لي في النهاية أن أقول: إن إبداع رامي كوسا التقى مع حرفية المخرج الليث حجو فعرف كيف يحرّك هذه المجموعة من المبدعين مستندا على جنون مكسيم خليل في الأداء وأريحية قيس الشيخ نجيب في عيش الدور، أضف إلى ذلك نجومية طلال الجردي التي لا تشبه أيّ نجومية، بساطة أداء ندى أبو فرحات، وما بين هؤلاء جميعاً تفاحة شهية يسهل قضمها اسمها “دانييلا رحمة”، التي أبدعت بأدائها كما أبهرت الناس بجمالها، والسؤال الذي ظل يلح على مشاهدي (أولاد آدم) هو: من يمكنه مقاومة إغواء راقصة كهذه؟ .. إنها بحق مفاجأة العمل على مستوى الأداء والحضور لتؤكد أنها قادمة لا محالة على طريق النجومية في المستقبل القريب.