النجوم وأنا .. صلاح ذو الفقار .. فنان برتبة فدائى (1)
بقلم : د. إسماعيل إبراهيم
من الفنانين الكبار الذين التقيتهم خلال مشوارى الفني، النجم الكبير والقدير الراحل”صلاح ذو الفقار”، الذى التقيته وأجريت حواراً معه عندما كنت أعمل محرراً أول فى مجلة “زهرة الخليج” بدولة الإمارات العربية المتحدة، في فترة الثمانينات من القرن العشرين، وكان من أروع وأهم الحوارات الصحفية التي أجريتها، فقد كان الرجل في غاية الرقة والود، واستمر حوارنا لأكثر من ساعتين، رغم أن الاتفاق كان على نصف ساعة فقط، خلال الحوار أجاب الفنان الكبير على كافة الأسئلة وبصراحة تامة.
اقتناص الفرصة:
بصعوبة بالغة حصلتُ في نهاية عام 1982 على إجازة بدون مرتب لمدة عام واحد، وسافرتُ إلى دولة الإمرات العربية المتحدة للعمل في مجلة “زهرة الخليج” في العاصمة “أبو ظبى”، ووجه الصعوبة أننى لم أحظ بموافقة رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير في وقتها الأستاذ “إبراهيم نافع” إلا بعد أكثر من رفض لطلبات قدمتها بحجة “أنت سكرتير تحرير مميز، وليس من السهل إعداد سكرتير تحرير، بينما يمكن إعداد عشرات المحررين، والعمل في احتياج إليك”.. وهل ذنبى يا أستاذ إبراهيم أننى تميزت في عملى، أنا أريد أن أتزوج وأن تكون عندى شقة، وهذا لن أستطيعه إلا إذا سافرت، كان هذا ردى، ومع ذلك رفض رئيس التحرير، حتى تدخل المرحوم الأستاذ عبد الوهاب مطاوع واقنع رئيس التحرير بالموافقة.
خطة عمل:
ومنذ اليوم الأول لى في “زهرة الخليج” وضعتُ لنفسى خطة أسير عليها في عملى، قامت على المتابعة الدقيقة لكل ما يجرى في “أبو ظبى” من أحداث ثقافية وفنية وكل ما يتعلق بالمرأة والأسرة، حيث أن هذه كانت محاوراهتمامات المجلة، أيامها لم نكن عرفنا “الإنترنت” أو وسائل التواصل الاجتماعى” وكانت متابعتنا لما يدور حولنا تقتضى قراءة الصحف والمجلات يومياً وكذلك متابعة البرامج الإذاعية والتليفزيونية، والاتصال يوميا بالمصادر المختلفة لنكون على اطلاع بما يجرى.
كان هناك اجتماعاً أسبوعياً تعقده رئيسة التحرير معنا لمناقشة الأفكار والاقتراحات التي سيشارك بها كل محرر في أسرة تحرير المجلة، وفى الوقت الذى كان يقدم فيها الزملاء والزميلات اقتراحاتهم، وينتظرون الموافقة عليها، كنت أنا أقدم الاقتراحات وبمجرد موافقة السيدة “عبلة النويس” رئيسة التحريرعليها أسلم لها الفكرة منفذة جاهزة أي مكتوبة ومصورة، وهكذا سار عملى طوال سنواتى في المجلة، ولذلك لم يكن غريباً أن استلمت قيادة المجلة بعد سفر الزميل الأستاذ” جلال الجويلى”، الذى كان مديراً لتحرير المجلة، لأننى كنت سباقاً في تقديم الأفكار وتنفيذها قبل أي زميل أو زميلة، مما جعل رئيسة التحرير تثق في قدراتى، وأصبحت مسئولاً عن المجلة، وأحرر أكثر من باباً فيها إضافة إلى مراجعة كل صفحاتها.
لقاء صريح جداً:
أعود إلى حوارى مع الفنان الكبير الراحل” صلاح ذو الفقار” بمجرد أن قرأت عن ترقب وصوله في زيارة إلى “أبو ظبى” في إطار الموسم الثقافي الذى كانت تنظمه وزارة الإعلام بإشراف د. عبد الله النويس الوكيل الأول لوزارة الإعلام ومدير عام مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر في ذلك الوقت، سعيت لمعرفة مكان إقامته، ومدة الزيارة، وبالفعل حددت موعداً معه وذهبت إليه في موعدى بالتمام والكمال، لأننى أعرف مدى انضباطه وحرصه على دقة مواعيده، وكنت قبلها قد اطلعت على أعماله ومشواره الفنى من خلال أرشيف الجريدة، فلم يكن أيامها هناك “جوجل” أو غيره، وذهبت إليه وأنا أعرف كل شيء عنه، وهذا هو المفروض عندما نريد عمل حواراً ناجحاً وشاملاً.
رحب بى في الجناح الذى كان يقيم به في شارع حمدان، واغتناماً للفرصة بعد ترحيبى أنا أيضاً به وتمنياتى له بقضاء وقتاً ممتعاً في الإمارات العرببية المتحدة بدأنا الحوار، وأيامها كنت أعتمد على الكتابة فقط، ووجدته ينصت باهتمام لتساؤلاتى، ولم يترك صغيرة أو كبيرة إلا ورد عليها، وكان معى بالطبع زميلى من قسم التصوير في جريدة الاتحاد، لا أتذكر اسمه، ولكن أعتقد أنه كان إما (شوكت على أو ضياء شودرى)، الأول كان باكستانياً والثانى كان هندياً، وخلال ساعتين طوفنا معه بين البدايات وبين أعماله المتنوعة في السينما والتلفيزيون والمسرح والإذاعة، ولم ننس أيضا عمله بالشرطة وما استفاده من عمله كضابط بوليس، وتأثير ذلك على نمط حياته الملتزم طوال مسيرته الفنية.
وسافر هو عائداً إلى القاهرة، وبالطبع لم يُنشر الحوار إلا بعد أسبوعين من سفره، لأن هذه كانت طبيعة عمل المجلات، وجاء الحوار ليكون من أهم وأجرأ الحوارات الفنية التي أجريتها في حياتى الصحفية.
عائلة فنية :
للأسف لم يبق لدى من هذا الحوار سوى صورة اللقاء، ولكننى أتذكر تفاصيل اللقاء وما جرى فيه وما أدلى به من معلومات وتصريحات، ومن بينها ما يتعلق بعائلته، فرغم أن والده كان من رجال الشرطة ومأمور قسم المحلة، وكان شقيقه عز الدين ضابطاً بالجيش، وهو أيضاً كان ضابطاً بالشرطة، وشقيقه محمود كان مهندساً إلا أنهم قدموا للفن والحياة الفنية أعمالاً خالدة، تعد من أهم الأعمال السينمائية المصرية والعربية، ومن تراث السينما الخالد.
ورغم التزام الأب وشدته إلا أنه كان حريصاً على تنمية مواهب أولاده الفنية، وهذا ما جعلهم علامة بارزة في تاريخ الفن السينمائى المصرى والعربى، فقد كان شقيقاه عز ومحمود يعملان بالإخراج والإنتاج، وكتابة السيناريو والحوار، وهو عمل ممثلاً ومنتجاً قدم للسينما أكثر من 250 فيلما، و70 مسلسلاً والعديد من المسرحيات والأعمال الإذاعية، وليس هذا فقط، وإنما تزوج عز الدين ومحمود وصلاح عدد من نجمات الفن المصرى، أي أن حياتهم كانت فن في فن.
مدرس شرطة:
في الثامن عشر من كانون الثاني/ يناير عام 1926 ولد صلاح ذو الفقار في مدينة المحلة الكبرى، كان والده ضابط شرطة وكان الأخ الأصغر لأربعة أشقاء، هم (محمود وعز الدين وكمال وممدوح) ، وعلى الرغم من صغر سنه كان طفلا هادئا يتمتع بذكاء، وقد نشأ فى شارع رشيد بمصر الجديدة، ثم انتقل للعيش فى العباسية والتحق بمدرسة العباسية الابتدائية ثم المرحلة الثانوية فى مدرسة القبة الثانوية، الذى ظل فيها عامين وحول بعد ذلك لمدرسة فاروق الأول الثانوية التى أصبح اسمها فيما بعد مدرسة العباسية النموذجية.
وبعد أن حصل على الثانوية العامة تعلم الملاكمة على يد بطل العام وقتها محمد فرج، وكان صلاح ذو الفقار يحلم بأن يكون طبيباً وبالفعل التحق بكلية طب الإسكندرية إلا أن مرض والده ووفاته جعله يتواجد معه فترة طويلة في القاهرة وقتها فتم فصله من الكلية لغيابه لوقت طويل، فقررأن يتقدم لكلية الشرطة وأصبح طالبا عسكرياً، وأوضح صلاح ذو الفقار، أن “الرياضة كانت واخده الحيز الأكبر من حياتى فى الكلية، بمعنى إن أنا فى سنة تانية وتالته مكنتش بحضر طوابير تقريبًا، كلها طوابير إعداد رياضى.. وكان وقتها فى حاجة اسمها كأس الملك، ودا كأس يجمع كل الكؤوس أو كل نتائج الرياضات المختلفة، والكلية الأولى تاخد أكبر مجموع لترتيبها فى كل الرياضات، واللى حصل أنا فى الـ3 سنين اللى قعدتهم فى الكلية أخدنا كأس الملك سنتين”، وكنت بطل الجامعة فى الملاكمة فى وزن الريشة”.
وتخرج “ذو الفقار”، عام 1946، من كلية الشرطة ضمن دفعة الوزراء “أحمد رشدي – النبوي إسماعيل – زكي بدر”، وبدأ عمله في الشرطة في المنوفية وعمل في سجن طرة، كما تم تعيينه مدرساً في كلية الشرطة حتى استقال عام 1957.
بطل 25 يناير:
من بين التكريمات الكثيرة والجوائز حصل الفنان صلاح ذو الفقارعلى نوط الواجب تقديرًا لدوره الوطني في معارك العدوان الثلاثي عام 1956،ومن هنا وقبل أن نتحدث عن رحلته الفنية لابد أن نتحدث عن وطنية وبطولات الضابط “صلاح الدين أحمد مراد ذو الفقار” الذى عمل بالشرطة حوالى 11 عاماً.
إضافة إلى دوره الوطنى في معارك العدوان الثلاثى عام 1956، وتحقيق النصر ودحر العدوان، كان للضابط “صلاح الدين أحمد مراد ذو الفقار” بطوت لا تنسى:
وفي حديث صحفى سابق للواء الراحل، مصطفى رفعت، قائد الشرطة فى ملحمة الإسماعيلية يوم 25 يناير 1952. قال إن الفنان الراحل صلاح أحمد مراد ذو الفقار، كان يرافقه فى رحلة المقاومة، بداية من اتخاذ القرار بالانضمام للمقاومة حتى يوم 25 يناير 1952.
وكان الراحل صلاح أحمد مراد ذو الفقار، يدرس الشرطة الجنائية أو شرطة الجريمة في إنجلترا عام 1952، وعلم من خلال الصحف الإنجليزية، أن شعب القناة يقود مقاومة شعبية شرسة ضد الإنجليز، فاتخذ قراره بالعودة إلى مصر والانضمام للمقاومة، بصحبة صديقه “رفعت”.
وحصل “ذو الفقار” على فرقة قتال وكان حينها فى الـ 26 من عمره، وتولى مع “رفعت” مهمة تدريب قوات البوليس المصري، وتوجها إلى الإسماعيلية ليبدأ مشوارهما الفدائي، وشارك ذو الفقار فى تفجير أحد مواقع قوات الاحتلال، وحدثت مطاردة مع قوات الاحتلال حينها، واختفى داخل منزل أحد المواطنين والذي آواه حتى صباح اليوم التالي، ثم غادر.
يوم الجمعة 25 من يناير 1952، بدأت قوات الإنجليز فى محاصرة ديوان محافظة الإسماعلية، وتوجه ذو الفقار إلى هناك وبدأ مع قائده “رفعت” التفاوض مع القائد الإنجليزي (إكسهام) الذي طلب منهما الانسحاب وإنزال العلم المصري، وقوبل طلبه بالرفض، لتبدأ معركة شرسة بين قوات مصرية ببنادق بدائية وأخرى إنجليزية مسلحة بأسلحة حديثة، لمدة 9 ساعات، وسقط خلالها قرابة 60 شهيدا من الشرطة، وأُصيب مئات آخرون.
وفي نهاية المعركة اعتقلت القوات الإنجليزية الصديقين، لعدة أشهر، ثم أخلت سبيلهما بعد فصلهما من الشرطة، وكانت آخر رتبة حصل عليها الراحل هي رتبة “رائد”.
وهكذا يعتبر صلاح ذو الفقار أحد أبطال معركة 25 يناير 1952 التي ظهرت فيها بسالة وشجاعة رجال البوليس ضد البريطانيين .
تهريبه للسادات:
قبل ذلك وقع الاختيار على ملازم أول صلاح ذو الفقار لحراسة المتهم محمد أنور السادات الذى كان مشتبهاً فى اشتراكه فى حادث اغتيال أمين عثمان رئيس جمعية الصداقة البريطانية، الذي حكي له أنه كان ضابطًا في القوات المسلحة وتم فصله من الخدمة بسبب اشتراكه في اغتيال أمين عثمان وبعض عملاء الإنجليز.
ولمس ذلك الحديث وطنية صلاح ذو الفقار وحرك مشاعره فقام بتهريب “السادات” عدة مرات الأولي في سجن مصر العمومي، والثانية في قاعة محكمة باب الخلق للجنايات، وبالرغم من فشل الخطة في المرتين لم ييأس “ذو الفقار” وقام بتهريبه للمرة الثالثة من داخل مستشفى مبرة محمد علي الخيرية، مما أدي إلي محاكمته عسكريًا، ولكنه استطاع الخروج من تلك الأزمة التي لحقت به بسبب موقفه الشهم مع أحد الضباط الشرفاء، وذلك بعد تدخل وزير الحربية والداخلية (حيدر باشا)، الذي طلبه ضمن مجموعة من الرياضيين للالتحاق بفريق الملاكمة بنادي الزمالك.
الأسبوع القادم بإذن الله نواصل الحديث عن النجم ” صلاح ذو الفقار ومشواره الفني وحياته العائلية.