“ليه لأ”.. قضية حساسة برؤية مثيرة للجدل
بقلم: محمود حسونة
إذا أثار العمل الفني جدلاً وخلق حالة من الاختلاف والاتفاق المجتمعي مع مضمونه، فهي الشهادة له بأنه عمل ناجح وليس مجرد حكاية للتسلية وتضييع وقت الناس؛ ومسلسل “ليه لأ” امتد الجدل حوله إلى داخل الأسرة الواحدة.
“ليه لأ”، تجربة درامية تابعها الجمهور عبر منصة “شاهد” الرقمية لتؤكد المؤكد من أن العمل الناجح يمكن أن يجذب جمهوره، بصرف النظر عن زمان أو مكان عرضه، فلم يعد العرض الرمضاني هو الضامن للنجاح، والدليل أن كثير من الأعمال الرمضانية سقطت جماهيرياً نتيجة فشل الصنعة الدرامية فيها، كما أن العرض على أكثر القنوات انتشاراً ليس ضماناً للنجاح، بعد أن أصبحت خيارات المشاهدة متعددة أمام الناس سواء رقمية أو تليفزيونية، وأصبح لدى الجمهور خيارات متعددة للاختيار بين الغث والثمين.
من يطالع تترات المسلسل يقرأ مضمونه، حيث أنه صناعة نسائية بنسبة كبيرة، وقد تعودنا عربياً أنه إذا اجتمعت مبدعاتنا حول عمل فلابد أن يكون هدفهن توجيه صرخة من ظاهرة سلبية تمس نون النسوة؛ حيث التقت فيه (مريم نعوم) مشرفة على الكتابة، و(دينا نجم) كاتبة، و(مريم أبو عوف) مخرجة، و(أمينة خليل) بطلة، ومعها (شيرين رضا وهالة صدقي ومريم الخشت وناردين فرح) وغيرهن.. أما وجود الرجل فهو مهم أيضاً حتى تكتمل الصورة، وبالتالي فقد كان الجواب واضحاً من عنوانه.
لا جدال على صورة مريم أبو عوف التي جاءت معبرة ومتميزة، ولا حول أداء أمينة خليل التي أثبتت جدارتها بالبطولة المطلقة، ولا خلاف على أداء باقي بطلات وأبطال المسلسل وإن جاء محسن محيي الدين أقل مما كان منتظراً منه. إنما الجدل والجدال هو على مضمون المسلسل، والذي يدرك الجميع أنه مسؤولية جميع عناصره الرئيسية وليس فقط مسؤولية مريم نعوم ودينا نجم، وخصوصاً أنه نتاج ورشة من المؤكد أن أطراف متعددة أدلت بدلوها فيها قبل البدء بالكتابة.
البعض اعتبر المسلسل دعوة للفتيات للتمرد على حياة الأهل والتشبه بحياة الغرب، والبعض اعتبره دعوة لاستقلال الفتاة حتى تكتشف ذاتها بعيداً عن سلطة وتسلط الأم والأسرة، والبعض اعتبره دعوة يراد من ورائها باطل، والبعض اعتبره دعوة حق.
بصرف النظر عن الجدل، فإن المسلسل ناقش قضية حساسة ولكن برؤية ناضجة، حيث أن البطلة محور الأحداث ثلاثينية ولَم يتم تقديمها تلميذة في المدرسة أو الجامعة، بل قدمها في عمر متقدم، التزمت بتعاليم الأم لمدة ثلاثين عاماً وكانت تطيعها طاعة عمياء، ثم اكتشفت ضياع شخصيتها وإجبارها على حياة لا توافق قناعاتها، فقررت الاستقلال لا التمرد، لتبحث عن ذاتها وتحقق نفسها بما لا يخالف قيم المجتمع وإن تجاوز عاداته وتقاليده.
ليس عيباً أن نحطم الموروث البالي، وليست كارثة تعديل بعض العادات والتقاليد، وإنما اللامقبول هو تجاوز القيم التي تميز مجتمعنا عن غيره وأن نحول أنفسنا إلى صور ممسوخة لمجتمعات أخرى تختلف عنا في الكثير ولا تتوافق معنا إلا في النادر.
من حق (عاليا) وكل فتاة أن تحقق ذاتها وأن تكتشف مواهبها وأن تتمرد على التسلط والقهر الذي يمارس عليها، بعد أن تتسلح بسلاح القيم حتى لا تنزلق في طريق الضياع، والندم بعد فوات الأوان.
لعله لم يكن مقبولاً مشهد هروب (عاليا) من حفل عقد قرانها وفِي اللحظة الأخيرة خلال التوقيع، لما يحمله من إهانة لعريس ارتضته حتى ولو مضطرة والتقته مرات ومرات خلال الخطبة، ولما يحمله من إهانة على الملأ لأهلها وأهل العريس، وكان يمكن تقديم لحظة إعلان “التمرد”، بطريقة مختلفة دون أن يختل البناء الدرامي.
فِي المقابل، فإن من إيجابيات “ليه لأ” أن أحداثه وتطوراتها لم تكن موجهة للرجل بل كانت منتصرة له في مواقع كثيرة، ولم يسلك سلوك الكثير من الأعمال التي ربطت أزمات المرأة بالرجل، بل ما دفع (عاليا) للهروب هو تسلط الأم وتسلط الجدة، ولَم يكن للرجل دور فيه إلا من خلال العم الذي ساند ودعم مواقف الأم، وهو النموذج للرجل التقليدي النمطي الرافض للتجديد حتى في تصميمات الملابس التي ينتجها في مصنع العائلة، وهو نموذج للرجل الذي يطلق عليه الشباب صفة “قديم”.
“ليه لأ” قدم خمسة نماذج نسائية، الأم متسلطة والخالة التي فاتها قطار الزواج ووقعت في غرام شاب يصغرها بعشرة أعوام وتخشى الزواج منه بسبب مواقف الأهل، والصديقة الساعية للزواج بأي ثمن ولو من شخص يهينها كل الوقت ولا يترك لها حتى مساحة اختيار صديقاتها، ونموذج الأخت المنصرفة عن الاهتمام بزوجها حتى وقع ضحية لفتاة تلاعبت بمشاعره، ونموذج الفتاة المؤمنة بنمط الحياة الغربي شكلاً ومضموناً، وفِي المقابل قدمت نماذج متنوعة للرجال ومتشابهة إلى حد كبير مع العناصر النسائية به.
المسلسل خلق حالة من الجدل ولكنه حقق قدراً كبيراً من التوازن، بل أوحى لمشاهديه أن المعاناة واحدة للرجل والمرأة، من دون تفريق أو الإلقاء بمسؤولية مشاكل المرأة على الرجل.
mahmoudhassouna2020@gmail.com