بين “الملاطيلي و المذنبون”.. أفلام أتلفها الهوى
بقلم : محمد شمروخ
لأول مرة شاهدت فيها فيلم (حمام الملاطيلي) كان في الثمانيات حيث طغيان الفيديو فأذهلنى أيامها كم وجرأة المشاهد الساخنة فيه والتى لا يمكن تبرير أنها جاءت بغرض السياق، فالإغراء والإثارة كانا مقصودين لذاتهما لا لخدمة السياق التى بدت بعيدة لحدود بعيدة لدرجة أنه بدا لي أن الفيلم قد تم تركيب قصة له على هذه المشاهد التى كانت تأخذ حيزا زمنيا طويلا ومتدفقا من شأنه أن يشعل صالات الترسو بالصفير والتصفيق، ويؤجج الشهوات في نفوس الشباب المتعطش للجنس في فترة كان يصعب فيها الوصول إلى مصدر لرؤية مشاهد ساخنة في أفلام بسهولة.
والفيلم على الرغم أنه يناقش قضايا في منتهى الأهمية أبرزها حالة الضياع والشتات التى عاشها الشباب عقب النكسة ومدى الركود الاجتماعى التى أنتج مفاسد أخلاقية ناقشها الفيلم باجتراء غير معهود لكن للأسف على أهمية تلك القضايا والتى كان من الممكن أن تجعل للفيلم مكانة مميزة في تاريخ السينما، إلا أن تعسف المشاهد الجنسية الصارخة لوث سمعة الفيلم ووصمه بوصمة تجعلك تبتسم في استهزاء ودهشة لمجرد الثناء على قصة الفيلم التى كتبها الأديب الكبير إسماعيل ولي الدين، فالرواية صدرت في ١٩٧٢ وهى رواية ذات حجم صغير يمكن لك أن تقرأها في جلسة واحدة أو جلستين، وقد قوبلت باختفاء نقدى جعل من الأديب الكبير يحيى حقي، يكتب مقدمة طبعتها الثانية ويشيد بها بكلمات لعل حقي لم يكتب مثلها في الثناء على أى رواية تناولها قلمه بالنقد.
ولكن شتان بين الرواية المكتوبة والفيلم المعروض فالرواية رغم إيراد مشاهد الجنس نفسها تقريبا فيها إلا أن ولى الدين – في هذه الرواية بالذات من بين رواياته – لا يمكن أن تراه قاصدا أو متعسفا في رش فلفل الشهوة الذي ينبه ويستفز ويشحذ ذهن القاريء فيتشبث أكثر بالنص حتى نهايته.
فيكفي أن ترى صورة (نعيمة) الفتاة الدميمة المشردة بائعة الهوى والتى لم تكن أبدا في الرواية بحسن وجاذبية الفنانة شمس البارودي بطلة الفيلم والتى اعتمد الفيلم كله على جمالها الطاغي
كذلك لعبت الأماكن في القاهرة الفاطمية التى جرت فيها الأحداث خلفية رائعة في مشاهد الرواية المكتوبة أكثر من مشاهد الفيلم، فقد تفوقت الرواية المجهولة على الفيلم المشهور في كافة النواحى الفنية، بل إن لمسات صلاح أبو سيف الإخراجية التى وزعها على المشاهد لم تكد تؤثر أو تلعب أى دور ملموس إلا في المشاهد الجنسية الأربعة الكبرى، ومن بينها مشهد الرسام الذي لعب دوره الفنان الكبير يوسف شعبان وهو يدفع بطل الفيلم محمد العربي لخطيئة أكثر تقززا.
ولكن لابد أن نذكر أن الفيلم قد تم إنتاجه في عام ١٩٧٣ قبل العبور بثلاثة أشهر حيث كان اليأس والإحباط جاثمين على الأجواء مما جعل باطن المجتمع القاهري يموج بكل هذه الانحرافات مع إشارة إلى الغفلة التى طال مداها، ومع ذلك ففي نهاية الفيلم -وياللعجب- تحققت نبوءة الدرويش ذي الملابس المهلهلة وهو يحى قصصا من تاريخ مصر، والذي أدى دوره الفنان الكبير إبراهيم عبد الرازق إذ صرخ في الجميع “إصحي يا مصر”، وكأنه يتنبأ بالعبور الذي جاء بعد الفيلم بشهور ثلاثة كما أسلفنا.
أما الفيلم الثانى فهو (المذنبون) الذى أفسدته مشاهد الجنس وإن كانت موظفة دراميا ومتصلة بالسياق نوعا ما وأكثر فنية مما حدث في (حمام الملاطيلي) بسبب أن بطلة الفيلم أساسا نجمة إغراء في السينما، والفيلم كله يدور حول جرائم فساد حتى أنه لم يكد يترك فئة أو طبقة في المجتمع إلا وكشف فسادها بحرفية عالية، والفيلم كتب قصته الأديب الكبير نجيب محفوظ ولكنى حتى الآن لا أجد رواية مطبوعة بهذا العنوان لنجيب محفوظ وهذا ما يثير العجب.
والفكرة الرئيسية في الفيلم هي اضطرار أبطال الفيلم المشتبه في تورطهم في جريمة قتل سناء كامل نجمة الإغراء – التى مارست الجنس مع معظمهم – إلى أن يعترفوا بجرائم أقل حدة للإفلات من حبل المشنقة، وبدت الفكرة مستساغة وعبقرية ولكن كثرة مشاهد الجنس وضعت الفيلم في خانة الأفلام التى لا نرحب بها الأسرة المصرية وهى تجلس تستعيد ذكريات أفلام زمان كلما عرضت على شاشة التلفزيون.
فكل من فيلمي (حمام الملاطيلي والمذنبون) لم يعرضا على الشاشة الصغيرة حتى بعد أن انتشرت القنوات الفضائية، ولما أتيحت فرصة العرض بدا الفيلمان موضة قديمة، خاصة لمن شاهدهما أيام نوادي الفيديو، مع أننى أظن أن كليهما كان يمكن أن يكون له مكانة مميزة في سجل السينما العائلية لو ضحى صناعه بالمكسب القريب، والذي لسوء طالعهم لم يتحقق بسبب كثافة مشاهد الجنس التى تسببت في انتكاسة وسوء سمعة طغت على قيمتى القصتين على ما فيهما من إبداع حقيقي، لكنه مع كل الأسف ذهب أدراج الرياح.