ريا وسكينة والحاجة فضة.. ألف مرة
بقلم : محمد شمروخ
في الأسبوع الماضى تصادف أن أذاعت أكثر من قناة تلفزيونية فضائية مسرحية “ريا وسكينة” وكذلك مسلسلات “الراية البيضاء، ولن أعيش في جلباب أبي، وأبنائي الأعزاء شكرا، وليالي الحلمية” فكنت ترى المسرحية والمسلسل مرة واثنين وثلاثة وربما أكثر والأمر نفسه بالنسبة للحلقات!.
في كل مرة كنا جميعا في البيت نقف مشدوهين في أثناء تقليب القنوات أمام أي قناة تعرض أيا مما سبق وكأننا نراه للمرة الأولى مع أننا نحفظ على ظهر قلب غالبية المشاهد والحوارات والعقد والحلول والقفلات بجانب أسماء الشخصيات ومع ذلك، الدهشة لا تزال قائمة!.
لكن مسرحيات الفرق الجديدة مع كل ما صاحبها من ضجيج وشهرة مصنوعة “غصب” لكثير من أبطالها وبطلاتها مع المسلسلات التى تعاد من رمضان الفائت مباشرة أو ما قبله بحوالى خمسة رمضانات تقريبا، فلا تكاد تطيق ترى مشهدا واحدا فضلا عن فصل أو حلقة منها.
ما الذي حدث إذن؟!
الأكثر غرابة أنى وجدت كثيرين من أصدقائي على الحال نفسه من المتابعة لما نتابعه بشغف على شاشة تلفزيون بيتنا!.
ومع ذلك فلن أتهم القائمين في تلك الأعمال، من طاقم تمثيل ومخرجين ومؤلفين، بل ربما ألتمس لهم العذر مع سخطى عليهم، لأنه في كثير من الأعمال الجديدة، كان يمكن بمجهود بسيط أن يتحول هذا العمل الممل الممطوط، إلى عمل ذي قيمة قد يكتب له الخلود على الشاشة ولكن مع السف، هناك أكثر من سبب كان مدمرا لهذه المواد التمثيلية، سواء كانت للمسرح أو للتليفزيون أو للسينما وأولها الإغراق في التسطيح العمدى للأحداث ولكنهم ليتجنبوا اكتشاف هذا التسطح، يقوموا بإشعالها بعقد ومؤثرات درامية تبدو مثيرة وكذلك حلها بحلول تافهة وهو الذي لا ينجم إلا من الاستعجالات المتوالية!
باستعجال المؤلف لأن يكتب عملا يغطى مساحة زمنية بأكبر قدر ممكن من التصعيد الدرامي للحدث بافتعال المآسي افتعالا لتغضب ولتسيل أكبر قدر من دموعك مع ارتفاع دقات قلبك للتعمية على المط والتكرار وتهافت الفكرة وسفه الشخصيات وتعسف الأحداث وكل ذلك لا قيمة له بعد كل هذا، إلا أن يكون العامل الأول هو الوضع في الاعتبار بأن بالتمكين لأكبر قدر لعرض وملء الفواصل الإعلانية، لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة مع ضمان بيع هذه الأعمال لتحقيق الجملة السخيفة الملازمة للنجاح والنجومية “مكسر الدنيا”!
فذاك لعمرك، لهو الهدف الحقيقي وهو كذلك السبب الأكبر للانهيار الذى حقق الهدف بخراب دنيا الدراما بعد تكسيرها بالفعل!
واستعجال الممثلين لأنهم مرتبطين بأعمال أخرى يتم تصويرها في الوقت نفسه، لاسيما النجوم منهم، فيجرى سلق الدور على قدم وساق!.
وباستعجال المخرج لإنجاز كل ذلك في أسرع وقت!
وسياط الاستعجال تلك التى تهوى أطرافها اللاسعة على جميع الظهور، ممسوكة بإحكام بيد الباشا المنتج الذي يجلد بدوره – في حال الفشل – من السيد المعلن الذي يسوق كل ما سبق سوق العبيد لأسواق النخاسة.
وهذا هو مربط الفرس!
فكل الأعمال الخالدة التى تتكرر ونراها باللهفة نفسه بل ونكتشف فيها الجديد كل مرة بل والمثير الذي لم يفقد إثارته مع معرفته مسبقا، فكلنا نشد على يد (بابا عبده) ونعرف مصير (ريا وسكينة وعبعال) ونغتاظ من عنطزة (نازك هانم) ونحنق على (الحاجة فضة) ويبهرنا أداء عبلة كامل – وليست فاطمة!- لأنها تطغى بحقيقتها على شخصياتها وهو سر أدائها العبقري”.
ومع ذلك لا نمل ولا نكل ولا نفقد انبهارنا وحماسنا، لأن الكل لم يساقوا إلى سوق النخاسة الإنتاجية أو الإعلانية، مع منتجين ومعلنين كانوا على قدر المسئولية ويقدرون قيمة ومعنى حرية المؤلف والمخرج والممثل، فتحقق الخلود مع النجاح لن غرض الجميع كان البناء لعمل درامي “محترم” لا تكسير وتحطيم وتنطيط فقد مفعوله مع ما رأيناه في نهايات لمسلسلات حديث العهد والتى ينساها المشاهد ويهرب منها الريموت ويضيق بها الصدر لأنها “حركاتهم محفوظة” ولكنها ذابت من فرط هشاشتها، ذلك مع أننا ثبت أننا نستمتع بما حفظناه حقا من كل المشاهد “المحفوظة” ولكن في سجل الفن الخالد تاريخا وحاضرا ومستقبلا!.