الموسيقى المصرية.. متى تعود؟ وكيف؟ (1)
بقلم : سامي فريد
أين موسيقانا المصرية؟
أين يمكن أن نجدها؟ وكيف السبيل إليها؟..
هل لو بحثنا عي آلآتنا الشعبية كالربابات والمزامير والدفوف والسمسيات سوف نجدها؟
دراسات وأبحاث طويلة مسح خلالها الموسيقار منير الوسيمي كل الأقاليم المصرية.. فاستمع إلى موسيقى الفلاحين والصعايدة وأبناء النوبة وبدو الصحراء فاكتشف أن كل أقاليم مصر الثقافية هى خمسة أقاليم، تختلف نعم ولكنها كلها تلتقي في النهاية.
كما اكتشف أن موسيقانا المصرية خرجت من معابد الفراعنة لتتراجع مع الزمن أمام الغزو التركي لمصر في القرن الساس عشر لتنسحب هى إلى الصعيد والنوبة..
من على جدران المعابد الفرعونية رصد “منير الوسيمي” آلاتهم الموسيقية فوجد أن الآلات الموسيقية الفرعونية سبقت كل موسيقى العالم.. وأنهم عرفوا “المايسترو” قائد الأوركسترا قبل العالم كله، فكان مشروعه الذي حاول تنفيذه بإنشاء مصنع لإعادة صنع هذه الآلات الموسيقية الفرعونية بمقاساتها وأحجامها ليعرف أصواتها، فكان أن كوَّن أول فرقة للآلات الشعبية نال بها الجائزة الأولى في مهرجان عالمي بجنوب ألمانيا متقدما على عشرين دولة أوروبية وأسيوية، فيما يسمى بموسيقى الشعوب كان من بينها الولايات المتحدة الأمريكية..
مع منير الوسيمي كان هذا الحوار لنعرف منه كيف يمكن أن نجد موسيقانا المصرية..
سألته: هل ما نسمعه الآن من موسيقى وغناء مصري أم تركي؟
كان سؤالي مفاجأة لكنه بادرني على الفور يسألني عن سبب سؤالي؟..
قلت أنه يتردد في الأوساط الموسيقية أننا نغني ونعزف الآن المقامات التركية منذ عاد كامل الخلعي من رحلته في ربوع بغداد ودمشق اسطنبول وتونس فتعلم الموشحات بعد أن استمع إلى كل الموسيقى في الدول العربية من حوله.
أضفت قائلا إن كامل الخلعي عاد من رحلته ومعه المقامات التركية التي عرفنها منذ أيام محمد عثمان وعبده الحامولي وسلامة حجازي، ثم استمرت مع زكريا أحمد والسنباطي وأحمد صدقي ومحمود الشريف ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش، وأن محمد عبدالوهاب قد أضاف إلى الموسيقى بعض الآلات والإيقاعات الغربية، لكن ما حدث بعد رحيل عبدالوهاب كان كارثة بكل المقاييس فقد راحت المقامات الشرقية التي تلحن بها في التراجع من 430 مقاما حتى وصلت الآن إلى 3 ممقامات الآن فقط الاماندر.. وهي الكورد والنهاوند والبياتي بعد ما لجأ أشباه الملحنين والموسيقيين إلى ذلك الجهاز الذي يسمونه الإيكوليزر Equalizer الذي يستطيع من خلاله كل من يدرس أصول الموسيقى على حق أن يضع على ايقاعاته أي لحن.. فايقاعاته لا تنتهي!..
وكانت إجابة الموسيقار منير الوسيمي منطقية فيما بدا لي إذ قال: أننا كثيرا وكثيرا جدا ما نقرن بين المقامات والايقاعات وهذا الخلط هو السبب فيما نقع فيه من أخطاء تخدث في الوسط الموسيقي بلبلة محيرة..
والحل؟ سألته: هل سنظل نغني بالمقامات التركية، وأليس لمصر موسيقاها الخاصة بعد كل هذه الحضارة الضاربة بجذورها في التاريخ؟
قال: من هنا ولهذا السبب تحديدا كان بحثي عن موسيقانا المصرية من قبل أن تفاجئني بسؤالك هذا، كان همي كله ومنذ زمن بعيد هو البحث عن الشخصية المصرية في الموسيقى وفي العلوم الموسيقية، لماذا؟ لأن كل منهج موسيقي له خصوصياته المتفردة..
كيف إذن نبحث عن الموسيقى المصرية؟، أين طرف الخيط وكيف تبدأ خطوتنا الأولى؟ كان تفكيري كله يواصل الوسيمي وهو البحث في تاريخ مصر عن شكل موسيقانا في مختلف عصورها. بحثت في ذلك المشوار الطويل عن هذه الموسيقى على جدران المعابد في الأقصر وأسوان كما استمعت وبتركيز شديد إلى موسيقى الفلاحين والصعايدة في بحري وقبلي وموسيقى النوبة أيضا..
وفي فترة السبعينيات حدث أن كانت تزور مصر بعثة من أوروبا الشرقية برئاسة عالم الآثار الفرعونية الكساندر تيبريو، وكان عملي البعثة هو جمع التراث المصري. لفتت أنظاري – يضيف الوسيمي – أشكال الآلات الموسيقية الفرعونية، فقمت بتصويرها كاملة لإعادة تصنيعها لسماع أصواتها حتى يمكن أن اصنع منها أوركسترا للموسيقى المصرية لنعرف منها سلمها الموسيقى الذي كانت تعزف موسيقاها عليه، ومن أعجب ما اكتشفت وقتها أن المزمار الصعيدي ذو الروحين ذلك الذي لم أجد له مثيلا في العالم كله..
يواصل منير الموسيمي فيقول: شغلتني هذه المسألة رغم ما قد يبدو من بساطتها فرحت أتابع نشأة الآلات الموسيقية في العالم كله فظهر لي تميز مصر وتفردها على العالم كاله هذه حقيقة..