درويش ورضا وفريدة
بقلم : محمد شمروخ
هل يمكن أن نصف الفنان الكبير محمود رضا بأنه سيد درويش الرقص المصري لأنه أحيا من تراث الرقص كما أحيا درويش من تراث الأغاني؟!
سؤال تبادر إلى ذهنى عندما توقفت أمام فيلم “غرام في الكرنك” في أثناء تقليبي قنوات التلفزيون باحثا عن فيلم أو أي مادة درامية ذات قيمة في غابات القنوات الفضائية، ففيلم غرام في الكرنك من الأفلام التى ارتبطت بذكرياتنا بصفته واحدا من الأفلام القابلة للمشاهدة مرارا دون ملل أو كلل، والسبب الرئيسي ليس سوى الاستعراضات التى قدمتها فرقة رضا وظلت لصيقة بمسيرتها وبذاكرتنا وحفظها الكبار والصغار وما زالوا يرددونها حتى صارت واحدة من كلاسيكيات الفن الاستعراضي وبلغت النموذج والغاية لكل ما جاء بعدها.
أما قبل ما قدمته الفرقة بأبطالها الكبار الذين صاروا رموزا لها وللفن الاستعراضي الشعبي، الأخوان على ومحمود رضا وفريدة فهمي وعلى إسماعيل ومحمد العزبي ومن معهم من المعروفين على نطاق ضيق أو المجهولين من الراقصين والرقصات.
انظر معي قبل محمود رضا وفريدة فهمي، كيف كان مردود كلمة “راقصة” ثقافيا واجتماعيا مهما بلغت شهرة الراقصات؟!.. فما بالك إذن بكلمة “راقص”.
لكن الفنان محمود رضا استحق في نظرى أن يكون سيد درويش الرقص، لأنه بمشاركة راقصي ومطربي وملحنى ومؤلفي أغاني واستعراضات فرقة رضا، سجلوا للتاريخ وللمستقبل بالصوت والصورة والحركة، رقصات شعبية كان يمكن ان تندثر وانتهلوا من تراث عريض كان مجهولا في التاريخ الفنى لفئات الشعب المصري بكل بيئاته الصعيدية والفلاحية والصحراوية والسواحلية والنوبية وكذلك تراث بعض الشعوب العربية الشقيقة.
إن ما فعلته فرقة رضا كان سابقة في هذا المضمار لم يسبقها إليه أحد، فالفن الشعبي لم يكن فنا عشوائيا لأن القريحة الشعبية في الأغاني والألحان والرقصات، أهدت الإنسانية دررا عبرت بمنتهى الرقي عن آلام وأفراح الشعوب.
ولم تكن مسألة إحياء الفنون الشعبية الراقصة أو تصميم رقصات من روحها، بالعمل الهين،ن لا في تتبعها في بيئاتها الحقيقية ولا في إخراجها في صورة تناسب ذائقة البيئات الحديثة أو تقديمها إلى الأجيال اللاحقة.
لكن فرقة رضا استطاعت فعل ذلك وقدمته في عروض على المسارح وفي السينما والتلفزيون، فقد تمكن الثنائي العبقري محمود رضا وفريدة فهمى، من تحرير الرقص من مفهومه الشائع من مجرد التسلية والترفيه والإغراء، إلى مفاهيم أرقى ليصبح رسالة ثقافية بين الشعوب المتجاورة والأجيال المتعاقبة، فلقد تحرر الرقص في خطواتهما، من مجرد هز البطن والعري، إلى حركات إيقاعية لا يمكن أن تشعر حيالها إلا بأنك ترى عملا فنيا حقيقيا في غاية من الاحترام، فجمال ورشاقة وحركة الجسد الإنساني فيها من الإبداع ما هو أهم وأكثر رقيا وسموا من الإغراء والتعري والتسلية، فلا يمكن أن ترى رقصة لفريدة فهمى ومحمود رضا ويتسرب إليك أدنى شعور بالازدراء أو إحساس بالإغراء.
كيف فعل رضا هذا؟!
إنه الإيمان الحقيقي بالفن، الإيمان الذي أخرج الرقص من الكباريه والخمارة إلى المسرح والأوبرا، فلا يمكن أن ترى سكيرا أو صاحب ليل أو شهواني يمكن أن يحرص على مشاهدة أو الاستمتاع باستعراض يرقص فيه محمود رضا مع فريدة فهمى، فضلا على أن يذهب إلى المسرح أو الأوبرا ليحضر حفلا للفرقةّ.
لقد بدأ رضا بالسير على طريق وعر ثم ما لبث أن مهده لمن سيكمل المسيرة، لكن للأسف، لم يجد من يكمل مسيرته ومهما كان من حصيلة ما قدمته الفرقة منذ تأسيسها عام 1959، إلا أنه لا يكفي ولا يتناسب مع الخطوة العملاقة التى بدأت بها الفرقة، هذا برغم من تولي الدولة المصرية إدارتها عقب ضم الفرقة رسميا في عام 1961 في اعتراف رائع بأهمية هذا المجال وبتعاون خلاق بين الدولة والأخوين رضا خرجت لنا استعراضات شكلت تراث الفرقة، لكن للأسف تيار الإبداع انقطع بعد حلقات متصلة ولا تزال الساحة تنتظر من يكمل المسيرة سواء من الفرقة أو من غيرها.