علاقة (وردة) برؤساء مصر: أحبت عبدالناصر، وأغضبت السادات، وغنت لمبارك
كتب: أحمد السماحي
أمس الجمعة كنا نحيي الذكرى الثانية عشر لرحيل أميرة الطرب (وردة) التى رحلت عن حياتنا يوم 17 مايو 2012، والتى غنت للثورات وللأوطان وللحب، وصافحت رؤساء، وعايشت عمالقة الزمن الجميل.
ومازال صوت (وردة) القوى يتجاوز السنين والغياب، مازال صوتها القوى هو صوت الناس.. الشعب.. الجماهير، ومازالت (على الربابة تغنى) فى كل ذكرياتنا الوطنية فتثير الشجن والحمية والاحساس بالانتماء.
لم تكن (وردة) جملة عابرة فى دنيا الغناء، ولانغمة متصلة فى رحلة موسيقانا العربية لكنها علامة محفورة فى القلوب والذاكرة.
تقرب منها الرؤساء وتقربت منهم، استخدموها واستفادوا بجمال صوتها وقوته، لكنها كما استفادت منهم أحيانا تعرضت لغضبهم وتضييقهم أحيانا آخر، لكنها فى كل حال بقيت محمية بحب الناس وعشق البسطاء لصوتها الذى يعبر عنهم فى كل حال.
(وردة) وحب جمال عبدالناصر
كان اعتقال المناضلة الجزائرية (جميلة بوحيرد) سببا في شهرة (وردة) في العالم العربي!، حيث غنت عام 1958 أغنيتها الشهيرة (كلنا جميلة) التى يقول مطلعها:
كلنا جميلة البطلة النبيلة
كلنا فداها البطلة الجميلة
سجن الأعادي بطلة بلادي
وظنوا جميلة لا يوجد سواها
وحققت الأغنية نجاحا ساحقا، فقدمت (وردة) رائعة أخرى عام 1959 بعنوان (أنا من الجزائر) كلمات عبدالجليل وهبي، وألحان محمد محسن، والتى حققت لها شهرة مدوية.
حيث كانت هذه الأغنية بطاقة تعارف بينها وبين جمهور مصر، ولبنان وسوريا وتقول في بدايتها:
أنا من الجزائر.. أنا عربية
أهلي الشعب الثائر.. وبيطلب حمية
من الجمهورية المتحدة العربية
وبدأت الإذاعات العربية وتضامنا مع شعب الجزائر الذي كان يعيش في مرحلة نضال من أجل الأستقلال، تذيع أغنيتي (كلنا جميلة) و(أنا من الجزائر) للمطربة الجديدة (وردة)، مما لفت الانتباه إليها بقوة.
وكان من هؤلاء الرئيس (جمال عبدالناصر) الذي أحب صوت المطربة الجديدة، وصرح بهذا لأحد المقربين منه، الذي نقل هذا الحب والأعجاب إلى (محمد عبدالوهاب) والشاعر أحمد شفيق كامل أصحاب نشيد (الوطن الأكبر).
واستغل محمد عبدالوهاب وجود (وردة) في مصر للأتفاق على فيلم (ألمظ وعبده الحامولي)، فطلب من صديقه (أحمد شفيق كامل) إضافة كوبليه خاص عن الجزائر، في أغنية (الوطن الأكبر) وبالفعل تم كتابة الكوبليه الذي غنته في سنة 1960.
وحضر الحفل (عبدالناصر)، وعندما نزل الفنانيين للتسليم عليه قال لـ (وردة): (أهلاً يا جزائر يا صوت الثورة).
ودعما من المسئولين فى حفلات أضواء المدينة للجزائر وثورتها الفتية، اشتركت (وردة) فى كل الحفلات الغنائية، وفى كل هذه الحفلات كانت تغني الجزائر.
وفي حفل قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة، أنشدت أغنيتين الأولى أغنيتها الشهيرة (جميلة)، والثانية بعنوان (رسالة لعبدالناصر) التى يقول مطلعها:
من عند أخويا اللي في الجزائر
وأهل كانوا في حيفا زمان
ومن مجاهد فى الكونغو ثائر
وأخ عربي فى عمان
أربع رسايل وصلوني
ومكتوب عليهم للريس سري وعاجل
وفتحتهم من بعد أذنك
وقعدت أقرأ فى كل جواب
أكمنى عارفة إنى مافيش
بينك وبين الشعب حجاب
كانت تحية
أعظم تحية بيهديها الشعب إلى قائد
من الشعوب اللي جمعها الهدف الواحد
ولم تكن هذه هى الأغنية الوحيدة التى ذكرت فيها اسم الرئيس (جمال عبدالناصر)، فذكرت إسمه في أغنيتها (ثلاثة أخوة من دير ياسين)، كلمات علي مهدي، ألحان عبدالعظيم محمد، وأيضا في أغنية (من قلبي تحية، ومن روحي تحية، للوحدة القوية).
(وردة) وغضب الرئيس السادات
إذا كانت علاقتها بالرئيس (جمال عبدالناصر) كانت قائمة على الحب والود، حتى أنها وحتى آخر يوم في حياتها – وكما رأيت بنفسي – كانت تزين غرفة المعيشة التى تستقبل فيها الضيوف والأصدقاء في منزلها بصورة لها مع الزعيم الراحل (جمال عبد الناصر)، وهي تتقلد وساما بعد اشتراكها في أوبريت (الوطن الأكبر).
فشاب علاقتها بالرئيس (محمد أنور السادات) توترا في نهاية السبعينات وبالتحديد عام 1978، ومنعت أغنياتها بسبب الرئيس الليبي (معمر القذافي)!
والحكاية باختصار أن المطربة سافرت للغناء في ليبيا في ذكرى عيد الاستقلال الليبي بدعوة من الإذاعة الليبية، بعد أن أستأذن الموسيقار (بليغ حمدي) زوج (وردة) فى هذا الوقت المسؤلين في الحكومة المصرية، حيث كانت العلاقات المصرية الليبية متوترة.
ويومها غنت (وردة) وأطربت الحضور بما فيهم الرئيس (معمر القذافي) الذى كان من بين الحضور، ولم تكتف المطربة بالغناء العاطفي فقط، لكنها قدمت أغنية وطنية عن ليبيا بعنوان (الغلا إن زاد).
ونظرا لحضور الرئيس القذافي بدأتها بموال جاء فيه تمجيد لاسم (القذافي)، حيث تقول: (الغلا إن زاد يزيد يافاتح غلا، والغلا إن زاد يزيد يامعمر غلا)، ثم تكمل: (وصلي عالنبي يامصلي.. على زينة البلدان وصلي عالنبي يامصلي.. على ولادها الشجعان).
ونقل (الواشون من ولاد الحلال) ما حدث في ليبيا، لبعض المسئولين، ووصل الأمر للرئيس (محمد أنور السادات) فغضب وأصدر أمر شفوى بمنع أغنيات (وردة) من الإذاعة والتليفزيون لنحو عام كامل.
وكان قرار مثل هذا في ذلك الوقت يعد بمثابة الحكم بالإعدام على أي فنان، فلم يكن هناك فضائيات ولا إنترنت، وكان الإعلام الرسمي الحكومي هو المتحكم في شهرة أو عدم شهرة المطربيين.
وبعد شهور من قرار الحظر تدخل الموسيقار (محمد عبدالوهاب) وأصلح بين المطربة والرئاسة، وسعدت (وردة) جدا بهذا القرار.
واستغلت احتفالات مصر بنصر أكتوبر، وغنت أغنية للرئيس (محمد أنور السادات)، بعنوان (إحنا الشعب) قام بتلحينها عراب المصالحة الموسيقار محمد عبدالوهاب، وكلمات حسين السيد.
وقد أنهاتها بجملة: (وفي ظل السادات ومع شعب السادات.. هتعيشي يامصر منارة وتعيش ياسادات)، وكانت هذه الأغنية هى الوحيدة التي غنتها وردة للرئيس السادات وذكرت فيها اسمه مباشرة.
وكانت أشارت إليه في أغنية (عقبال الجاي يا أهالينا) عام 1975، عندما تم إعادة افتتاح قناة السويس، في قولها (واللي عدانا من الأول ياما لسه كمان هيعدينا).
حسني مبارك حبيب الشعب
أما الرئيس (حسني مبارك) فكانت علاقتها به جيدة، وإن كان شابها فتور في نهاية حكم الرئيس مبارك، وغنت له أغنيات كاملة باسمه، ففي عام 1993 قدمت أغنية (خمسة وخميسة) كلمات عمر بطيشة وألحان صلاح الشرنوبي، التى تتغزل فيها بالرئيس ووطنيته وزعامته فقالت فى أحد الكوبليهات
أنا جاية مع أجمل عيد جاية
من بلد المليون شهيد جاية
وبغني أحلى المواعيد
تسلم وتعيش يا(مبارك)
عربي أصيل من أهالينا
طيار شجاع طاير بينا
وسط الخطر بيعدينا
وفي العام التالي مباشرة عام 1994 غنت من كلمات عمر بطيشة، وألحان صلاح الشرنوبي أيضا :
من حق الشعب العربي هنا يفرح بالنصر
فى كل سنة ويهني (مبارك) بالأعياد
وأفرح من قلبي وأغني أنا
البطل ده من بلادي
عشت عهده شفت مجده
وانتصاره ع الأعادي
وتغني له أيضا أغنيتها الشهيرة (حبيب الشعب) كلمات عمر بطيشة ألحان صلاح الشرنوبي التى تقول فيها :
يا (مبارك) يا حبيب الشعب يااه يا حبيب الشعب
يا زعيم عربي صحيح يتحب ياااه حبيب الشعب
أنت أديت عمرك لبلادك، وبلادك شيلاك في القلب.