رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: البنية الثقافية و(الإدراك الحسي) للمسرح الشعبي) (2)

كمال زغلول يكتب: البنية الثقافية و(الإدراك الحسي) للمسرح الشعبي) (2)
الانفعالات الحسية نتيجة التأثر بالمحسوسات الخارجية التي تنفعل لها الحواس

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول

فى المقالة السابقة تم عرض ماهية إبداع المسرح الشعبي، وفى هذه المقالة نتعرف على (الإدراك الحسي) للمسرح الشعبي لنتعرف على الطريقة التي يبدع بها الشعب فنه المسرحي، من خلال العلاقة القائمة بين الشعب وفنانيه، والكيفية  التي تخرج بها الأشكال المسرحية الشعبية، لتظهر في صورة عرض مسرحي تمثيلي شعبي من خلال ذلك البناء الذي يحوي العناصر التالية:   

كمال زغلول يكتب: البنية الثقافية و(الإدراك الحسي) للمسرح الشعبي) (2)
الحس المدرك، هو نتاج التجربة الحسية للشعب الواحد، والحس مرتبط بالنفس البشرية

أولاً: الإدراكات الحسية الشعبية  

لكل شعب من الشعوب نوع من (الإدراك الحسي)، الذي يميزه بطابعه المختلف عن غيره، وهذا الحس المدرك، هو نتاج التجربة الحسية للشعب الواحد، والحس مرتبط بالنفس البشرية، وكما يقول (محمد عثمان نجاتى) فى كتابه (الإدراك الحسي عند ابن سينا): (إن الإحساس وظيفة أو (ظاهرة) نفسية إدراكية تحدث نتيجة انفعال يقع على الحس من المحسوسات الخارجية).

وبالطبع تلك الانفعالات الحسية نتيجة التأثر بالمحسوسات الخارجية التي تنفعل لها الحواس، وهذه المؤثرات منها ما هو عنصر طبيعي داخل البيئة الجغرافية للمجتمع، حيث إن العناصر الجغرافية لأي مجتمع إنساني تؤثر فيه حسياً، كالجبال، والأنهار.. إلخ.

 وعلى المستوى الاجتماعي نجد تأثيرات اجتماعية تؤثر في المجتمع الواحد، فعلى سبيل المثال قصة عنترة وعبلة، أو جميل وبثينة، أو عزيزة ويونس، قد صنعت تأثيرات جمالية على أفراد المجتمع، حيث السلوكيات العاطفية لأصحاب تلك القصص أصبحت مؤثرات حسية تتداول وتتناقل بين أفراد الشعب.

ونجد أيضا للتاريخ الشعبي المتمثل في سير الأبطال، كأبو زيد، أو عنترة، أو بيبرس، تأثيرات حسية داخل الوجدان الشعبي، وكل هذا يعد من المؤثرات الحسية الشعبية، التي تنفعل لها الحواس الشعبية، وتؤثر في نفوسها، وهذا التأثير النفسي، يدخل إلى مجال الإدراك الحسي.

ويضيف نجاتي: (فالإحساس هو مجرد التنبيه الذي يحدث عن الكيفية الحسية، مثل التنبيه الذي يحدث في العين عن الضوء، أو التنبيه الذي يحدث في التذوق عن الطعم.. أما (الإدراك الحسي) فهو إدراك الشيء الذي تؤثر كيفيته في الحس، وذلك بالاستعانة بخبرتنا الماضية)، ويذكر نجاتي أيضا أن (الإحساس مضافا إليه ما يتمثل في الذهن من المعاني المتعلقة بها هو ما يُكوِّن الإدراك الحسي).

ولذلك يكون (الإدراك الحسي) مخزناً الذكريات والتخيلات والتصورات التي تؤثر في النفس البشرية، ويرتبط بالإدراك الذهني، إذ أن المدرك الحسي يتولد عنه الإدراك الذهني نتيجة المؤثرات التي يطبعها ذلك (الإدراك الحسي) في النفس البشرية.

كمال زغلول يكتب: البنية الثقافية و(الإدراك الحسي) للمسرح الشعبي) (2)
ما تلعبه التأثيرات الحسية في النفس ينعكس في الذهن

 ثانيا: الإدراك الذهني الشعبي

ما تلعبه التأثيرات الحسية في النفس ينعكس في الذهن؛ وقد جاء في المعجم الفلسفي إن (الذهن ما به الشعور بالظواهر النفسية المختلفة. ويطلق أيضا على التفكير وقوانينه أو مجرد الاستعداد للإدراك)، وفي الذهن تحدث عمليات التذكر والتخيل، الناتجة عن الإدراك الحسي وهذا مستودعه الذهن.

ولذلك يطلق على تلك العملية التي تتم داخل الذهن، (الذهني) وفي العجم الفلسفي أيضا هو (ماله صلة بالذهن في مظهره الوظيفي كالذاكرة والمخيلة، أو في مضمونه ودلالاته مما يشتمل عليه الذهن).

ومن هذا التعريف نجد أن ما تركه (الإدراك الحسي) من ذكريات وتصورات حول تاريخه وموضوعاته الاجتماعية قد خزن في الذاكرة، وأصبح كل ما عاصره الشعب، وتأثرت به أحاسيسه، قد استقر في أذهانه، وهذا يشتمل على السير، والحكايات.. إلخ؟

وأصبحت تلك السير والقصص، جزء من حسه الجمالي، وتحمل بداخله قوى خيالية عنه، لها بعد في مشاعره، وأصبحت جزءاً من النسيج الذي يتوارثه  الشعب بشكل حسي وذهني (عقلي).

كمال زغلول يكتب: البنية الثقافية و(الإدراك الحسي) للمسرح الشعبي) (2)
الشعور يمثل درجة من درجات استعادة ما يشكل لنا درجات من المتعة الحسية

الشعور الشعبي

والشعور يمثل درجة من درجات استعادة ما يشكل لنا درجات من المتعة الحسية، ويقول جميل صليبا (ولعل أحسن وصف له قولنا: أنه الشيء الذي نفقده رويدا رويدا عندما ننتقل من الصحو إلى النوم، وما نسترجعه رويدا رويدا عندما ننتقل من النوم إلى الصحو).

والشعور الشعبي متدرج في البعد أو القرب من مؤثراته الجمالية، فهو نسبي بين التذكر والنسيان، وهو ملازم للإحساس،  كما يقول (محمد عثمان نجاتى): (يصاحب الإحساس عادة شعور باللذة والألم).

ولذلك يعمد الشعب إلى عدم فقد لذته الجمالية بما يشعر به، فيعمد إلى التمثيل الفني، لتكون وسيله مستقرة، لإمداده بالمتعة الجمالية دوما، وهنا يعتمد جمهور الشعب على الفنان الشعبي، الذي يقيم له عروضاً مسرحية شعبية، تحقق له ما في إحساسه الجميل المقترن بذكريات ماضية، أو حاضرة.

كمال زغلول يكتب: البنية الثقافية و(الإدراك الحسي) للمسرح الشعبي) (2)
ما يبدعه الفنان الشعبي ما هو إلا حياة الشعب و حياته أيضا

الفنان الشعبي (الممثل)

وهو واحد من أفراد الثقافة الشعبية، ولكنه بداخله الموهبة الفنية، التي تستطيع تحقيق المتعة الجمالية التي تؤثر في الشعب من خلال فن المسرح الشعبي، لذلك فهو مجهول في العمل الفني الشعبي، وهذا يعود إلى أن ما يبدعه الفنان الشعبي ما هو إلا حياة الشعب و حياته أيضا.. وهذا ما سوف نتحدث عنه فى المقالة القادمة بإذن الله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.