(دوواد عبد السيد).. رحيل مخرج الإشارات والتفاصيل الصغيرة، صاحب الروائع التى لا تنسى

كتب: أحمد السماحي
رحل ظهر اليوم المخرج السينمائي فيلسوف الإخراج السينمائي (داوود عبد السيد) ـ 79 عامًا ـ بعد مسيرة استثنائية شكّلت أحد أكثر المشاريع الفكرية عمقًا وتأثيرًا في تاريخ السينما المصرية الحديثة.
كان (داوود عبد السيد) تعرض منذ عدة أشهر إلى أزمات في الكلى، وصلت إلى الفشل الكلوى، واضطر إلى الذهاب بشكل دوري إلى المستشفى لإجراء عمليات الغسيل، إلا أن حالته تدهورت خلال الأيام الماضية ولفظ أنفاسه الأخيرة داخل منزله ظهر اليوم السبت.
يعد (داوود عبد السيد) أحد أبرز المخرجين السينمائيين المصريين، حيث لقب بفيلسوف الإخراج السينمائي، نظراً لكون أفلامه تحمل فلسفة خاصة.

مذكرات تلميذة غيرت تفكيره
ولد (دوواد عبد السيد) في حي شبرا، وبالتحديد يوم 23 نوفمبرعام 1946، ولم يكن ضمن طموحاته في الطفولة أن يصبح مخرجا، كان يريد أن يكون صحفيا، لكن ما غير قناعاته ابن خالته، حيث كان يعشق مشاهدة الرسوم المتحركة، وتطور معه الأمر لشراء كاميرا، وعمل بعض المحاولات في المنزل.
وتدريجيا تعددت علاقات ابن خالته بالعاملين في مجال السينما، وكانت نقطة التحول التى غيرت تفكير (دوواد عبد السيد) عندما ذهب هو وابن خالته إلى (ستديو جلال) القريب من مسكنه بمصر الجديدة.
وكان يومها في السادسة عشر، وشاهد المخرج (أحمد ضياء الدين) والد صديقه في المدرسة، وكان يخرج فيلم (مذكرات تلميذة) للفنانة نادية لطفي، وانبهر (دواد عبدالسيد) بما شاهده في البلاتوه، وسيطر على تفكيره بشكل مذهل.

دوواد يدخل معهد السينما
قرر (دواد عبد السيد) هو وابن خالته دخول معهد السينما، لكن لسوء حظ ابن خالته لم يلتحق بالدراسة، وكانت المفاجأة قبول (دوواد) الذي تخرّج في المعهد العالي للسينما (قسم الإخراج) عام 1967.
وكان (دوواد) مع ثلاثة آخرين هم (علي بدرخان، وخيري بشارة، وحسام علي) الأربعة الأوائل في قسم الإخراج، وهم من تم تعيينهم في هيئة السينما بداية من شهر فبراير عام 1968.
ومنذ عام 1968، وحتى عام 1971 أشترك (دوواد عبد السيد) كمساعد مخرج في ثلاثة أفلام روائية طويلة، هى على التوالي (الرجل الذي فقد ظله) للمخرج كمال الشيخ، و(الأرض) ليوسف شاهين، و(أوهام الحب) للممدوح شكري.
ولكن (دواد عبد السيد) لم يحب العمل كمساعد مخرج لطبيعته الشخصيه التى تميل للهدوء والسرحان والتأمل.

رقصة من البحيرة
مع بداية السبعينات بدأ (سعد نديم) مع (صلاح التهامي) بالدعوة إلى تأسيس المركز القومي للأفلام التسجيلية، والتحق (دوواد) بالعمل في المركز كمخرج، ومع بداية عام 1972 يقدم المخرج الشاب أول فيلم تسجيلي له وكان بعنوان (رقصة من البحيرة) كان مدة الفيلم 4 دقائق عن فرقة البحيرة للفنون الشعبية، وذلك من خلال فلاحة تشترك بالفرقة كراقصة.
وبعد عامين يقدم فيلمه الثاني بعنوان (تعمير مدن القنال) وهو فيلم إعلاني من عشر دقائق تقريبا، ممول من قبل وزارة التعمير التى كانت تهتم بتلك المدن بعد حرب أكتوبر عام 1973، ويدور الفيلم حول موضوع إعادة بناء بعض الأحياء مثل حي الشيخ زايد بالسويس.

وصية رجل حكيم وطه حسين
بعد ذلك بعامين يقدم (دوواد عبد السيد) أول أفلامه التسجيلية التى تحمل تجربة ورؤية، وكان بعنوان (وصية رجل حكيم في شئون القرية والتعليم) وكان مدته 21 دقيقة، وأهداه لعميد الأدب العربي الدكتور (طه حسين).
ورصد من خلاله أحد الظواهر التى تنطوي على صراع درامي داخل إحدى القرى بمحافظة كفر الشيخ، حيث يبدأ الفلاحين بإرسال أبنائهم إلى المدرسة، وهذا ما يثير غضب لدى طبقة من الأعيان.
وتوالت أفلام (دواد عبد السيد) التسجيلية مثل (الأمن الصناعي، العمل في الحقل) وكان آخر أفلامه التسجيلية عام 1980 بعنوان (عن الناس والأنبياء والفنانيين) وهو فيلم عن الفنان التشكيلي (راتب صديق) وزوجته (عايدة شحاته).



الكيت كات والصعاليك
مع بداية شهر فبراير عام 1985 أي منذ أربعين عاما قدم فيلمه الروائي الطويل (الصعاليك) بطولة (نور الشريف، ومحمود عبدالعزيز، ويسرا، ومها أبوعوف، وعلي الغندور، ولم يكن هذا الفيلم أول ما كتب (دوواد) وإنما أول ما تم تنفيذه بالفعل من ضمن ما كتب.
وبدأت تتوالى أفلامه أو روائعه السينمائية التى لا تنسى التى أهتم فيها بالإشارات والتفاصيل الدقيقة للإنسان المصري البسيط، والخروج عن السائد من الأفكار المستهلكة، من هذه الأفلام (البحث عن سيد مرزوق)، و(الكيت كات) و(أرض الأحلام)، و(سارق الفرح)، و(أرض الخوف)، و(مواطن ومخبر وحرامي)، و(رسائل البحر).
وحصدت أفلامه عشرات الجوائز العربية والدولية، من بينها الهرم الفضي من مهرجان القاهرة السينمائي، والجائزة الذهبية من مهرجان دمشق، إلى جانب جوائز الإخراج والسيناريو، وجائزة الدولة للتفوق في الفنون (2004)، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون (2012).
عُرف (داوود عبد السيد) بسينما الأسئلة والقلق الوجودي، وبأسلوب فكري وفلسفي منحاز للإنسان والهامش، بعيدًا عن الاستسهال واليقين. وبرحيله، تفقد السينما المصرية أحد أكثر مخرجيها استقلالًا وعمقًا.