رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)

الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)
مروان حامد
الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)
أحمد مراد
الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)
أحمد السماحي

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد السماحي

عندما علمت بخبر تجهيز فيلم (الست) عن حياة (أم كلثوم)، سيناريو وحوار الكاتب أحمد مراد، وإخراج مروان حامد، وبطولة منى زكي، سعدت جدا بهذا الخبر، وكنت متحمسا للغاية للفيلم، ثقة مني في صناعه.

فـ (مروان حامد) واحد من نجوم الإخراج السينمائي المتميزين الذي رسم خطا جديدا متألقا من خلال نظرة سينمائية حساسة ومرهفة، تعرف كيف تضع الأصبع على الجرح، وكيف تحيط الموضوع الذي يتناوله بهالة من ضوء كاشف يعريها ويظهرها ويدفعنا رغما عنا إلى مناقشتها.

و(أحمد مراد) بتمرده وشغبه وموضوعاته الجريئة المختلفة التى ينحت من خلالها قاموس سينمائي خاص به، بغضبه وصراخه، وسكينه الحاد، وعدم رضاه عما يراه خطا وتحيزا واستسلاما.

و(منى زكي) الرائعة الموهوبة التى تدور كالنحلة حول أي دور يعهد إليها تتفحصه وتمتصه وتهضمه، ثم تخرجه عسلا فيه الحلاوة والدواء معا.

ماذا جرى لهذه المواهب التى قدمت لنا من قبل أعمالا لا تنسى، وما الذي دفعهم إلى هذا الميدان من الأفلام الذي تخصص فيه فرسان غيرهم، لا يمتطون الجياد البيضاء، ولا يرفعون سيوفا من فولاذ، ولا تتقد أعينهم بالنار والغضب؟

من يشاهد فيلم (الست) يجد قصة مفككة مرتبكة، وأبطال من ورق، وأحداث لا يربطها منطق، ولا تسير على نهج، في مزيج مختلط من الواقعية، والعبثية الفارغة التى لا معنى لها.

فرغم أن حياة كوكب الشرق (أم كلثوم) وتربعها على عرش الغناء المصري أكثر من 100 عام حتى الآن، تستحق عمل سلسلة أفلام عنها، لأنها المعجزة الخارقة، وقيثارة الأمة العربية، والفلاحة الذكية التى حكمت العالم العربي بصوتها، وأميرة الظرف، وعملاقة الغناء، ومجودة القرآن.

لكن صناع فيلم (الست) أخفقوا في صنع فيلم عن هذه العملاقة التى لم يكن مشوارها ممهدا، ولا مفروشا بالورود، فقابلت كثير من الصعوبات والإحباطات والهزائم والانكسارت.

ولم تنج (أم كلثوم) في بداية مشوارها من حملات المغرضين، ولم تخل مجلة أو صحيفة من خبر يسئ إليها، واستخدم أعداؤها في الحملة عليها كل سلاح، وتجردوا من الشرف، ومن الخلق، ومن كل شيئ.

الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)
كانت أم كلثوم تؤمن بمقولة الأمام محمد عبد عن الفلاح

أم كلثوم وإيمان الفلاح

 لكن (أم كلثوم) لم تهتم كثيرا بالأمر، كانت تؤمن بمقولة الإمام محمد عبده: (اللهم ارزقني إيمان الفلاح البسيط الذي يأكل من العشب، وينام على العشب، ويصلي على العشب، ويموت على العشب)، وفي هذا تأكيد على أنها تجنح نحو فطرة الفلاح البسيط، ومقولة: لا يبقى إلا ما ينفع الناس، ومع ذلك ففي الرحلة صادفت (أم كلثوم) النجاحات المدوية، والملوك والأمراء، والسلاطين، وكبار الشعراء والملحنيين والسياسيين.

وغنت في أماكن عدة، بداية من أفراح الفلاحين والأعيان، إلى السرادقات المقامة في الموالد، إلى صالونات العاصمة ومنتدياتها، إلى قصور الأعيان، إلى مجالس البشوات والأمراء، إلى حلقات الثوار، والقادة والأبطال، إلى  مسرح (الأولمبيا) العالمي في باريس.

وظلت (أم كلثوم) طوال هذه الرحلة الطويلة، هى البنت الفلاحة الصبية العفية، تفوح منها رائحة طين الأرض، وعرق الفلاحين، وظلت تحن إلى المزارع، وتتذكر عمال التراحيل، الذين يفترشون الأرض العراء، ويأكلون العيش (الحاف) أو الذي يٌحليه (جبن قريش)، ولعل هذا هو سر قوة أم كلثوم، فيها دأب وجهد الفلاح إذا لزم الأمر.

الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)
الافتتاحية من مسرح الألومبيا في باريس

بذخ الإنتاج والافتتاحية العبقرية

كل هذه الحياة التى صنعت أسطورة (أم كلثوم) قادرة على صنع فيلم مصري حقيقي رائع، خاصة مع توفر البذخ في الإنتاج، لهذا سعدت جدا، وتحمست لفيلم (الست)، وانتظرت عرضه بفارغ الصبر، لكن كما قال الشاعر الكبير (أبو الطيب المتنبي): (تأتي الرياح بما لا تشتهي السّفنُ)، فرغم توفر كل شيئ لم نستمتع بأي شيئ!، إلا ببعض التقنيات مثل الديكور والأزياء، والمونتاج.

وافتتاحية الفيلم العبقرية، التى مزج فيها المخرج (مروان حامد) ما بين المشاهد الحقيقية والتمثيلية، ثم انتقاله إلى الريف لنرى طفولة (أم كلثوم)  الفقيرة البائسة، وأيضا مشهد نزول (أم كلثوم) لأول مرة القاهرة، ونظرات الإبهار في عيونها، وذهابها إلى ملهى (البسفور) ومشاهداتها لفرقة رقص أجنبية، كل هذه المشاهد أدتها (منى زكي) بشكل أكثر من رائع.

الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)
كريم عبد العزيز
الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)
محمد فراج

لم نشاهد إلا منى زكي

لكن بعيدا عن بعض التقنيات والصورة الخلابة، وتمثيل (منى زكي) المتقن جدا في بعض المشاهد، لم نجد في الفيلم أي تمثيل لنجوم الفن المصري (كريم عبدالعزيز، آسر ياسين، أمينة خليل، أحمد حلمي، نيللي كريم، أحمد خالد صالح، عمرو سعد).

وكان ظهورهم باهتا لا يغني ولا يسمن من جوع، رغم أنهم ضيوف شرف، لكنهم للأسف لم يتم توظيفهم بصورة جيدة، ولم يكونوا (ضيوف شرف) كانوا أقرب إلى الكومبارس في الفيلم.

ورغم الظهور المتكرر إلى حد ما لـ (محمد فراج) الذي جسد شخصية (أحمد رامي)، و(تامر نبيل) الذي جسد شخصية (محمد القصبجي)، لكن ظهورهما كان فاترا، وليس باهتا!، خاصة (تامر نبيل).

ولم يجد (فراج) شيئ يفعله في ظل سيناريو مهترئ، إلا وضع يده على خده طول الوقت كما كان يفعل (أحمد رامي)!.

ولكن الحقيقة أن (أحمد رامي) كما شاهدناه في البرامج القديمة، والصور، لم يكن يفعل هذه الحركة طول الوقت، كما فعل (فراج)!، ولكنه كان يفعلها عندما يسمع (أم كلثوم) وعندما يفكر في أمر ما.

وكان أداء (منى زكي) يتأرجح ما بين القوة، والضعف، ففي مشاهد مثل علمها بأن الثورة منعت أغنياتها، ومشهد المرآة التى تنظر فيها وتكتشف أنها كبرت، وملامحها تغيرت، وأيضا مشهد مشكلتها الصحية التى يمكن أن تؤثر على حنجرتها أدتها بشكل متميز للغاية.

أما مشاهد (التطجين) و(شرب سجاير الحشيش)، وتعاملها مع فرقتها، ومشاهد الانتخابات وتهديدها للعازفين، فلم تكن موفقة فيها، ولم تكن (أم كلثوم)، ولكنها كانت (نعيمة شخلع)!، خاصة أن (منى زكي) لجأت إلى طبقة صوت (معلمة في مدبح) أو راقصة درجة عشرة!.

الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)
موسيقى المبدع (هشام نزيه) كانت رائعة جدا، لكنها لا تصلح إطلاقا لفيلم (الست)

موسيقى هشام نزيه لا تصلح لأم كلثوم

أما موسيقى المبدع (هشام نزيه) كانت رائعة جدا، لكنها لا تصلح إطلاقا لفيلم (الست)!، لكنها تصلح لفيلم عصري، يتحدث عن أحداث معاصرة تتسم بالإثارة والحركة.

 فرغم أن فيلم (الست) عن أسطورة الغناء، لكنه لم يبذل أي جهد لتوزيع بعض أغنياتها بشكل عصري، مما جعلني بعد خروجي من الفيلم أترحم على العبقري (عمار الشريعي)، والذي مزج مجموعة من أشهر ألحان أم كلثوم في (تتر) مسلسل (أم كلثوم)، وطوال الحلقات كانت تصاحبنا توزيعات لألحان أغنيات أم كلثوم.

الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)
وقائع مفتعلة ترتدى مسوح الواقع، وهى بعيدة في تركيبها وبنائها وسير أحداثها

قوة الفن في الإقناع

يا جماعة الخير، دائما ما أكتب أن قوة الفن في الإقناع.. (عايز تلعب فنيا؟! يلا بينا، أهلا وسهلا باللعب لكن بشرط ألعبها صح، وأقنعني، فيلم (الست) عبارة عن شخصيات لا ترتكز على أي أساس مقنع.

وتتصرف تصرفات لا يقرها أي منطق في عالم مصنوع ومزيف، أراد له صانعوه أن يكون واقعيا من خلال وقائع مفتعلة ترتدى مسوح الواقع، وهى بعيدة في تركيبها وبنائها وسير أحداثها.

الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)
أمينة خليل

الأخطاء التاريخية في فيلم (الست)

من الأشياء التى استوقفتني هى الأخطاء التاريخية في فيلم (الست)، ففي أحد المشاهد، وفي أول حفل لأم كلثوم في القاهرة، تظهر (فريال) التى جسدتها (أمينة خليل)، وهى ابنة أحد البكوات صاحب القصر الذي ستغني فيه أم كلثوم.

وهى لا تعلم أي شيئ عن (أم كلثوم) ولا حكايتها ولا ظروفها، ولا حتى استمعت إلى صوتها من قبل، وتصطحبها إلى غرفتها، وتعطف عليها، وتعطيها، فستان (سواريه) غالي الثمن ترتديه، وقبعة تغطي رأسها، ونظرا لحشمة (أم كلثوم) تضع على كتفيها شيئ أشبه بـ (شال) نظرا لأن فساتين هذه الفترة كانت مفتوحة من على الصدر.

هذه الواقعة مؤلفة ولم تحدث على أرض الواقع، الحقيقة كانت عكس ذلك تماما، وتعالوا بنا نسمع ونقرأ (أم كلثوم) ماذا تقول عن هذا الحفل، كما جاء في حديثها الطويل مع الإذاعي (وجدي الحكيم) الذي باعه لشركة (راندافون) وطرح على خمس شرائط كاسيت؟!

تقول (ثومة): (عندما تم استدعائي لإحياء حفل عند أحد البكوات في القاهرة لأول مرة، وعندما شاهدني قال: ايه لعب العيال ده؟ وسأل: هى البنت اللي لابسه ملابس راجل دي، هى اللي هتغني؟ قال والدي: أيوه!

فطلب من الخدم، أن ينزلوني مع والدي، وأخي إلى بدروم المنزل، وأرسل (البيك) يستدعي الصييت القديم الشيخ (إسماعيل سكر) لإنقاذ ما يمكن انقاذه من سمعة السهرة، ولم أشعر بأية إهانة لهذه المعاملة نظرا لصغر سني.

وحضر الشيخ إسماعيل سكر، فأنشد وتجلى، وعند منتصف الليل عرض (البيك) على أصدقائه، ومدعويه أن يختتموا الليلة بالإنشاد الديني، فقبلوا الفكرة، وغنيت بكل جرأة وانطلق صوتي كالصاروخ.

ولا أحب وصف ما تملك الناس من طرب في تلك الليلة، ويكفي أن الشيخ (إسماعيل سكر) الذي جاء لإنقاذ الليلة كان يطلب مني الإعادة مع كل جملة، ويقول (أعد كمان).

وفي تلك الليلة طلبت الهانم ربة المنزل أن تراني، فذهبت إلى غرفتها في الحرملك، وجاء خالد أخويا معي، وما أن دخلت الغرفة حتى سمعت صوتا يقول: اتفضلوا.

وزاد تلفتي لأرى مصدر الصوت فلم تقع عيني على إنسان بل على طائر في قفص، وكنت أول مرة أرى ببغاء يتكلم، فصرخت مرتاعة، غراب بيتكلم، غراب بيتكلم، وخرجت مذعورة.

معنى هذا أنه لم يعرض عليها أحد فستان ولا غيره!، بل بالعكس ربة المنزل استغلت أنه فلاحة قروية، وضحكت عليها عن طريق الببغاء!

والحقيقة أن صناع فيلم الست لو اجتهدوا وذكروا هذه الحكاية كانت أفضل وأحلى من حكاية الفستان!

الأخطاء التاريخية، وضعف السيناريو، وسجاير الحشيش، أساءوا لـ (الست)
أن كلثوم على غلاف الكواكب عام 1931!

أم كلثوم والكواكب

الخطأ الثاني: بعد نزول (أم كلثوم) إلى القاهرة، تبدأ في الانتشار كمطربة، وتوزع أغنيتها (إن كنت أسامح وانسى الأسية) التى خرجت للنور عام 1928، مئات الألوف.

 فنجد البائع يعلن عن مجلة (الكواكب) وعلى غلافها (أم كلثوم)، والمشهد التالي يكتب على الشاشة عام 1931، في حين أن مجلة (الكواكب) ظهرت للنور عام 1932.

في الحلقة القادمة غدا:

* نستكمل باقي الأخطاء التاريخية، في فيلم (الست)، ونعرف هل قامت الست أم كلثوم الساعة السابعة صباحا يوم الأربعاء 23 يوليو عام 1052  لتجري بروفات في الإذاعة على أغنيتها (جددت حبك ليه)؟!

* وهل فعلا ثورة 23 يوليو منعت أغنياتها كما ظهر في الفيلم؟! وغيرها من الأخطاء التاريخية، وحقيقة مسدس القصبجي، انتظرونا ولا تبعدوا كثيرا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.