رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود عطية يكتب: فيلم (الست).. مستوي متدني للسينما!

محمود عطية يكتب: فيلم (الست).. مستوي متدني للسينما!
وتحول النقاش من تساؤل فني مشروع إلى حالة غضب واسعة

بقلم المستشار: محمود عطية

إفلاس فني ومستوي متدني للسينما يبرز انعدام الإبداع في وجود نصوص تقدم للمشاهد وذلك منذ الإعلان عن الفيلم الجديد (الست)، الذي تتولى فيه الممثلة (منى زكي) تجسيد شخصية (أم كلثوم).

اشتعل الجدل في الأوساط الفنية والثقافية والجماهيرية بشكل غير مسبوق، وتحول النقاش من تساؤل فني مشروع إلى حالة غضب واسعة لأن مشروع فيلم (الست)، منذ بدايته بدا وكأنه اختيار مرتجل لا يحترم قيمة الرمز التاريخي الذي يتعامل معه، فأم كلثوم ليست مجرد مطربة بل مؤسسة ثقافية عربية قائمة بذاتها وصوت شكل وجدان منطقة كاملة.

ولذلك كان من المنتظر أن يكون الاقتراب من حياة (الست) الفنية والشخصية عملا عالي الحساسية والدقة، غير أن الفيلم قدم صورة مناقضة لكل ما هو متوقع، وبدا وكأنه نتاج قرارات سريعة لا علاقة لها بالبحث أو الفهم أو التعمق في جوهر الشخصية.

ومن أول لحظة ظهر اختيار (منى زكي) لأداء الدور خطوة مثيرة للاستغراب فليس لديها الأدوات التي يمكن أن تقترب من شخصية تمتلك هذا الوزن التاريخي والثقافي، وكانت النتيجة استمرار الفجوة بين الصورة الأصلية والصورة المقدمة على الشاشة فجاء الأداء باهتا لا يملك ملامح (الست) ولا حضورها ولا طاقتها.

وبدا وكأن الشخصية قد جردت من هويتها وتحولت إلى مجرد شكل باهت لا يحمل عمقها الروحي أو الفني، وحتى التفاصيل الدقيقة التي كانت يمكن أن تمنح الدور ثقله ظهرت مصطنعة ومقتطعة من سياقها، ولم يكن هناك أي انسجام بين لغة الجسد وطريقة الغناء وملامح الشخصية الأصلية.

ما جعل المشاهد يشعر أنه يشاهد محاكاة غير مقنعة لا تحترم ذاكرة الجمهور الذي يعرف جيدا شكل (الست) وصوتها وحضورها، ولم يقتصر الفشل على الأداء بل امتد إلى الدعاية الإعلامية المصاحبة للفيلم التي جاءت بصورة مبالغ فيها، إلى حد الاستفزاز.

محمود عطية يكتب: فيلم (الست).. مستوي متدني للسينما!
امتلأت الشاشات والبرامج ونشرات الأخبار وصفحات التواصل بخطاب واحد مكرر هدفه الترويج لفيلم (الست)

طوفان من الاحتفاء المصطنع

فقد امتلأت الشاشات والبرامج ونشرات الأخبار وصفحات التواصل بخطاب واحد مكرر هدفه الترويج لفيلم (الست) بأي شكل دون تقديم أي مبرر فني حقيقي لهذا الترويج، وكأن المطلوب من الجمهور أن يقبل الفيلم بالقوة وان يخضع لطوفان من الاحتفاء المصطنع الذي لا يستند إلى جودة العمل ولا إلى قيمته التاريخية.

بل إلى شبكة من العلاقات التي اعتادت دعم بعضها على أي شيء مهما كان ضعيفا، وهذا ما ظهر بوضوح حين تدفق عدد كبير من الممثلين والمخرجين والإعلاميين للدفاع العنيف عن الفيلم فور تعرضه للنقد، وكأن المسألة قضية جماعية وليس عملا فنيا من حق الجمهور أن يحكم عليه بالقبول أو الرفض.

فبدلا من أن يكون النقد مرحلة طبيعية لتقييم العمل أصبح هجوما يجب التصدي له، وأصبحت الردود تحمل نفس الرسائل الجاهزة التي تتكرر كلما صدر عمل ينتمي إلى تلك الدائرة المغلقة التي تدعم نفسها دون النظر إلى المستوى، أو القيمة وهى ظاهرة تثير غضب الجمهور الذي بات يدرك أن هناك من يحاول ممارسة ضغط إعلامي لفرض رأي واحد عليه.

حتى لو كان العمل ضعيفا ومخيباً للتوقعات، وزاد من حدة الغضب الشعبي أن منى زكي كانت قد تعرضت في السابق لموجة انتقادات شديدة بسبب مشهد مثير للجدل أدى إلى خسارتها جزءا كبيرا من شعبيتها، وتوقع كثيرون أن يكون فيلم (الست) فرصة لها لإعادة بناء علاقتها مع الجمهور.

لكن الفيلم فعل العكس تماما إذ كشف أن اختياراتها الفنية الأخيرة تفتقر إلى البوصلة، وأن الاعتماد على الضجة الإعلامية أصبح بديلا عن الجودة الحقيقية، وهذا ما زاد من عمق الفجوة بينها وبين المتابعين الذين شعروا أن ما يحدث ليس تجديدا فنيا بل استسهال يسيء إلى تاريخها وإلى تاريخ الشخصية التي تقدمها.

فقد جاء السيناريو نفسه ضعيفا مفككا بلا بناء درامي ولا رؤية ولا بحث تاريخي متماسك، فبدلا من تقديم حياة أم كلثوم في سياقها الثقافي والاجتماعي والسياسي جاء النص عبارة عن مشاهد مبعثرة لا يجمع بينها منطق ولا رابط.

ورغم أن أم كلثوم شخصية محورية في تاريخ الفن العربي، فإن الفيلم لم يقدم أي فهم لطريقة صعودها ولا لعلاقاتها ولا للتحديات التي واجهتها ولا للظروف السياسية التي كانت جزءا من مسيرتها، بل تعامل معها كأنها شخصية مسطحة بلا خلفيات ولا تعقيدات فبدت الرحلة كلها مفتعلة خفيفة لا تحمل أي عمق!

محمود عطية يكتب: فيلم (الست).. مستوي متدني للسينما!
جاء المونتاج مربكا لا يخدم السرد بل يقطعه ويشتت المشاهد

المونتاج مربكا لا يخدم السرد

وكان الإخراج جزءا من المشكلة أيضا فالإضاءة غير متسقة والديكورات بعيدة عن روح العصر وتصميم الملابس متذبذب، لا يعرف ما إذا كان يريد الابتكار أو التقليد، كما جاء المونتاج مربكا لا يخدم السرد بل يقطعه ويشتت المشاهد، والنتيجة كانت عملا بلا روح وبلا رؤية وبلا فهم لجوهر الشخصية التي يحاول تقديمها.

ولعل أكثر ما أثار السخرية هو محاولات بعض النقاد الدفاع عن الفيلم بعد موجة الغضب الجماهيري، إذ لجأوا إلى ترديد عبارات مستهلكة حول الجرأة والاختلاف والتجريب، وهى تبريرات لم تقنع أحدا لأنها تتجاهل حقيقة بسيطة، وهى أن الاختلاف ليس قيمة في حد ذاته الا إذا كان نابعا من رؤية فنية.

أما في حالة هذا الفيلم فكان الاختلاف مجرد غطاء لعمل ضعيف لا يملك أي مقومات للصمود أمام النقد أو حتى أمام المشاهدة العادية، إن هذا الفيلم يمثل حالة نموذجية لكيفية ضياع الفرص الكبرى بسبب سوء الاختيار.

وسوء التنفيذ وسوء الإدارة الفنية فهو عمل كان يمكن أن يكون حدثا تاريخيا لو أنه بني على احترام قيمة أم كلثوم وعلى فهم عمقها التاريخي والفني، لكنه انتهى إلى صورة باهتة لا تشبهها وإلى أداء لا يقترب من روحها وإلى معالجة لا تعكس أي تقدير لتراثها.

ولذا جاءت ردة الفعل طبيعية، لأن الجمهور لم يعد يقبل أن يتم فرض أعمال ضعيفة تحت غطاء الدعاية والتهليل المتبادل داخل الوسط الفني الذي صار يبدو وكأنه شبكة مغلقة تدعم أعضائها دون اعتبار للجودة، وأصبح من الواضح اليوم أن هذا النوع من الأفلام لن ينجح مهما كثرت محاولات التلميع، لأن المشاهد العربي أصبح أكثر وعيا وأكثر قدرة على التمييز.

ويدرك جيدا متى يحاول البعض فرض عمل عليه بالقوة ومتى يكون العمل حقيقيا يستحق الاحترام، وهنا تكمن أهمية نقد هذا الفيلم لأنه يكشف أزمة أعمق تتعلق بطريقة صناعة الفن، وطريقة حماية الرداءة داخل دوائر مغلقة لا تسمح بالتقييم النزيه.

وفي النهاية تبقى الحقيقة الواضحة أن الفيلم لم يقدم (الست)، ولم يقدم رؤية فنية، ولم يقدم قيمة بل قدم صورة سطحية وضجيجا إعلاميا وفشلا كان يمكن تفاديه لو احترم صناع العمل قيمة الشخصية التي يتعاملون معها، واحترموا الجمهور الذي يتوجهون إليه.

* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.